صحيفة إسرائيلية: البطريرك متهم.. الكشف عن بيع أرض من حي الأرمن في القدس لجمعيات يهودية متطرفة
في الوقت الذي تهز فيه الحرب حياة الإسرائيليين والفلسطينيين، ينزعج سكان حي الأرمن في القدس من موضوع آخر. يجري في الأشهر الأخيرة نضال جماهيري وقانوني حول أرض تشكل نحو ربع مساحة الحي، التي اشترتها شركة إسرائيلية – إماراتية من البطريركية الأرمنية.
اكتُشفت تفاصيل صفقة البيع قبل سنتين تقريباً، وعندما بدأت الأعمال على الأرض في نيسان الماضي أثارت عاصفة أدت إلى تراجع البطريركية عن الصفقة. مع ذلك، إذا تم تحقيق الصفقة، يحذر نشطاء أرمن، فذلك يهدد مستقبل الطائفة في المدينة.
القصة التي تشمل عقاراً قيّماً وكثيراً من الأموال ومصالح أجنبية وادعاءات بشأن فساد وتورط جهات يمينية متطرفة، تذكر بقضية هزت الطائفة الأرثوذكسية اليونانية في القدس في العقود الأخيرة، وأدت إلى وضع اليد على عقارين كبيرين لها في باب الخليل في القدس بواسطة جمعية "عطيرت كوهانيم”. تقول الطائفة الأرمنية إنها تعلمت الدرس اليوناني، ولن تكرر الأخطاء نفسها.
لكن إضافة إلى التوتر الموجود بين الطائفة الأرمنية وجهات خارجية، فإن انفجار القضية أبرز أيضاً توتراً بين القيادة الدينية وشخصيات الطائفة الصغيرة الساعية للبقاء. من يقودون الاحتجاج ضد البيع هم نشطاء شباب من الطائفة الأرمنية، غير المستعدين لقبول الصفقة التي قامت بها -حسب أقوالهم- البطريركية من وراء ظهر أبناء الطائفة.
11 دونماً بـمليوني دولار
تقف في مركز القضية الحالية منطقة مفتوحة كبيرة هي الأخيرة في البلدة القديمة في القدس، باستثناء منطقة الحرم (المسجد الأقصى) – 11.5 دونماً – الواقعة بين دير الأرمن وأسوار المدينة. استخدمت الطائفة هذه المنطقة طوال مئات السنين للزراعة وتربية الحيوانات، وتم بناء مدرسة للرهبان وبيوت سكنية ومبان أخرى حولها.
في 2020 تم توقيع اتفاق بين البطريركية الأرمنية وبلدية القدس، تمت في إطاره تسوية جزء من الأرض وأقيم عليها موقف سيارات يتكون من 180 مكاناً للوقوف، نصفها لسكان الحي اليهودي والنصف الآخر لسكان الحي الأرمني. بدأ حينها انتقاد لهذا الاتفاق من الطائفة الأرمنية وإسرائيل والعالم، لأنه يقلص المنطقة المخصصة لسكان القدس الأرمن، ويشكل -حسب المنتقدين- جزءاً من عملية تهويد البلدة القديمة.
لكن الصفقة التي أثارت الاحتجاج جاءت لاحقاً. في تموز 2021 تم التوقيع على اتفاق يتم في إطاره تأجير المنطقة التي تمتلكها البطريركية لشركة "حدائق زانا” لمدة 49 سنة، مع فرصة تمديد لـ 49 سنة إضافية. بالإجمال، سيتم تأجير المنطقة 98 سنة حسب الاتفاق، الأمر الذي سيحول التأجير إلى بيع فعلياً.
يقف على رأس الشركة المقامة من أجل الاتفاق يوم التوقيع رجل الأعمال الإسرائيلي، من أصل أسترالي، داني روتمان، الذي يسمي نفسه أحياناً داني روبنشتاين، وأحياناً الاسمين معاً. شمل الاتفاق أيضاً مباني ومناطق أخرى على أرض المواقف، منها قاعة مدرسة الأرمن للرهبان، وحديقة، وخمسة بيوت سكنية، بمساحة إجمالية 11.5 دونماً. ولكن البطريركية احتفظت لنفسها بتفاصيل الاتفاق، ولم يعترف سكان الحي بأنه يشمل مناطق أخرى إلى جانب موقف السيارات.
حدود حي الأرمن في خرائط البلدية واسعة في الواقع، لكن أجزاء كبيرة مشمولة فيها بشكل رسمي ليست تحت سيطرة الأرمن منذ سنوات كثيرة، من بينها القشلة – مركز الشرطة الكبير ومنطقة متحف برج داود وأجزاء من موقف الحي اليهودي ومؤسسات مسيحية أخرى. المعنى أن المنطقة التي شملتها الصفقة هي فعلياً ربع المساحة الأرمنية.
2 مليون دولار فقط هو الثمن المدفوع عند التوقيع مقابل المنطقة الكبيرة هذه. وحسب الاتفاق، تعهدت الشركة بإقامة فندق فاخر ومميز على الأرض، وتحويل نسبة ثابتة من أرباحه للبطريركية. إلى حين إقامة الفندق، تم الاتفاق أيضاً على أن تدفع الشركة للبطريركية 300 ألف دولار في السنة. مرت سنتين تقريباً إلى أن تم الكشف عن كل تفاصيل الصفقة، وأثارت عاصفة غير مسبوقة. وقالت الطائفة الأرمنية إن شركة "حدائق زانا” دفعت سعراً بخساً مقابل عقار لا مثيل له في العالم: مساحة كبيرة وعقارات مبنية في البلدة القديمة في القدس، واتهموا البطريرك نورهان منوغيان بتجاوز صلاحياته هو والمسؤول عن أملاك الكنيسة الأب بارت يرتزيان بالفساد.
أما بخصوص أبناء الطائفة الأرمنية، فقد أضيفت صفقة البيع إلى عدة تهديدات تحوم -حسب رأيهم- حول مصيرهم في المدينة. وبسبب وجوده قرب الحي اليهودي وفي الطريق إلى جبل صهيون، يعاني الحي الأرمني أكثر من الأجزاء الأخرى في البلدة القديمة من ظاهرة الاعتداء على رجال الدين. وسجل هناك في السنة الأخيرة عشرات أحداث الشتم والبصق والاعتداء الجسدي على المسيحيين الأرمن، وأعمال تخريب لممتلكات دينية. ويضاف إلى ذلك أن الطائفة الأرمنية التي هي في الأصل من الطوائف الصغيرة في القدس، آخذة في التقلص. الدمج بين نسبة الولادات المتدنية والهجرة إلى الخارج أدت إلى انخفاض حاد في عدد المسيحيين الأرمن في المدينة، الذي يقدر الآن بنحو ألف شخص فقط.
رداً على الاحتجاج، حاولت البطريركية في البداية الشرح بأن النسبة المئوية من مداخيل الفندق المستقبلي يستشكل جزءاً مهماً من مداخيل الكنيسة، لكن أبناء الطائفة وجهات حكومية أردنية وفي السلطة الفلسطينية، لم يقتنعوا، وبدأ الضغط على البطريرك آخذاً بالازدياد.
في محاولة لتطهير اسمه، فإن مجلس السينود المقدس الذي يدير البطريركية، قام بإقالة الأب بارت. في اليوم التالي، وكعقوبة على الصفقة، ألغى الأردن والسلطة الفلسطينية الاعتراف الرسمي بالبطريرك، الأمر الذي أضر بمكانته وقدرته على السيطرة على أملاك الكنيسة في مناطق السلطة وفي الأردن. في اليوم نفسه، طوّق متظاهرون غاضبون مبنى البطريركية وطالبوا بإجابات. اضطرت الشرطة للتدخل لإنقاذ الأب بارت من هناك.
عقب العاصفة، غادر الأب بارت إسرائيل إلى الولايات المتحدة. وفي محادثة مع "هآرتس”، رفض الادعاءات التي توجهها له البطريركية والطائفة الأرمنية، وأضاف بأن الأمر يتعلق بمشروع تمت مناقشته منذ عشرات السنين. ” تم التوقيع على الاتفاق بشكل قانوني من قبل البطريرك وبحضور المحامين”، وأضاف: "سبب الاحتجاج سياسي، الضغط من جهات خارجية نابع من حقيقة أن المشتري يهودي”. وأضاف بأن جمعية "عطيرت كوهانيم” ليس لها أي علاقة بالصفقة. حسب أقوال بارت، تم دفع البطريرك من قبل أشخاص يعملون لصالح جهات أمنية فلسطينية. "لم أفعل شيئاً سيئاً، كل ما فعلته من أجل البطريركية والطائفة”. بدا بارت أنه على قناعة بأن روتمان قال الحقيقة بخصوص خلفيته التجارية.
حصلت البطريركية على جواب مفصل على رسالتها من المحامي كلغسبيلد: "رغم مرور أسبوعين منذ ذلك الحين، فقد فضلت عدم التوجه إلى المحكمة لأسباب معروفة، وبدلاً من ذلك قررت إرسال غزاة وزعران في الأسبوع الماضي حاولوا إزعاج أعمال موكلتي في المنطقة، وإعاقة إدارة المكان الجارية”، قال محامي الشركة.