المستوطنون يستغلون الحرب وينهبون الضفة الغربية
اعتادت الأبحاث الأكاديمية على اعتبار نشاطات الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة نوعاً من العنف البطيء. يدور الحديث عن نشاطات معينة لاستخدام العنف ضد الفلسطينيين على فترة زمنية طويلة، على الأغلب بدون نتائج قاتلة؛ هنا طرد لرعاة، وهناك شق طريق إلى أراض فلسطينية خاصة. تأثير هذا العنف البطيء المتراكم يتجلى في طرد الفلسطينيين من الأراضي ومصادر رزقهم المرتبطة بالزراعة. هذا العنف يستخدم أيضاً ضد المشهد الطبيعي والطبيعة، وتم تسريعه بشكل واضح مؤخراً، إذ يستغل المستوطنون وضع الحرب في عدة مناطق. كل شق طريق يقومون به يعتبر ضرورة أمنية، وكل سيطرة على أرض أو ممارسة الإرهاب على الفلسطينيين أثناء قطف الزيتون هي دفاع عن النفس من تهديدات. كل ذلك يتم بدعم شبه مطلق من الحكومة تقريباً، وتجاهل طلب الولايات المتحدة وقف هذه النشاطات.
تم تسريع العنف البطيء هذا مؤخراً من خلال تهديد المزارعين الفلسطينيين وتوسيع كبير لشق الطرق غير القانونية. أما الإدارة المدنية فعاجزة أمام هؤلاء الزعران. وفي الأوقات العادية تجد الإدارة المدنية صعوبة في وقف "شبيبة التلال” العنيفين وغيرهم من المستوطنين. الآن يبدو أنها فقدت ما تبقى من سيطرتها الجزئية. المستوطنون لا يحسبون حساباً للإدارة المدنية، وهي من جانبها توقفت عن إحصاء خروقات القانون.
في الفترة الأخيرة، نشرت جمعية "كيرم نبوت”، التي تتابع سياسة الأراضي الإسرائيلية خلف الخط الأخضر، بأن المستوطنين شقوا طريقاً في المحمية الطبيعية وادي قانا وقربها. الحديث يدور عن مد طريق غير قانونية تم شقها قبل بضع سنوات. والهدف إيجاد ربط بين بؤرة استيطانية في المكان وبين مستوطنة "عمانوئيل”. وثمة مقطع آخر لطريق أخرى تم شقه في حقل زيتون للفلسطينيين. قبل بضع سنوات، تمت إدانة مستوطنين بشق المقطع الأول من الطريق وتم تدفيعهم غرامة. لكن هذا لم يردعهم. فالطريق التي تمر في مئات الأمتار داخل محمية طبيعية لم توقف النشاطات على الأرض.
الحديث يدور عن شق طرق في منطقة جنوب جبل الخليل، وعن طريق جديدة قرب قرية قراوة بني حسان الواقعة وسط "السامرة”، وطريق أخرى في أراض فلسطينية خاصة؛ لخلق ربط مع مزرعة أقامها المستوطنون في المنطقة، وطريق أخرى قرب منشأة تكرير مياه المجاري التابعة لقرية سلفيت الفلسطينية – هذه قائمة جزئية فقط.
العنف ضد الفلسطينيين الذين يقطفون الزيتون تحول إلى تقليد سنوي قديم في أوساط المستوطنين في "يهودا والسامرة”. في هذه السنة، جرت عشرات الأحداث لتخريب الحقول وتخويف قاطفي الزيتون ومضايقات متكررة عليهم. في المقابل، يهتم المستوطنون بأشجار الزيتون التي زرعوها في أراض حصلوا عليها من الدولة على حساب الأراضي الزراعية للفلسطينيين.
البنية التحتية لنشاطات المستوطنين في المناطق القروية الزراعية تترسخ بدون أي إزعاج تقريباً منذ بضع سنوات. بل وأقاموا حتى الآن 62 مزرعة معزولة، تحتل كل منها أراضي مخصصة لليهود فقط. بعض هذه المزارع أقيمت على يد أقارب يعملون في سلطة الطبيعة والحدائق. وإضافة إلى ذلك، يسيطر المستوطنون بشكل منهجي على ينابيع المياه التي يستخدمها الفلسطينيون. موجة السيطرة الأخيرة كانت على الينابيع في شمال غور الأردن. قرى فلسطينية وتجمعات رعاة وجدت نفسها محاطة من كل الجهات، وعدد من التجمعات أخلت مناطق سكنها.
المستوطنون من ناحيتهم، يتهمون الفلسطينيين بمس منهجي بالبيئة ويتهمونهم بالإهمال خلف الخط الأخضر. الحديث يدور عن بناء غير قانوني للفلسطينيين وخلق مكاره بيئية، مثل مكبات النفايات غير القانونية ومياه المجاري التي يتم ضخها إلى الوديان والمحاجر غير القانونية التي تدمر البيئة.
وزيرة حماية البيئة، عيديت سلمان، من المؤيدين البارزين للمستوطنين، لا تفوت أي فرصة لدعم شعورهم بالسيادة على الأرض. قبل بضعة أسابيع، أجرت الوزيرة جولة مع رئيس المجلس الإقليمي "غوش عصيون”، وهي جولة تناولت البناء غير القانوني في مناطق السلطة الفلسطينية، وكل ذلك تحت عنوان "الخطر على الاستيطان (اليهودي بالطبع) وفقدان السيطرة وتدمير كنوز الطبيعة”. هذا الأمر سبق وطرحه نشطاء لحقوق الإنسان، وأشاروا إلى أنه لا يمكن الحديث عن حوكمة بدون مساواة في الحقوق، التي تغيب عندما يدور الحديث عن الفلسطينيين.
الأضرار التي هم يسببونها للطبيعة والمشهد الطبيعي لا يقومون بذكرها بالطبع. مستوطن مخضرم شغل عدة مناصب في الأجسام العاملة في حماية البيئة، أوضح سلم الأولويات جيداً وقال: "عندما يجب عليّ الاختيار بين الحفاظ على الطبيعة ومصلحة الاستيطان، أختار الاستيطان”.
وقد جاء الرد التالي من الإدارة المدنية: "الحادثة التي تم وصفها في وادي قانا معروفة لجهات إنفاذ القانون في الإدارة المدنية. وسيتم تطبيق القانون في هذه المنطقة بحسب القانون والاعتبارات العملياتية”.