من يحكم بريطانيا: سوناك أم الأدميرال توني؟
وصفت التظاهرات المناهضة للعدوان على قطاع غزة في بريطانيا بالأضخم منذ غزو العراق في العام 2003.
ورغم مرور شهرين على هذه التظاهرات؛ فإن تأثيرها بقي متواضعا، واقتصر على مناورات سياسية وتعديلات حكومية أفضت الى الاطاحة بوزيرة الداخلية (سويلا بريفرمان) بعد أن تحولت الى عنصر تأزيم داخل الحكومة ومؤسسات الدولة، كما عين ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الاسبق من قبل جهات مجهولة وزيرا للخارجية؛ للتعويض عن الاداء والخبرة الضعيفة لرئيس الوزراء ريشي سوناك.
المناورات السياسية الداخلية لاحتواء الحراك الاحتجاجي، وإطفاء عناصر التأزيم؛ لم تمنع الحكومة والمؤسسات السيادية البريطانية من مواصلة دعمها للكيان الإسرائيلي سياسيا وعسكريا؛ الذي تجدد بإعلان وزارة الدفاع البريطانية تسيير دوريات لطائرات مسيرة فوق قطاع غزة لإسناد جيش الاحتلال استخباريا؛ تبعها إعلان أشد خطورة للأدميرال توني راداكين رئيس هيئة أركان الجيش البريطاني عن مشاورات أجراها مع نظيره الامريكي لتطوير قدرات السلطة في رام الله لقمع المقاومة وحماية المستوطنات على الأرجح.
بريطانيا لم تتراجع عن دعمها لإسرائيل، وتوظف أدواتها ونفوذها وخبراتها لإسناده، سواء عبر المسيرات في سماء غزة، أو الفرقاطات المنتشرة قبالة شواطئ غزة، أو على الارض في الضفة الغربية عبر إحياء الصحوات التي أسستها في ثورة العام 1936، والتي استنزفت الثورة الفلسطينية الكبرى ومهدت لإجهاضها.
أخرج الانكليز ما في جعبتهم من خبرات لخدمة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين واحتواء أي نزعة للتحرر والثورة في الضفة الغربية؛ إذ لن يترك الانكليز دولة الاحتلال تقاتل وحدها في الضفة، تحت غطاء من دعم السلطة في رام الله، وإعادة تأهيلها لتتناسب مع احتياجات نتنياهو الذي عبر عن رفضه للصيغة القديمة من العلاقة والتنسيق.
الممارسات الميدانية للندن تؤكد أنها مخلصة لإرثها الاستعماري، وأن الدولة العميقة متمسكة بدعم الاحتلال، وأن حراك الشارع البريطاني ورغم مرور شهرين؛ تم تجاوزه بمهارة عالية، وإصرار كبير من الدولة العميقة التي تحكم بريطانيا ويديرها رئيس أركان الجيوش البريطانية، بعيدا عن أعين الرقابة والديموقراطية المزعومة التي يقف على رأسها ريشي سوناك، فهو (أي الأدميرال توني) من يقرر كيف تدار وتصنع السياسة تجاه فلسطين؛ إذ لا مكان لحراك الشارع وصناديق الاقتراع، أو حتى لحكومة سوناك قليلة الخبرة، فولاء سوناك المطلق لإرث المستعمر ومشروعه العتيق لم يكن كافياً لتحديد معالم الطريق.