أخطر مقابلة مع حاخام يهودي يتحدث عن الصهيونية وخطرها على الجميع


منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، وبدء العدوان الإسرائيلي على غزة تداعت أصوات يهودية من جميع أنحاء العالم لإدانة ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي، مطالبة بإنهاء عدوانه العسكري ضد أهالي غزة.

وعلى إثر ذلك قامت العديد من المنظمات والجماعات والحركات اليهودية الدينية منها والعلمانية، بتنظيم مظاهرات تنديد ووقفات احتجاجية ضد آلة القتل الإسرائيلية، وعلى رأس هذه المنظمات تأتي منظمة ناطوري كارتا، وهي حركة دينية مناهضة للصهيونية ولفكرة إقامة وطن قومي لليهود ، وذلك منذ تأسيسها في ثلاثينيات القرن الماضي، على يد الحاخام «أمرام بلاو» في القدس.

و«ناطوري كارتا» تعني بالآرامية «حارس المدينة» وتستمد ايديولوجيتها من التلمود البابلي والأدب الحاخامي الذي يرى أن «اليهود طردوا من أرض إسرائيل بسبب خطاياهم» وأن «أي محاولة لاسترداد أرض إسرائيل بالقوة هي مخالفة للإرادة الإلهية، وأن عودة إسرائيل لا تكون إلا بقدوم المسيح».

كما أنها ترفض أي اجتهادات أو إضافات بشرية على التشريع الديني اليهودي معتمدة على المصدر الإلهي فقط في تسيير الأمور الدنيوية والدينية.

يعيش أكثر المنتمين لناطوري كارتا في نيويورك في الولايات المتحدة، ويقطن عدد منهم في حي «مئة شعاريم» وسط القدس، ويتعرضون للملاحقة والتضييق عليهم من قبل السلطات الإسرائيلية بسبب معارضتهم للصهيونية.

في هذا الحوار يفند الحاخام دوفيد فيلدمان الناطق الرسمي باسم منظمة ناطوري كارتا الدولية، السرديات الإسرائيلية القائمة على فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ويتحدث عن وجهة نظره بالاحتلال الإسرائيلي، والمجازر التي يرتكبها في غزة، والفرق ما بين اليهودية والصهيونية.

متى تأسست منظمة ناطوري كارتا؟ وما هي أهم أهدافها؟

تأسست ناطوري كارتا في القدس/فلسطين عام 1938، أي قبل عشر سنوات من إنشاء الكيان الصهيوني. لكن المعارضة اليهودية للصهيونية بدأت فوراً مع اختراع الصهيونية، منذ أكثر من مائة عام، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.

هدف ناطوري كارتا هو حماية المجتمعات اليهودية من الحركة الصهيونية الجديدة، وبناء الجسور بين المجتمعات اليهودية والفلسطينية، بعد كل ما تم القيام به لتقسيمهم.

ما هو رأيك بالكيان الإسرائيلي؟

إن فلسفة الصهيونية ووجود دولة إسرائيل وجميع أعمالها الإجرامية هي انتهاك كامل لليهودية

اليهودية والصهيونية متضادتان تماماً. اليهودية دين، بينما الصهيونية حركة سياسية بحتة، والصهيونية هي تحويل اليهودية من دين إلى قومية.

إن فلسفة الصهيونية، المتمثلة في بناء وطن سيادي للشعب اليهودي، هي على النقيض تماماً مع اليهودية. ووفقاً لأساسيات العقيدة اليهودية، يتم نفي اليهود بأمر إلهي ويُمنعون من إقامة سيادتهم بأي وسيلة مادية.علاوة على ذلك، فإن القتل والسرقة أو قمع شعب آخر أو تدمير ممتلكاته، هي انتهاكات حقيقية لليهودية.

ما هي وجهة نظركم الدينية بالسردية الإسرائيلية التي تقول إن «حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل» وأن ذلك بزعمها يستند الى التوراة ؟

تشير الدعاية الصهيونية دائماً إلى المفهوم الكتابي القديم القائل بأن الله تعالى وعد الشعب اليهودي بالأرض المقدسة، لكنها تنكر حقيقة أنه وفقاً لأساسيات العقيدة اليهودية، يتم نفي الشعب اليهودي من الأرض بعد ذلك، بموجب مرسوم إلهي ويُحظر عليهم إعادة احتلال الأرض بأي وسيلة مادية.

كيف تنظرون إلى المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة باسم «الدين اليهودي»؟

نحن مرعوبون، نحن نعرف ما هي المعاناة، ولا نريد أن نرى أي ضرر لأي شخص. نشعر بالحرج الشديد عندما يتم كل هذا بإسمنا. إنه تدنيس لإسم الله تعالى عندما يتم إساءة استخدام الدين اليهودي لتبرير كل هذه الجرائم

كل هذه الجرائم تنتهك جميع قوانين حقوق الإنسان تحت كل تعريف، وهي انتهاك واضح للتوراة

فالتوراة تحرم القتل والسرقة، ومن يستند إلى التوراة في تبرير هذه الجرائم فهو مزور يسيء استخدام التوراة. ولا تسمح التوراة بأي حال من الأحوال بهذه الجرائم. وللأسف فإن الصهاينة يستخدمون التوراة لارتكاب جرائم تشكل انتهاكاً صارخاً لتعاليم التوراة

ما هي مخاطر إسرائيل على اليهود في الشرق الأوسط والعالم؟

الصهيونية هي حركة معادية للدين يديرها يهود، وهي تمرد على الله عز وجل منذ نشأتها، وجعلت الصهيونية من أهم أهدافها اقتلاع تمسك الشعب اليهودي بخدمة الله، جزء من هذا المشروع هو المضايقات الوحشية التي تقوم بها المجتمعات الصهيونية المتطرفة في الأراضي المقدسة.

وبالإضافة إلى ذلك، بما أن الحركة الصهيونية ترتكب جميع جرائمها ضد الشعب الفلسطيني باسم جميع اليهود، فإن كل الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين ويهود يحاسبون ويواجهون الكراهية والخطر ذاته.

كيف كان يعيش اليهود في فلسطين قبل قيام إسرائيل والنكبة سنة 1948؟

كما هو الحال في جميع البلدان الإسلامية والعربية، عاش اليهود في فلسطين كأقلية، بين أغلبية السكان المسلمين، وكان هناك تعايش جميل وسلام ووئام، بالرغم من أن لدينا ديانات مختلفة، إلا أننا كنا نحترم الشعب وتحمينا الحكومة.

خلال تاريخنا، عندما اضطررنا للفرار من الظلم، كانت بلاد المسلمين هي التي احتضنتنا وقبلتنا وأعطتنا حرية الدين، ونحن ممتنون لذلك، وعلينا أن نشكر ونتذكر الخير الذي حدث لنا. والآن تتجاهل الحركة الصهيونية ذلك تماماً، وتقوم بشيطنة الفلسطينيين وتشويه سمعتهم كما لو أنهم يكنون كراهية لليهود منذ ذلك الحين. ويستخدم هذا كذريعة لشن الحرب ضدهم.

لكن اليهود الأصيلين يدينون إسرائيل على كل جرائمها التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، منذ بداية النكبة عام 1948، ومنذ قتل الشعب الفلسطيني وتهجيره، وحتى يومنا هذا. إن العدوان المستمر والفظائع المستمرة في فلسطين، والقتل المأساوي لآلاف الأشخاص الموجودين حاليًا في غزة، هو بشكل واضح ضد الله، وانتهاك خطير للتوراة، وضد التعاليم اليهودية

إن النكبة المستمرة، ومعاناة الفلسطينيين واليهود على حد سواء، هي بسبب الاحتلال الصهيوني الظالم والغاشم. وهذا هو السبب الجذري للاضطرابات التي نشهدها اليوم.

في رأيك ما هو الحل الأمثل لعودة السلام إلى المنطقة وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني؟

الحل الأفضل هو الذي ينهي التمرد على الله تعالى بشكل كامل ويجلب السلام والعدالة. علينا أن ننظر إلى السبب الجذري للمشكلة، وبمجرد تحديد السبب الجذري يمكننا البدء في العمل على إيجاد حل. وفي حالة فلسطين فمن الواضح أن إدخال الصهيونية إليها كان السبب الجذري للمشكلة.

الحل هو تفكيك الدولة الصهيونية بشكل كامل، فوجودها مخالف لإرادة الله، وهو العائق الوحيد أمام السلام. ونأمل أن ينتهي هذا الأمر بسلام، دون مزيد من المعاناة لأي شخص. وبمجرد أن يحدث ذلك، يمكننا أن نأمل رؤية السلام الجميل مرة أخرى، السلام الذي كان قائماً في فلسطين في الماضي، قبل وجود الصهيونية.

ما هي أبرز جهودكم للتقريب بين اليهود والمسلمين؟

من خلال التعليم والحوار المفتوح نرى فرقاً حقيقياُ، نحن نساعد الناس على إدراك أن الاختلاف في الأديان لم يكن هو المشكلة، وأن الصهيونية هي وحدها التي عطلت السلام. نوضح أن دولة إسرائيل لا تمثل يهود العالم، وأن جماهير اليهود في جميع أنحاء العالم لا تدعم إسرائيل. ونحن نشجع على عدم المساواة أبداً بين اليهودية والصهيونية

ما رأيك بتصريحات الإدارة الأمريكية الداعمة لإسرائيل في حربها ضد غزة؟

نحن لسنا سياسيين، نحن أناس متدينون، ونلتزم ببساطة بالتوراة، لذا فإن سؤالك قد يكون نوعاً من الأسئلة السياسية

لكني أقول إنه عندما يأتي نتنياهو إلى أمريكا، يشير إلى أن الله أعطى الأرض لليهود، وأنه ببساطة يواصل ما هو حق للشعب اليهودي، وهذا خطأ واضح ونفاق.

إن الصهيونية حركة علمانية، تسيء استخدام الدين الذي يرفضون اتباعه، وتستخدمه لتبرير جرائم محرمة بشكل واضح في هذا الدين

إن الحركة الصهيونية تلعب على جهل الجماهير، وتستخدم لطف الولايات المتحدة، إنهم يستخدمون شعار معاداة السامية، الذي يقوده الضغط القوي الذي يمارسه الصهاينة في الكونغرس.

ماهي أبرز الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة لدعم إسرائيل والوقوف معها بشكل دائم؟

إحدى الروايات التي يروج لها الصهاينة بقوة في الولايات المتحدة، هي أن كل من ينتقد إسرائيل لأي سبب كان، فهو معاد للسامية

ومن المزعج للغاية أنهم يستخدمون معاناة شعب لتبرير اضطهاد شعب آخر. لقد تم إنقاذ آبائنا من المحرقة بفضل الله، ويجب أن نكون أول من يعارض حرب الإبادة الجماعية التي شُنت على غزة. كم هو مأساوي أن يتم وصف الوقوف ضد الاحتلال بأنه معاد للسامية. لقد أوضحنا مراراً وتكراراً أن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية.

في النهاية..ماذا تود أن تضيف إلى هذا الحوار؟

نريد أن يتذكر الناس الفرق بين اليهودية والصهيونية، نؤكد أن دولة إسرائيل لا تمثل يهود العالم، وبالتأكيد لا تمثل الديانة اليهودية، ولا تشير أبدًا إلى الدولة الصهيونية على أنها الدولة «اليهودية» أو «اليهود».

حوار: مصطفى الخليل