جحيم الشجاعية... القنص إن حاولتَ الهرب من المجزرة

قصف الاحتلال الإسرائيلي، يوم السبت الماضي، تجمعاً سكنياً مكتظاً بالسكان في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، بالقرب من منطقة "الجديّدَة"، وبدون سابق إنذار، ومن دون رمي مناشير كما يحصل في بعض مناطق جنوبي القطاع حالياً. وصل عدد الشهداء إلى أكثر من 325 شهيدا، ولا يزال عدد آخر من الشهداء تحت أنقاض المباني المدمرة، بحسب بيانات جهاز الدفاع المدني الفلسطيني.

كان حي الشجاعية منذ بداية العدوان الإسرائيلي ضمن أبرز أهداف جيش الاحتلال، وتكرر ذكره في بياناته وعبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن بعد تقسيم قطاع غزة إلى منطقتين، شمالية وجنوبية، بدأ تشديد الحصار الإسرائيلي على الحي الذي أصبح محاصراً من أربع جهات، ما منع الآلاف من سكانه من النزوح جنوباً، حتى أثناء فترة الهدنة الإنسانية التي استمرت لسبعة أيام.

يقول مكتب الإعلام الحكومي في غزة، إن جيش الاحتلال ارتكب أكثر من 100 مجزرة خلال أربعة أيام متواصلة بعد نهاية الهدنة، لكن وقعت أفظع هذه المجازر في حي الشجاعية، حيث قصفت نحو 50 بناية سكنية، ما خلفت مئات الشهداء والجرحى، منهم من تمكن من الوصول إلى المستشفيات، وعدد آخر لا يزال تحت الأنقاض.

بدأ القصف في وضح النهار، وشن جيش الاحتلال غارات جوية مكثفة صباح السبت، شملت ما بات يُعرف بالأحزمة النارية، والتي استهدفت منازل وأراضي زراعية في مناطق شرقي مدينة غزة، خصوصاً حي الشجاعية، وحي الزيتون، وغالبية البنايات التي تم استهدافها مملوكة لعائلات من سكان حي الشجاعية، وبعضها منازل مؤجرة، وجرى تدميرها بالكامل.

 

شدد الاحتلال الحصار على حي الشجاعية ليمنع سكانه من النزوح جنوباً

يقيم عدد من الناجين من مجزرة الشجاعية حالياً في ساحة ومحيط المستشفى الأهلي المعمداني، بالقرب من البلدة القديمة في مدينة غزة، ويقولون إن القصف تركز على المنطقة الجنوبية من حي الشجاعية القريبة من حي الزيتون المحاذي من جهة الشرق، وباتجاه شمالي قطاع غزة، وكان جنود الاحتلال يوجدون في مركباتهم العسكرية لقنص من يحاول الهرب من القصف، فضلاً عن قصف الجهة الغربية وصولاً إلى حي تل الهوا، حيث يوجد قناصة الاحتلال أيضاً، ما يعني إطباق الحصار على السكان، فالجهة الجنوبية يمنع الهرب عبرها السلك الفاصل لمناطق القطاع مع مناطق سيطرة الاحتلال.

قبل هذا الحصار، توجه بعض سكان حي الشجاعية إلى مناطق توزيع المساعدات، لكنهم لم يستطيعوا العودة إلى منازلهم، وكانت بعض العائلات تتواصل مع أقارب وأصدقاء بحثاً عن مأوى قبل النزوح إلى جنوب أو وسط قطاع غزة.

غادر محمد جندية (35 سنة) منزله في حي الشجاعية إلى المستشفى الأهلي المعمداني رغم كل المخاطر التي تتهدد المستشفى، والذي تعرض لقصف سابق. استشهد عدد من أفراد عائلته، ولا يزال آخرون مفقودين، وبعضهم تحت الأنقاض. ويقول لـ"العربي الجديد": "عاش الكثير من سكان الشجاعية لأيام من دون طعام، وعند حدوث المجزرة، كانت العائلات موجودة داخل المباني السكنية للاحتماء بعد سماع أصوات إطلاق النار وأصوات الانفجارات بالقرب من المنطقة. يضم الحي العديد من العائلات النازحة: بعض أفرادها من جباليا، وآخرون من المناطق القريبة التي تم تهديد سكانها بضرورة الإخلاء، وكانوا يريدون البقاء وسط الناس حتى يشعروا بالأمان، لكنهم هربوا من الموت إلى الموت".

يضيف جندية: "عندما حصلت المجزرة كنت أبعد بضع مئات من الأمتار فقط عن القصف، واحتميت بحائط منزل من شظايا الصواريخ. من شدة القصف قتلت الشظايا كثيرين كانوا في الشارع، واحتاج الإسعاف إلى وقت طويل للوصول، وقد وصلت فرق الدفاع المدني قبل الإسعاف، وكانوا ينادون فوق الأنقاض إن كان أحد حياً تحتها، والعدد القليل من المصابين ممن كانوا خارج المنازل، بينما قضى معظم من كانوا في المنازل شهداء. لا يوجد سوى المستشفى المعمداني، ولا يمكنه استيعاب أعداد كبيرة من المصابين، فهو مستشفى صغير لا يقارن بمجمع الشفاء الطبي".

 

لا يزال عدد من شهداء مجزرة الشجاعية تحت أنقاض المباني المدمرة

نجا إسماعيل العمارين (42 سنة) أيضاً من المجزرة، لكن منزله تضرر، وأصيب 5 من أفراد أسرته، والعديد من النازحين من أقاربه الذين جاؤوا للإقامة في منزله من مناطق مختلفة. يقول: "في لحظة الانفجار، غطى دخان أسود المنطقة كلها، وكنت أصرخ بينما أتابع السير للوصول إلى منزلي بينما لا يمكنني الرؤية. بعد وصولي، بدأت إغاثة المصابين عبر عربات تجرها حيوانات، وحين وصلنا إلى المستشفى المعمداني، لم يكن هناك مكان، فوضعتهم على الأرض لتلقي لعلاج، وكان هناك مئات من سكان الحي المصابين، والجميع يعالجون على الأرض".

 

يضيف العمارين لـ"العربي الجديد": "بعد الاطمئنان على المصابين من عائلتي، عدت إلى المنزل، فصدمت من هول المجزرة. غالبية الجيران كانوا شهداء، أو تحت الأنقاض. بدأت المشاركة في جهود الإنقاذ، كنا نبحث عن أي دليل على وجود أحياء، وأخرجنا عائلة واحدة ناجية من تحت الأنقاض مع طواقم الدفاع المدني. كان الحي مقسماً على ثلاثة شوارع فرعية، وجميع الشوارع تم تدمير منازلها".

خسر العمارين أقارب وأصدقاء في مجازر إسرائيلية سابقة طاولت حي الشجاعية، وودع عدد من أفراد عائلته خلال العدوان الحالي، كما دمر منزله في عدوان صيف عام 2014، والذي شهد تدمير مئات المنازل في الحي. لكنه يؤكد أن أعداد الشهداء في العدوان الحالي أكبر كثيراً من أي عدوان سابق، إذ يقترب العدد منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من ألف شهيد، ما يعني عشرة أضعاف عدد الشهداء في مجزرة الشجاعية في العام 2014، والتي بلغ عدد الشهداء فيها أكثر قليلاً من 100 شهيد.

حاول عناصر الدفاع المدني الوصول إلى عدد من العالقين تحت ركام المنازل المدمرة، معتمدين على الوسائل البدائية في الحفر، ومساعدة سكان الحي. لكن عدم وجود آليات تسمح بالتدخل السريع والناجع أضاع الفرصة للوصول إلى ناجين، وبات أغلب العالقين يعتبرون شهداء.

يقول الناطق باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، الرائد محمود بصل، لـ"العربي الجديد": "تعرض الحي للاستهداف المباشر، وحين تحركنا رأينا العجب. مربع سكني مكون من أكثر من 50 منزلاً مأهولاً بالسكان والنازحين تم استهدافه بأكثر من 10 قنابل أسقطتها طائرات الاحتلال في وسط المربع. ونقدر وجود أكثر من ألف شخص في المكان قبل الاستهداف".

يضيف بصل: "الطواقم الطبية لم تتعامل مع كثير من المصابين، وهذا يدل على أن غالبية من كانوا في المنطقة قضوا شهداء، وآخر رقم وثقته طواقم الدفاع المدني حتى مساء يوم الاثنين هو 325 شهيداً، والكثير منهم لم نتمكن من انتشال جثامينهم، ولم تستطع طواقم الإسعاف أو الدفاع المدني التعامل مع الأمر لعدم توفر الإمكانات، فالاحتلال يستهدف الجرافات والآليات التي توجد في مدينة غزة، كما يستهدف طواقمها".

 

ويبحث سكان حي الشجاعية الناجون من المجزرة، والذين غادر معظمهم إلى محيط المستشفى المعمداني، عن أي وسيلة للنزوح جنوباً إلى مدينة رفح التي أصبحت المنطقة الوحيدة الصالحة للنزوح، بعد تدمير أجزاء كبيرة من مدينة خانيونس جنوبي القطاع، وحصار مدينة دير البلح في الوسط.

يقول أحمد الكردي (36 سنة) لـ"العربي الجديد": "حي الشجاعية معروف تاريخياً كحي شعبي، وسكانه تعرضوا لمجازر سابقة كونه قريباً من الحدود الشرقية، ورغم انتهاكات الاحتلال المستمرة، لم يكن النزوح سهلاً علينا في بداية العدوان، فلا مكان في الجنوب الذي بات مكتظاً بالنازحين، ونحن نرفض فكرة التهجير. هذه المجزرة كان هدفها تدمير البنايات عبر ضرب صواريخ موجهة إلى قواعد البنايات، وبالتالي قتل كل من فيها".

ويعد حي الشجاعية أحد أكبر أحياء قطاع غزة التاريخية، وتقدر مساحة بـ14305 دونمات، ويضم معالم أثرية، ويلقب بـ"حارس" شرق مدينة غزة، وله أهمية تاريخية، إذ بنيَ في العهد الأيوبي، وحصل على اسمه نسبة إلى القائد "شجاع الكردي"، والذي اتخذ المنطقة مركزاً لانطلاق حملات تحرير مدينة القدس.

ويضم الحي مساجد ومباني أثرية، وأسواقاً شعبية قديمة، وبعض المباني عمرها مئات السنين، خصوصاً في حي الأكراد ومنطقة التركمان، ويبلغ عدد سكان الحي أكثر من 110 آلاف نسمة، حسب أرقام الجهاز الفلسطيني للإحصاء.