الناقل الوطني.. أفكار إستراتيجية خلاقة

لا أحد يختلف حول أهمية مشروع الناقل الوطني للمياه المحلاة من حيث أنه يشكل عنصرًا حيويًا في تعزيز كفاءة الاكتفاء الذاتي من المياه وتعزيز الاعتماد على الذات والاستقلالية في مجال الموارد المائية. فالناقل الوطني يعمل على توفير وسيلة فعالة ومستدامة لاستغلال مياه المحيطات التي تصل الى البحر الأحمر مجاناً والى بوابة الاردن البحرية المفتوحة الوحيدة، بعد تحليتها ليتم نقلها إلى مناطق المملكة التي تعاني من نقص المياه، مما يعزز من توزيع الموارد بشكل أفضل ويحسن توفر المياه في المناطق المستفيدة.

يعزز الناقل الوطني من فرص تطوير البنية التحتية المائية، اذا ما نُفِذَ بالتوازي مع إصلاحات هيكلية في قطاع المياه والزراعة والتي منها تبديل شبكة المياه المهترئة والتعامل بحزم مع سرقات المياه بملايين الامتار المكعبة، وزيارة الاستراتيجية الوطنية لقطاع الزراعة. فكل ذلك سياسهم بلا أدنى شكل في تحسين كفاءة قطاع مياه الشرب والري وتحسين الإنتاجية الزراعية والصناعية. بشكل أهم، يعزز هذا الاستثمار الوطني في المياه قدرة البلاد على التأقلم مع التحديات المتغيرة للموارد المائية وتوفير حلاً مستدامًا لتلبية احتياجات المياه المتزايدة في مستقبل طويل الأمد.

الناقل الوطني مشروع إستراتيجي يلعب دورًا حيويًا في توفير مياه للشرب والري والزراعة وإنتاج الطاقة من خلال تشغيل محطات توليد الكهرباء بواسطة الأنظمة الهيدروليكية، مما يسهم في توليد طاقة نظيفة ومتجددة. وبالنتيجة فان هذا المشروع يمكن أن يُحسِّن البيئة المحلية، ويساهم في تحسين التوازن البيئي.

ويعلم المختصون أن بناء ناقل مائي من البحر الأحمر إلى عمان ومحافظات أخرى في المملكة هو جهد معقد، ينبغي أن تتوفر له سبل وبدائل مختلفة لتمويله وإدارته. فيما يلي نطرح بعض المقترحات التي يمكن دراستها وإختيار ما هو مناسب منها بهدف توفير آليات للتمويل وإدارة المشروع:

أولا، الشراكات بين القطاعين العام والخاص؛ من المهم التعاون مع الكيانات الخاصة لتقاسم العبء المالي والمسؤوليات التشغيلية. يمكن تنظيم ذلك من خلال شراكات طويلة الأمد حيث يساهم المستثمرون الخاصون في التمويل والخبرة. ثانياً، التمويل والمساعدات الدولية؛ لا بد من البحث عن الدعم المالي من المنظمات الدولية والبنوك التنموية أو الحكومات الأجنبية التي تهتم بتعزيز أمان المياه والتنمية المستدامة في المنطقة. ثالثاً، التمويل الحكومي والدعم المالي؛ يجب على الحكومة الأردنية تخصيص جزء من موازنتها أو تأمين قروض سهلة وميسرة لتمويل المشروع، وذلك بهدف تنفيذ المشروع وجعل المياه من الناقل ميسورة التكلفة للمستخدمين النهائيين.

رابعاً، رسوم المياه والرسوم على المستخدمين؛ حيث يجب على الحكومة تنفيذ نموذج تسعير مستدام للمياه المنقولة عبر الناقل، وذلك بفرض رسوم معقولة ورسوم على المستخدمين لجعل المشروع قابلاً للتحقيق والصيانة مالياً. خامساً، السندات البيئية التأثير environmental impact bonds: يمكن للأردن استكشاف إمكانية إصدار سندات تأثير بيئي حيث يتم سداد المستثمرين استنادًا إلى نجاح المشروع في تحقيق أهداف بيئية واجتماعية، مثل تحسين توفر المياه وتقليل التوتر المائي. سادساً، الشراكات التكنولوجية: يمكن للأردن أيضًا التعاون مع شركات التكنولوجيا للحصول على حلول مبتكرة وفعالة من حيث التكلفة. يمكن أن يشمل ذلك تقنيات تحلية المياه الفعالة، وأنظمة إدارة المياه الذكية، وطرق البناء الصديقة للبيئة، بحيث يتم طرح جائزة وطنية لأفضل نموذج شراكة تكنولوجي في ظل توفر عقول أردنية ريادية ومبدعة في مجال تكنولوجيا المعلومات يمكن تحفيزها والاستفادة من خبراتها.

سابعاً، الاعتمادات الكربونية والتمويل الأخضر؛ يمكن للأردن تحديد المشروع كمشروع مستدام بيئياً لجذب التمويل الأخضر، وخاصة بعد أن صدرت استراتيجية التمويل الاخضر من قبل البنك المركزي الأردني، وتحقيق إيرادات من خلال تداول اعتمادات الكربون. ثامناً، مشاركة المجتمع؛ يجب على الحكومة التفكير في إشراك المجتمعات المحلية في عملية اتخاذ القرار والنظر في نماذج الاستثمار المجتمعي، حيث يمكن أن يعزز ذلك الدعم للمشروع ويعزز شعور المسؤولية بين أصحاب المصلحة المحليين.

تاسعاً، استراتيجيات التخفيف من المخاطر؛ يجب تطوير استراتيجيات شاملة لتقييم وتخفيف المخاطر لمعالجة التحديات المحتملة، بما في ذلك المخاطر الجيوسياسية ومخاوف التأثير البيئي وعدم اليقين التنظيمي. عاشراً، التنفيذ التدريجي؛ يجب على الحكومة أن تنظر في إمكانية تنفيذ المشروع تدريجياً، ليصل تباعا للمحافظات الاقرب فالابعد، مما يتيح تمويلًا خطوة بخطوة وتقليل العبء المالي الفوري، حيث يوفر هذا النهج أيضًا مرونة للتكيف مع التغيرات في الظروف.

هناك أفكار اكثر عملية قابلة للتنفيذ لا يمكن سردها في مقال قصير كهذا. إلا أن الحكمة التي يجب التأكيد عليها هي أنه لا بد من البدء في تنفيذ هذا المشروع بسرعة، خاصةً في ظل الصدمات والأزمات المتعددة والمتتالية التي يواجهها وطننا وشعبنا الحبيب، والتي تبرز بشكل مستمر ضرورة زيادة الاعتماد على الذات. وقبل ذلك، يتعين إجراء دراسات جدوى شاملة وجذب أصحاب المصلحة وإعداد خطة مالية وتشغيلية قوية قبل الشروع في مشروع بنية تحتية هام كهذا.