صحيفة عبرية: هكذا انتصرت حماس في معركتها
يمكن أن يكون للصورة أو الفيلم في بعض الحالات تأثير أكثر على سير الحرب من سرب في سلاح الجو أو من كتيبة مدرعة، وحماس تدرك ذلك جيداً، ورجالها يكثرون من استخدام وسائل الإعلام لتحقيق أهدافهم. "الحرب النفسية سلاح مهم في ترسانة حماس، تمكنهم من تحقيق إنجازات مهمة بتكلفة متدنية جداً”، قال الدكتور ينيف لفيتان، الباحث في مجال حرب المعلومات في جامعة حيفا. حماس جسم مقاتل صغير، ولمواجهة جيش كبير مثل الجيش الإسرائيلي، يجب أن يقوم رجالها بألاعيب نفسية تضاعف قوتها”. ويؤكد لفيتان أن حماس تستخدم الحرب النفسية أيضاً في الأوقات العادية، وبدرجة أكبر منذ 7 تشرين الأول.
الورقة الأقوى التي تمتلكها حماس هي "المخطوفون”، يقول لفيتان، فتستخدم الأفلام التي تعرضهم في ثلاث مراحل من عملية الأسر: المرحلة الأولى هي عملية الاختطاف نفسها. "هذه الأفلام أرسلت رسالة للجمهور الإسرائيلي تقول إنه لا مكان آمناً، حتى البيت”. المرحلة الثانية هي الشهادات في الأسر. والمرحلة الثالثة هي الأفلام عن إطلاق سراح المخطوفين. فالأفلام الأخيرة، يقول لفيتان، مكنت حماس من السيطرة بشكل كامل على الأجندة في إسرائيل.
"البث أثناء إطلاق سراح المخطوفين تحول إلى جزء بارز في الواقع الإعلامي داخل إسرائيل، مثلاً (برنامج المخطوفين الواقعي)”، قال لفيتان. "هذا يخدم حماس بشكل جيد. هذه الأفلام كانت عرضاً دعائياً يرفع من قيمة حماس مع صور مهنية ومخربين مسلحين ظهروا كجنود بحرص كبير على المظهر والزي. الرسالة أنه رغم الضربات التي تلقتها حماس، ما زالت تسيطر وما زالت قوية”.
ويؤكد لفيتان أن رجال حماس أوجدوا وضعاً تعرض فيه مواد دعايتهم عبر قنوات الإعلام الإسرائيلية. "هذه المواد هي سلاح فكري. أي أن حماس حولت قنواتنا الإعلامية إلى سلاح موجه ضد إسرائيل”. الكثير من وسائل الإعلام، من بينها "هآرتس”، اختارت عدم النشر. وفي بعض الحالات، لا تتطرق أبداً إلى مضمون الأفلام التي تنشرها التنظيمات الإرهابية، التي يظهر فيها "المخطوفون” في حالة ضائقة أو خطر حقيقي على حياتهم.
عرض مكتوب
"مقاطع الفيديو عن الشهادات من داخل الأسر تم تصنيفها في العام 2005 كنوع مستقل من المضمون المرئي”، قال الدكتور إيلان منور، الباحث في الدبلوماسية الرقمية في قسم الإعلام بجامعة بن غوريون. "هذا نوع يهدف إلى طرح وضع المخطوفين على جدول الأعمال، ويصدم الرأي العام إزاء تهديد حقيقي لاستخدام القوة ضد المخطوفين أو الرهائن. هذا وبحق، عرض تلفزيوني. هكذا كان الأمر في حالة اختطاف الطائرات في السبعينيات والثمانينيات”. سمة هذه الأفلام تشمل إدانة قادة الطرف الثاني، وشكر الخاطفين، والمطالبة بإجراء صفقة تبادل سريعة. "حماس نشرت أفلاماً كهذه، مثلاً لطفل وثلاث نساء تم توثيقهم. بشكل متعمد، ثمة استخدام لأشخاص ضعفاء؛ لأن هذا يزيد الشعور بالإلحاحية. هذه أداة لزيادة استعداد الجمهور لدفع ثمن مؤلم”، قال منور.
في الفيديو الذي ظهرت فيه النساء الثلاث، إحداهن دانييل الوني، أدانت رئيس الحكومة، وقالت: "أمس، قمت بعقد مؤتمر صحافي مع عائلات المخطوفين. نعرف أنه كان يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار، وكان يجب إطلاق سراحنا جميعاً. تعهدتَ بتحريرنا جميعاً! بدلاً من ذلك، نتحمل المسؤولية عن فشلك السياسي والأمني والعسكري”. بعد ذلك، طالبت ألوني بإجراء صفقة سريعة لتبادل الأسرى عندما قالت لنتنياهو: "ألا يكفيك أنك ذبحت الجميع؟ ألا يكفيك الذين قتلوا من المدنيين الإسرائيليين؟ أطلق سراحنا الآن وسراح مواطنيهم! يجب أن تطلق سراح سجنائهم! أطلق سراحنا! دعنا نعود إلى عائلاتنا الآن، الآن”. في فيديو آخر، ظهر يغيل يعقوب (12 سنة) وهو يقول: "آمل أن أعود في أسرع وقت، فكلما مر الوقت أتعرض لخطر أكبر”. وزاد: "شكراً لمقاتلي الجهاد الذين يحموننا هنا في غزة كي لا أموت. أنا أحصل على الطعام والماء كما هو مطلوب، وأحصل على الدواء وعلى كل شيء”.
"من الواضح أنه يوجد هنا نص مكتوب أو سيناريو يقرأون منه”، قال منور. "برز في النصين شعور بالإلحاحية. وظهر توجه مباشر ليس لحكومة إسرائيل أو دولة إسرائيل، بل لنتنياهو. إضافة إلى ذلك، يتبين أن "المخطوفين” على علم بالوضع في البلاد. تطرقت الأفلام لأحداث الواقع، وهذا يدل على الوقت الذي تم فيه تصوير الفيديوهات، وأن المخطوفين ما زالوا أحياء. وهذا ما يخلق الضغط لإطلاق سراحهم”.
حسب أقوال منور، فإن أفلام حماس هدفت إلى تعميق الأزمة السياسية في إسرائيل. "توجهات المخطوفين موجهة لنتنياهو، وتتهمه مباشرة. تعرف حماس جيداً الساحة الإسرائيلية، ويعرف رجالها بوجود حوار يقظ حول مسؤولية نتنياهو. في الأفلام يحاولون تشويه الزعامة في إسرائيل حتى تخفق في إدارة الحرب. وأشار منور إلى أنه في البحث الذي نشر في 2015 تم فحص أفلام فيديو لمخطوفين، أنتجها "داعش”. وجد في البحث أنه عقب الأفلام، ازداد الانتقاد الموجه لحكومة بريطانيا والولايات المتحدة التي رفضت إجراء مفاوضات مع التنظيمات الإرهابية.
والفيلم الذي بث للإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، التي اختطفت في العراق قبل سنة تقريباً على يد المليشيا الشيعية المؤيدة لإيران "كتائب حزب الله”، "يتابع السيناريو المعروف لأفلام المخطوفين”، قال منور. اعترفت تسوركوف في الفيلم بأنها كانت من نشطاء الموساد والـ "سي.آي.ايه”. وأدانت بشدة "المذابح اليومية للأطفال والنساء والشيوخ في غزة”. وانتقدت قيادة نتنياهو وطلبت من عائلات المخطوفين العمل على الفور لإنهاء الحرب كي لا يُقتل كل المخطوفين الإسرائيليين في غزة. إضافة إلى ذلك، طلبت من عائلتها العمل على الفور لإطلاق سراحها من الأسر.
"أفلام تصعب مشاهدتها. هي ضربة في البطن”، قال منور، "لكنها أيضاً إشارة إلى الحياة، وتعطي معلومات عن ظروف المخطوفين وحالتهم الجسدية والنفسية. وثمة مسألة إذا كان من الأفضل إخفاء هذه الأفلام؛ لأنها بالمقابل تظهر تخوفات أبناء العائلات، وجزء من الجمهور لا يصدق ما يقوله المخطوفون”.
بناء صورة
كثير من الإسرائيليين يرون أن المذبحة التي نفذتها حماس في 7 تشرين الأول تضعها كتوأم لـ "داعش”. ولكن وفقاً لمنور، فهذه الأفلام تدل على فرق بينهما، "التنظيمات الإرهابية تستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية لبناء علامة تجارية. فقد أظهر بحث من العام 2017 كيف استخدم "داعش” عشرات الحسابات في "فيسبوك” و”تويتر” كي يصف مقاتليه بـ "نجوم الروك” في عهد "الجهاد”. وبمساعدة صور وأفلام عنيفة بشكل خاص، أمل "داعش” في تعزيز علامته التجارية في الإنترنت وتجنيد أفواج أخرى من المقاتلين. من جهة أخرى، تريد حماس بناء صورة لمنظمة ناجحة وإنسانية. لذلك، تنشر أفلاماً لأطفال ونساء يشعرون بالامتنان من الطريقة التي يعاملون فيها”، قال منور. "من المهم لحماس إحباط المقارنة بينها وبين "داعش”، لأنها هي أيضاً جسم دبلوماسي بحاجة إلى مؤيدين”.
منور يذكر بأن حماس نشرت رسالة كتبتها ألوني، أثنت فيها على معاملة الخاطفين معها. "هذه دبلوماسية رقمية لتحسين صورة حماس. لا أحد لدينا يصدق المكتوب في الرسالة. ولكنه أمر يحظى بنجاح في العالم الإسلامي وخارجه. تستخدم حماس وسائل الإعلام الاجتماعية لطرح ادعاءات على صيغة: حتى وهم يقصفوننا حافظنا على المخطوفين واهتممنا بهم. لسنا "داعش”. نحن نشبه الصليب الأحمر”.
البروفيسورة موران يرحي، رئيسة برنامج الدبلوماسية العامة في جامعة رايخمان، قالت إن حماس قد غيرت تكتيكها التصنيفي أثناء الحرب. "كانوا متفاخرين جداً بما فعلوه في 7 تشرين الأول، وبثوه على نحو بارز جداً. وبعد بضعة أيام، أدركوا أنه ضار بهم على الصعيد الدولي، فمحوا جزءاً كبيراً من الأفلام الفظيعة”، قالت يرحي التي تعمل الآن كواحدة من مديرات غرفة العمليات "إي.سي.تي.آي.ال”، التي تعمل على عرض إسرائيل في المنصات الرقمية، وهي تخدم في الاحتياط في مكتب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. "هكذا عادوا إلى المكان الذي تعودوا على أن يكونوا فيه، مكان الضحية الفلسطينية، من أجل الحصول على الدعم الدولي”.
"وفي أفلام الفيديو لإطلاق سراح المخطوفين، حاولوا عرض أنفسهم بأنهم آسرون إنسانيون، يحتضنون ويوزعون الماء ويساعدون الجدة”، قالت يرحي، وأكدت: "هناك فيلم فظيع جداً مثل فيلم يردين بيباس الذي نشر في نهاية الأسبوع الماضي. أن تضع إنساناً أمام الكاميرا بعد إبلاغه بأن جميع أفراد عائلته قتلوا، وهو يتوسل لحكومة إسرائيل بالعمل على دفنهم في إسرائيل، هذا إرهاب نفسي صعب جداً. هذا مسرح للإرهاب؛ يبثون الحدث كي يصيبونا بالرعب”.
هزيمة فكرية
الدكتور أيال بنكو من جامعة بار إيلان، وهو خبير في المعلومات والسايبر وخدم في وظائف رفيعة في جهاز الأمن، أكد أن حرب المعلومات لدى حماس استهدفت خدمة عدد من فئات الناس. "أولاً، الجمهور البيتي في غزة. وحماس تستغل الأفلام التي توثق إطلاق سراح المخطوفين لتظهر أنهم منتصرون في المعركة، رغم عمليات القصف التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. وهناك دائرة أخرى للتأثير، وهي دول عربية مثل مصر والأردن وقطر. تريد حماس خلق عامل مشترك معها للحصول على دعمها. ومن أجل التأثير على هذه الدائرة، فإنها تتحدث عن أنها حرب للإسلام، ويستخدمون الزخارف الإسلامية بشكل كبير.
"والهدف الثالث من الجمهور هو دول العالم؛ فهم يعرضون الأضرار الشديدة التي أصابت الغزيين ويدمجون قدرة الذكاء الصناعي "إي.آي” لخلق صور خيالية صادمة بشكل خاص”. وحسب بنكو، هذه رسائل تنشر في الشبكات الاجتماعية. "الرأي العام العالمي يبتلعها. هناك حسابات وهمية تنشر مواد كثيرة. ومن لا يصدق في البداية، يحصل على صورة أخرى والمزيد من الصور، وفي النهاية يقتنع. الجمهور الرابع هو الجمهور الإسرائيلي الذي يقول عنه بنكو: "رجال حماس بالذات لا يحاولون الإقناع بأنهم إنسانيون. هم يريدون تخويف الإسرائيليين وخلق انقسام في الشعب”.
تعتقد يرحي أن وضع إسرائيل هذه المرة جيد في وسائل الإعلام التقليدية بالمقارنة مع جولات القتال السابقة في القطاع، ولكنها تجمل بأن الوضع مختلف في الشبكات الاجتماعية. "هناك عدد أكبر من المسلمين والمؤيدين للفلسطينيين مما يوجد من اليهود والمؤيدين لإسرائيل. الأرقام الكبيرة في الشبكة هي التي تفعل فعلها”، شرحت. "تتوجه الشبكة أيضاً إلى الجمهور الشاب أكثر، المؤيد لفلسطين. في هذه الأثناء، تتوجه إسرائيل بالأساس إلى متخذي القرارات والجمهور الذين لهم مشاركة سياسية أكبر، وليس للطلاب في الجامعات. ولكن إذا لم نبدأ العمل أيضاً في الجامعات، فسيكون هناك بعد بضع سنوات الكثير من السيناتورات وأعضاء الكونغرس الذين لديهم مواقف مناهضة لإسرائيل. في نهاية المطاف، قد يأتي من هؤلاء رئيس، فنقع في مشكلة. نحن متأخرون لبضع سنوات في هذا المجال”.