نصيحتي إلى الإخوان
في زحمة الأحداث، وكثرة المشكلات، واضطراب الأوضاع، وحماس الشباب، قد تضيع البوصلة في بعض الأحيان، ويلتبس على حادي الركب معالم الطريق، وتتوه القافلة عن جادة الطريق، ويصبح النصح والتذكير من الأصدقاء والمخلصين وفاء، وواجباً دينياً وحقاً للصديق على الصديق.
وإذا كنتُ مؤيداً للمبادئ وللفكر الإصلاحي الذي ينادي به الإخوان، واعترف بدورهم في خدمة الكثير من الشباب وتثقيفهم والمحافظة عليهم من الانحراف، إلاّ أنني لست منتظماً معهم في تنظيم أو حزب، لذلك فإنني أقول لو كنت واحداً منهم علّهم يسمعون رأيي، ويأخذوه على محمل الجد وبقبول حسن، ويعملوا بما فيه خيرهم وخير الأردن ومواطنيه، فالدين النصيحة، لذلك أقول:
- يتذكر قادة الإخوان الأحداث التي مرت بالأردن منذ عام 1957 وما بعدها، وموقفهم من النظام وموقف النظام منهم، وتوفُّر البيئة المناسبة لعملهم ونشاطهم دون مضايقات، في الوقت الذي كانت فيه الحركة الإسلامية مطاردة في كل مكان من العالم العربي، يعدم قادتها ويسجن مفكروها ويشرد أعضاؤها! ويحكم بالإعدام على منتسبيها! وكانت الأردن هي الملجأ والبيت الآمن الذي احتضن وآوى هؤلاء المطاردين! وكنتم أنتم الجماعة الوحيدة التي سُمح لكم بالعمل الاجتماعي والسياسي في الأردن، مما أسهم في استقرار التنظيم ونشر الفكرة والتفاف الجماهير حولها، في الوقت الذي كانت فيه جميع التنظيمات السياسية مطاردة ومقموعة!
- ومن تعايشنا مع هذا النظام، لنتذكر جميعاً أنّ هذا النظام ليس نظاماً دموياً كما هي الأنظمة العربية الأخرى، وهذا سر بقائه واستمراره، إذ لم يسجل عليه في تاريخه إعدام شخص واحد لسبب سياسي، كما أننا الدولة العربية الوحيدة التي ليس لنا لاجئون سياسيون خارج الأردن، فالمعارضون يعملون في الداخل دون سجون أو تشريد وإعدام! ومن لجأ في السابق إلى الخارج عاد إلى الأردن نادماً، وأصبح وزيراً أو عيناً أو مديراً للمخابرات!
فالبيئة السياسية للعمل السياسي والحزبي في ظل هذا النظام إلى حد ما معقولة ومقبولة.
- الخصوم كثر سواء من اليمين أو اليسار، والمتربصون أكثر، والفاسدون والحاقدون والمنافقون والمتسلقون يستغلون كل تصرف أو قول يصدر عنكم، وقوى الشد العكسي والأجهزة المعنية تعمل ليل نهار على أن تتراجع الدولة عن مسيرتها الإصلاحية، وتثير المخاوف والرعب من حركتكم كما كان الزعماء العرب المخلوعون يستعملون هذه الفزاعة لتخويف العالم منكم ومن أفكاركم، فلا تتركوا لهؤلاء مجالاً للتشهير والنقد والتجريح، فأنظار العالم في الداخل والخارج ترقبكم وتنتظر أيّ خطأ أو غلط يصدر عنكم؛ لعرقلة مسيرتكم وتلويث سمعتكم والإساءة إليكم!
- إنّ أول مبادئ العمل السياسي لأيّ تنظيم أن يدرك مواطئ قدميه وصلاحية البيئة التي يعمل بها، ويحدد الغاية من نشاطه والهدف الذي يسعى إليه، ويُقدّر عند وصوله إلى أهدافه السياسية هل يستطيع أن يصمد وينفّذ أفكاره التي كان ينادي بها ويسوقها للناس ويبشّر بها ليل نهار، أم أنّ تنفيذ تلك الأفكار يصدم بواقع مرير، وقيود وعقبات داخلية وخارجية تضطره للتراجع عنها، ويصبح تحقيقها صعب المنال ومستحيل التطبيق؟! لا بل يُفرض على هذا التنظيم عكس مبادئه تماماً والتنازل عنها! مما يجهض الفكرة، ويسيء إلى التنظيم وما ينادي به من مبادئ وأفكار!
- ونحن في الأردن دولة تعيش على المساعدات العربية والأجنبية مما يؤثر على سيادتها وقراراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، واختراقها من كل الأجهزة ومراكز المعلومات والهيئات الخارجية، فهل هذا الوصف ينطبق على الدولة الإسلامية المنشودة التي نريد؟!
الدولة الإسلامية الموعودة حتى تتمكن من الحياة والصمود، ويفرح بها الناس، قوية في كل شيء، في اقتصادها وموازنتها المالية وقوتها العسكرية واستقلالها الكامل عن جميع المؤثرات والتدخلات الأجنبية، الدولة الإسلامية تملك إرادتها وسيادتها وقرارها السياسي، ولا يتحقق لها ذلك بدون قوة اقتصادية مانعة من التدخلات وقوة عسكرية مصاحبة أيضاً، ولا نركن على وعود الربيع العربي وما يحمله لنا من تحولات ونتائج، فأغلب دول الربيع فقيرة، وبالكاد أن تكفي نفسها، والمؤامرات التي تحاك لها كثيرة ولم تستقر بها الأوضاع بعد، فضلاً عن أنّ المزاج العربي المتقلب لا يركن له ولا يعتمد عليه! ولنتذكر أننا لسنا دولة مصر في قوتها، ولا ليبيا ببترولها، ولا تونس باقتصادها! ولا أعتقد بأنّكم تريدون دولة إسلامية بالاسم أو أيّ كلام، فتجهض الفكرة وتموت الأحلام!
- الدولة الإسلامية المنشودة لن تكون معزولة عن العالم، وإنّما هي جزء فاعل فيه، ملتزمة بمعاهداتها الموروثة ومواثيقها الدولية، ومشكلتنا الكبرى هي القضية الفلسطينية، وأملنا في تحريرها وعودتها إلى الحظيرة الإسلامية، وأنتم تعلمون أنّ الأردن وقّع معاهدة صلح وتعاون مع “إسرائيل”، فإذا وصلتم إلى رئاسة الحكومة وتحمّلتم أوزارها، هل أنتم ملتزمون بهذه المعاهدة وغيرها من المواثيق مع “إسرائيل”، أم تخرجون عليها وتلغونها وتتحملون مع الدولة ما يترتّب على ذلك من تبعات دولية وإقليمية، عسكرية وحربية؟!
وإذا سلّمتم بالمعاهدة واحترمتموها وتعهدتم بالالتزام بها، فتكون أفكار التحرير التي ناديتم بها قد تلاشت في خضم المصالح الخاصة، وخذلتم من علّق عليكم الآمال من الجماهير والأنصار، وتكون المغانم الخاصة هي المطمح والغاية والهدف، وأهم كثيراً من الأفكار والمبادئ السامية والشعارات.
- الأوضاع الاقتصادية في الأردن في أزمة موروثة ومزمنة ومستحكمة، البطالة مستشرية وتتزايد، والفقر في انتشار، والمشاريع في توقف واضمحلال، والفساد في كل المؤسسات، ونأمل أن يكون في طور التصفية، وهي قضايا كبيرة ومؤثرة وليس من السهل حلها والسيطرة عليها، ولضمان النجاح لا بد من فترة زمنية لتحضير الحلول والكوادر المختصة المدربة ويتم ذلك بالمشاركة، وتهيئة النفوس والبرامج والأفكار والاجتهادات والتشريعات في كل شيء لإحداث هذه النقلة النوعية الكبيرة وإحداث التحول المطلوب، من الاقتصاد الرأسمالي المستغل البشع بما فيه من نظام ربوي ظالم إلى الاقتصاد الإسلامي المتكامل العادل.
- جاهلية عصرنا أشد من جاهلية ما قبل الإسلام، فهي جاهلية مسلحة بالعلم والتكنولوجيا والثقافات المختلفة بما فيها من تضليل وسموم، ووعي الجماهير وتعلمهم ووسائل الاتصال الحديثة أكبر مما كان، والجمعيات والتنظيمات الخارجية التي تنخر المجتمع وتنفث سمومها أكثر من أن تحصى، مما يقتضي أن يقابل ذلك بضبط النفس والوعي، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وسعة الصدر والأفق، وأن يتحلّى حملة الرسالات السماوية بالمرونة، والابتعاد عن النزق والاستعراض وردود الفعل التي تؤدي إلى التصعيد وتفاقم المشكلات ونفور الآخرين وابتعادهم، (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، (ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، (وجادلهم بالتي هي أحسن).
وأن نختار أفضل الآراء الفقهية، وأيسرها على الناس، وأقربها للتطبيق في هذه الأيام.
- الأجواء ملبدة، والمؤامرات الداخلية والخارجية ضدكم تطل برأسها، والمتضررون من مكافحة الفساد يخشون على مكاسبهم ويقاومون، والأجهزة استيقظت من صدمتها، وأعادت تنظيم صفوفها وعناصرها، وبدأ نشاطها في التفريق بينكم وبين العشائر، وفي تحريض المجتمع وعناصرها ضدكم، وفي التصدي لمسيراتكم السلمية المطالبة بالإصلاح، وفي الحملات الإعلامية المنشورة في الصحافة أو الإذاعة ومحطات المواقع الالكترونية، فهل أنتم مدركون لخطورة المؤامرة وحجمها؟! وهل تحتمل المرحلة هذا الاحتكاك والتصعيد؟! وهل تفوتون الفرصة على هؤلاء؟! فالمرونة مطلوبة، والتحمل وسعة الصدر كذلك، وتجنُّب الشعارات المثيرة مطلوب، وقد يزرع في مسيراتكم السلمية من يهتف بهذه الشعارات للتشهير بكم وتسجيل المواقف عليكم! فاحذروهم. وامتصاص الاستفزاز ضروري ولازم في هذه المرحلة لتجنُّب الصدام والكوارث!
- لا ينكر عليكم السعي للوصول إلى الحكم، فذلك غاية كل حزب لتحقيق أهدافه، لذلك أليس من الضروري أن تشاركوا في كل نشاط تدعون إليه؟! أليس في ذلك تدريب لكوادركم؟! أليس في ذلك مساهمة في تحقيق أفكاركم وأهدافكم؟! لماذا لا تشاركوا في لجان الحوار الوطني أيّ حوار، أو الانتخابات البلدية، لخدمة الناس وتوسيع العلاقات معهم ومنع الفساد في تلك المؤسسات؟! لماذا لا تشتركوا في الانتخابات النيابية النزيهة ليكون لديكم نخبة مميزة (وليس أكثرية) في المجلس؛ تذكّر وتقترح وتطلع وتصلح وتشرّع وتعدّل نصوص القوانين بقدر الإمكان؟! لماذا لا تشاركون في لجان التعديلات القانونية كقانون الانتخاب وغيره إذا دعيتم وتقدموا ما لديكم من نصح وأفكار؟! لماذا لا تشاركون في الحكومة إذا خصص لكم بعض الحقائب وتحققوا من خلالها بعض الإصلاح الذي تسعون إليه؟! فإذا نجحت الحكومة في تحقيق الأهداف الوطنية يسجل لكم المشاركة في خدمة الوطن والمواطن، وصناعة هذه المنجزات والأهداف، ويكون ذلك نجاح لكم ولأفكاركم وتحسين لصورتكم، وإذا أخفقت الحكومة ولم تحقق تطلعات الجماهير تحملت وحدها فشلها دون أن يسجل ذلك عليكم!
لماذا المقاطعة في كل شيء أو أغلب الأمور الهامة التي تعرض عليكم؟! لماذا السلبية في كل شيء والاكتفاء بالتفرج والنقد عن بُعد، أو التظاهر والمسيرات التي تسبب الاحتكاك والتصعيد؟! أليس في المشاركة في كل نشاط أو مركز رسمي تحقيق للإصلاح المنشود الذي تسعون إليه، وتطبيق لبعض الأفكار التي تنادون بها؟!
- أنا من أنصار مشاركتكم في كل نشاط عام رسمياً كان أو شعبياً، وأن يكون لكم حضور في جميع المجالات، للمساهمة في تقديم الأفكار والحلول للمشكلات المطروحة، وأن تشاركوا بإيجابية في جميع الانتخابات النيابية والبلدية وحتى النقابية والطلابية والجمعيات، ولكنني لست من أنصار أن تتحملوا وزر الدولة الآن ولا مسؤولية الحكم بالحصول على الأكثرية النيابية، كما حصل في تونس ومصر، فلكل دولة ظروفها وإمكاناتها، وكذلك لكل تنظيم ظروفه التي عاش ويمر بها، ونحن لسنا تونس ولا مصر! والتنظيم لدينا لم يمر بالظروف التي مر بها كل من التنظيمين في مصر وتونس، فلا يأخذنكم الحماس للمطالبة باستلام الحكم كما ذهب البعض، ففي ذلك طلب للشيء قبل أوانه، وإغضاب لشركاء المسيرة المطالبين بالإصلاح، ونخشى عقبات الطريق وكثرة الأوزار والفشل!
ولكنني من أنصار أن تشاركوا في الحكم مرحلياً لتصلحوا من الداخل بقدر الإمكان، وليتوفر لديكم الكوادر وتنضج الحلول والأفكار وتنفرج الأزمات الحالية، فلا تتحملون أوزار الفشل إذا فشلت الحكومات، وإذا نجحت في التخفيف عن الناس ومكافحة الفساد، تكونون أنتم من ساهم في تحقيق العدل وإنصاف المجتمع.
وإذا كنتُ مؤيداً للمبادئ وللفكر الإصلاحي الذي ينادي به الإخوان، واعترف بدورهم في خدمة الكثير من الشباب وتثقيفهم والمحافظة عليهم من الانحراف، إلاّ أنني لست منتظماً معهم في تنظيم أو حزب، لذلك فإنني أقول لو كنت واحداً منهم علّهم يسمعون رأيي، ويأخذوه على محمل الجد وبقبول حسن، ويعملوا بما فيه خيرهم وخير الأردن ومواطنيه، فالدين النصيحة، لذلك أقول:
- يتذكر قادة الإخوان الأحداث التي مرت بالأردن منذ عام 1957 وما بعدها، وموقفهم من النظام وموقف النظام منهم، وتوفُّر البيئة المناسبة لعملهم ونشاطهم دون مضايقات، في الوقت الذي كانت فيه الحركة الإسلامية مطاردة في كل مكان من العالم العربي، يعدم قادتها ويسجن مفكروها ويشرد أعضاؤها! ويحكم بالإعدام على منتسبيها! وكانت الأردن هي الملجأ والبيت الآمن الذي احتضن وآوى هؤلاء المطاردين! وكنتم أنتم الجماعة الوحيدة التي سُمح لكم بالعمل الاجتماعي والسياسي في الأردن، مما أسهم في استقرار التنظيم ونشر الفكرة والتفاف الجماهير حولها، في الوقت الذي كانت فيه جميع التنظيمات السياسية مطاردة ومقموعة!
- ومن تعايشنا مع هذا النظام، لنتذكر جميعاً أنّ هذا النظام ليس نظاماً دموياً كما هي الأنظمة العربية الأخرى، وهذا سر بقائه واستمراره، إذ لم يسجل عليه في تاريخه إعدام شخص واحد لسبب سياسي، كما أننا الدولة العربية الوحيدة التي ليس لنا لاجئون سياسيون خارج الأردن، فالمعارضون يعملون في الداخل دون سجون أو تشريد وإعدام! ومن لجأ في السابق إلى الخارج عاد إلى الأردن نادماً، وأصبح وزيراً أو عيناً أو مديراً للمخابرات!
فالبيئة السياسية للعمل السياسي والحزبي في ظل هذا النظام إلى حد ما معقولة ومقبولة.
- الخصوم كثر سواء من اليمين أو اليسار، والمتربصون أكثر، والفاسدون والحاقدون والمنافقون والمتسلقون يستغلون كل تصرف أو قول يصدر عنكم، وقوى الشد العكسي والأجهزة المعنية تعمل ليل نهار على أن تتراجع الدولة عن مسيرتها الإصلاحية، وتثير المخاوف والرعب من حركتكم كما كان الزعماء العرب المخلوعون يستعملون هذه الفزاعة لتخويف العالم منكم ومن أفكاركم، فلا تتركوا لهؤلاء مجالاً للتشهير والنقد والتجريح، فأنظار العالم في الداخل والخارج ترقبكم وتنتظر أيّ خطأ أو غلط يصدر عنكم؛ لعرقلة مسيرتكم وتلويث سمعتكم والإساءة إليكم!
- إنّ أول مبادئ العمل السياسي لأيّ تنظيم أن يدرك مواطئ قدميه وصلاحية البيئة التي يعمل بها، ويحدد الغاية من نشاطه والهدف الذي يسعى إليه، ويُقدّر عند وصوله إلى أهدافه السياسية هل يستطيع أن يصمد وينفّذ أفكاره التي كان ينادي بها ويسوقها للناس ويبشّر بها ليل نهار، أم أنّ تنفيذ تلك الأفكار يصدم بواقع مرير، وقيود وعقبات داخلية وخارجية تضطره للتراجع عنها، ويصبح تحقيقها صعب المنال ومستحيل التطبيق؟! لا بل يُفرض على هذا التنظيم عكس مبادئه تماماً والتنازل عنها! مما يجهض الفكرة، ويسيء إلى التنظيم وما ينادي به من مبادئ وأفكار!
- ونحن في الأردن دولة تعيش على المساعدات العربية والأجنبية مما يؤثر على سيادتها وقراراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، واختراقها من كل الأجهزة ومراكز المعلومات والهيئات الخارجية، فهل هذا الوصف ينطبق على الدولة الإسلامية المنشودة التي نريد؟!
الدولة الإسلامية الموعودة حتى تتمكن من الحياة والصمود، ويفرح بها الناس، قوية في كل شيء، في اقتصادها وموازنتها المالية وقوتها العسكرية واستقلالها الكامل عن جميع المؤثرات والتدخلات الأجنبية، الدولة الإسلامية تملك إرادتها وسيادتها وقرارها السياسي، ولا يتحقق لها ذلك بدون قوة اقتصادية مانعة من التدخلات وقوة عسكرية مصاحبة أيضاً، ولا نركن على وعود الربيع العربي وما يحمله لنا من تحولات ونتائج، فأغلب دول الربيع فقيرة، وبالكاد أن تكفي نفسها، والمؤامرات التي تحاك لها كثيرة ولم تستقر بها الأوضاع بعد، فضلاً عن أنّ المزاج العربي المتقلب لا يركن له ولا يعتمد عليه! ولنتذكر أننا لسنا دولة مصر في قوتها، ولا ليبيا ببترولها، ولا تونس باقتصادها! ولا أعتقد بأنّكم تريدون دولة إسلامية بالاسم أو أيّ كلام، فتجهض الفكرة وتموت الأحلام!
- الدولة الإسلامية المنشودة لن تكون معزولة عن العالم، وإنّما هي جزء فاعل فيه، ملتزمة بمعاهداتها الموروثة ومواثيقها الدولية، ومشكلتنا الكبرى هي القضية الفلسطينية، وأملنا في تحريرها وعودتها إلى الحظيرة الإسلامية، وأنتم تعلمون أنّ الأردن وقّع معاهدة صلح وتعاون مع “إسرائيل”، فإذا وصلتم إلى رئاسة الحكومة وتحمّلتم أوزارها، هل أنتم ملتزمون بهذه المعاهدة وغيرها من المواثيق مع “إسرائيل”، أم تخرجون عليها وتلغونها وتتحملون مع الدولة ما يترتّب على ذلك من تبعات دولية وإقليمية، عسكرية وحربية؟!
وإذا سلّمتم بالمعاهدة واحترمتموها وتعهدتم بالالتزام بها، فتكون أفكار التحرير التي ناديتم بها قد تلاشت في خضم المصالح الخاصة، وخذلتم من علّق عليكم الآمال من الجماهير والأنصار، وتكون المغانم الخاصة هي المطمح والغاية والهدف، وأهم كثيراً من الأفكار والمبادئ السامية والشعارات.
- الأوضاع الاقتصادية في الأردن في أزمة موروثة ومزمنة ومستحكمة، البطالة مستشرية وتتزايد، والفقر في انتشار، والمشاريع في توقف واضمحلال، والفساد في كل المؤسسات، ونأمل أن يكون في طور التصفية، وهي قضايا كبيرة ومؤثرة وليس من السهل حلها والسيطرة عليها، ولضمان النجاح لا بد من فترة زمنية لتحضير الحلول والكوادر المختصة المدربة ويتم ذلك بالمشاركة، وتهيئة النفوس والبرامج والأفكار والاجتهادات والتشريعات في كل شيء لإحداث هذه النقلة النوعية الكبيرة وإحداث التحول المطلوب، من الاقتصاد الرأسمالي المستغل البشع بما فيه من نظام ربوي ظالم إلى الاقتصاد الإسلامي المتكامل العادل.
- جاهلية عصرنا أشد من جاهلية ما قبل الإسلام، فهي جاهلية مسلحة بالعلم والتكنولوجيا والثقافات المختلفة بما فيها من تضليل وسموم، ووعي الجماهير وتعلمهم ووسائل الاتصال الحديثة أكبر مما كان، والجمعيات والتنظيمات الخارجية التي تنخر المجتمع وتنفث سمومها أكثر من أن تحصى، مما يقتضي أن يقابل ذلك بضبط النفس والوعي، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وسعة الصدر والأفق، وأن يتحلّى حملة الرسالات السماوية بالمرونة، والابتعاد عن النزق والاستعراض وردود الفعل التي تؤدي إلى التصعيد وتفاقم المشكلات ونفور الآخرين وابتعادهم، (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، (ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، (وجادلهم بالتي هي أحسن).
وأن نختار أفضل الآراء الفقهية، وأيسرها على الناس، وأقربها للتطبيق في هذه الأيام.
- الأجواء ملبدة، والمؤامرات الداخلية والخارجية ضدكم تطل برأسها، والمتضررون من مكافحة الفساد يخشون على مكاسبهم ويقاومون، والأجهزة استيقظت من صدمتها، وأعادت تنظيم صفوفها وعناصرها، وبدأ نشاطها في التفريق بينكم وبين العشائر، وفي تحريض المجتمع وعناصرها ضدكم، وفي التصدي لمسيراتكم السلمية المطالبة بالإصلاح، وفي الحملات الإعلامية المنشورة في الصحافة أو الإذاعة ومحطات المواقع الالكترونية، فهل أنتم مدركون لخطورة المؤامرة وحجمها؟! وهل تحتمل المرحلة هذا الاحتكاك والتصعيد؟! وهل تفوتون الفرصة على هؤلاء؟! فالمرونة مطلوبة، والتحمل وسعة الصدر كذلك، وتجنُّب الشعارات المثيرة مطلوب، وقد يزرع في مسيراتكم السلمية من يهتف بهذه الشعارات للتشهير بكم وتسجيل المواقف عليكم! فاحذروهم. وامتصاص الاستفزاز ضروري ولازم في هذه المرحلة لتجنُّب الصدام والكوارث!
- لا ينكر عليكم السعي للوصول إلى الحكم، فذلك غاية كل حزب لتحقيق أهدافه، لذلك أليس من الضروري أن تشاركوا في كل نشاط تدعون إليه؟! أليس في ذلك تدريب لكوادركم؟! أليس في ذلك مساهمة في تحقيق أفكاركم وأهدافكم؟! لماذا لا تشاركوا في لجان الحوار الوطني أيّ حوار، أو الانتخابات البلدية، لخدمة الناس وتوسيع العلاقات معهم ومنع الفساد في تلك المؤسسات؟! لماذا لا تشتركوا في الانتخابات النيابية النزيهة ليكون لديكم نخبة مميزة (وليس أكثرية) في المجلس؛ تذكّر وتقترح وتطلع وتصلح وتشرّع وتعدّل نصوص القوانين بقدر الإمكان؟! لماذا لا تشاركون في لجان التعديلات القانونية كقانون الانتخاب وغيره إذا دعيتم وتقدموا ما لديكم من نصح وأفكار؟! لماذا لا تشاركون في الحكومة إذا خصص لكم بعض الحقائب وتحققوا من خلالها بعض الإصلاح الذي تسعون إليه؟! فإذا نجحت الحكومة في تحقيق الأهداف الوطنية يسجل لكم المشاركة في خدمة الوطن والمواطن، وصناعة هذه المنجزات والأهداف، ويكون ذلك نجاح لكم ولأفكاركم وتحسين لصورتكم، وإذا أخفقت الحكومة ولم تحقق تطلعات الجماهير تحملت وحدها فشلها دون أن يسجل ذلك عليكم!
لماذا المقاطعة في كل شيء أو أغلب الأمور الهامة التي تعرض عليكم؟! لماذا السلبية في كل شيء والاكتفاء بالتفرج والنقد عن بُعد، أو التظاهر والمسيرات التي تسبب الاحتكاك والتصعيد؟! أليس في المشاركة في كل نشاط أو مركز رسمي تحقيق للإصلاح المنشود الذي تسعون إليه، وتطبيق لبعض الأفكار التي تنادون بها؟!
- أنا من أنصار مشاركتكم في كل نشاط عام رسمياً كان أو شعبياً، وأن يكون لكم حضور في جميع المجالات، للمساهمة في تقديم الأفكار والحلول للمشكلات المطروحة، وأن تشاركوا بإيجابية في جميع الانتخابات النيابية والبلدية وحتى النقابية والطلابية والجمعيات، ولكنني لست من أنصار أن تتحملوا وزر الدولة الآن ولا مسؤولية الحكم بالحصول على الأكثرية النيابية، كما حصل في تونس ومصر، فلكل دولة ظروفها وإمكاناتها، وكذلك لكل تنظيم ظروفه التي عاش ويمر بها، ونحن لسنا تونس ولا مصر! والتنظيم لدينا لم يمر بالظروف التي مر بها كل من التنظيمين في مصر وتونس، فلا يأخذنكم الحماس للمطالبة باستلام الحكم كما ذهب البعض، ففي ذلك طلب للشيء قبل أوانه، وإغضاب لشركاء المسيرة المطالبين بالإصلاح، ونخشى عقبات الطريق وكثرة الأوزار والفشل!
ولكنني من أنصار أن تشاركوا في الحكم مرحلياً لتصلحوا من الداخل بقدر الإمكان، وليتوفر لديكم الكوادر وتنضج الحلول والأفكار وتنفرج الأزمات الحالية، فلا تتحملون أوزار الفشل إذا فشلت الحكومات، وإذا نجحت في التخفيف عن الناس ومكافحة الفساد، تكونون أنتم من ساهم في تحقيق العدل وإنصاف المجتمع.