الرئيس الإسرائيلي والدفاع عن الحضارة الغربية

بعض تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تكشف عن حقيقتهم التي يحاولون إنكارها، وهي أنّهم طارئون على أرض فلسطين وأنّهم قوّة احتلال تمارس سرقة الأرض والاستيلاء عليها وممارسة التشريد والقتل والاعتقال والتنكيل بالسكّان الأصليين للأراضي التي يستولون عليها نيابةً عن قوى استعمارية أخرى.


ومن هذه التصريحات ما صرّح به الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوع يوم الثلاثاء الماضي (5/ 12) لمحطة MSNBC الأمريكية من «أنّ الحرب في غزّة ليست بين إسرائيل وحماس فقط بل هي حرب لإنقاذ الحضارة الغربيّة».


ولهذا التصريح أبعاد ودلالات كثيرة غير خفيّة، أوّلها أن إسحق هيرتزوغ يؤكد انتماءه لما سمّاه بالحضارة الغربيّة ولذلك يسعى إلى إنقاذها، وهو بالفعل ينتمي في أصله وثقافته وتفكيره وسلوكه ولغته إلى الغرب الأوروبي، وإلى مدينة بلفاست في إيرلندا الشماليّة، وهو ابن حاييم هيرتزوغ (1918-1997) الرئيس السادس للكيان المحتلّ الذي هاجر من إيرلندا إلى فلسطين سنة 1935 والتحق بعصابة الهاجانا الإرهابيّة كما التحق بالجيش البريطاني قبل أن يتدرّج في المناصب ليصبح رئيساً للكيان الغاصب سنة 1983.


وعلى ذلك فإنّ إسحق هيرتزوغ (الرئيس الحالي) ووالده حاييم هيرتزوغ (الرئيس السادس) هما بريطانيّان قلباً وقالباً وثقافة وفكراً واستعماراً، ومن حقّ الابن إسحق أن يعلن أنّ هدف حربه على غزّة هو إنقاذ ما سمّاه «الحضارة الغربيّة»، وإنها لبئس الحضارة إذا كان هذا القاتل ومن سلالة قتلة يمثّلها بجرائمه الدامية.


لكنّ السؤال المهمّ الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا يأتي هؤلاء الصهاينة لمحاولة إنقاذ الحضارة الغربيّة إلى قطاع غزّة وإلى أرض فلسطين التي لا تمثّل الثقافة الغربيّة؟ هل هي ضربة استباقية للثقافة العربيّة الشرقية قبل أن تصل إلى المجتمعات الغربيّة وتغزو الحضارة الغربيّة؟ وهو افتراض غير وارد في ضوء الواقع العربي والإسلامي، إلاّ إذا كان المقصود من إنقاذ الحضارة الغربيّة بعد توطينها عن طريق القوة والاحتلال في الأراضي العربيّة، وهذا يؤكّد الأشواق والتطلّعات الاستعمارية للغرب المتوحّش الذي يمثّله هذا الكيان الصهيوني الغ?صب.


وثمّة أمرٌ خطير آخر يرمي إليه الرئيس الإسرائيلي من تصريحه، وهو أنّه يرى أنّ أهل غزّة وأهل فلسطين يمثّلون الوجه النقيض للحضارة، أي أنّهم أعداء للحضارة، ولذلك يحقّ للإسرائيليين ولدول الغرب أن تعمل على استئصالهم بالقتل والإبادة وسفك الدماء دون اعتبارٍ لإنسانيتهم، وهذا الموقف يتناسب مع تصريحات كثير من المسؤولين الإسرائيليين الذين يرون في الفلسطينيين مجرّد حيوانات على هيئة بشر، وهي ذاتها النظرة العنصرية والنازية لدول الغرب التي يمثّلها هيرتزوغ.


إنّ رائحة العنصرية والاستعلاء ضدّ العرب تفوح من تصريحات هيرتزوغ وسائر الزعماء الإسرئيليين وتسوّغ قتل الفلسطيني وكلّ عربيّ بدمٍ باردٍ وبكلّ أنواع الأسلحة التي يمتلكها هذا الاحتلال والتي تزوّده بها دول الغرب التي جاءوا منها إلى أرضنا المباركة كي ينشروا فيها حضارتهم الدموية والعنصرية.


ومن أهداف هيرتزوغ في تصريحه هذا إلى جانب تقديم الذريعة لقتل الفلسطينيين والبطش بهم، أن يؤلّب دول الغرب ضدّ العرب وضدّ الفلسطينيين عندما يعلن أن الحضارة الغربية، أي حضارة جميع دول الغرب، مستهدفة من قبل أهل غزّة وأهل فلسطين، ويهدف من ذلك على أقلّ تقدير إلى التقليل من اندفاع بعض الدول الغربيّة نحو التعاطف مع منكوبي غزّة، كما يهدف إلى استدراج مزيد من الدعم الغربي لعدوانه الغاشم على غزّة والضفّة الغربيّة، وربّما مشاركة بعض دول الغرب مشاركة فعلية أو شبه فعلية في هذا العدوان كالذي تقوم به بريطانيا والولايات المتح?ة. وهو بذلك يصيد- كما يقولون- عدّة عصافير بحجر واحد.


ويبقى أن يقال لهذا القاتل سليل القتلة إنّ إنقاذ الحضارة الغربية لا يكون بحروب الإبادة ولا بالجرائم النازية والعنصرية الحاقدة، ولا يكون باحتلال أراضي الآخرين وتشريد أهلها، فهذه أمورٌ وممارسات لا علاقة لها بالحضارة من قريب أو بعيد، بل تندرج في باب الجبن والهمجيّة والوحشيّة والشرّ الخالص.