لا نُطيق الفساد ولكن نقبل الفاسدين

 
ثبت بالوجه العملي اننا شعب لا يطيق الفساد ولنا معه تجارب مريرة تبدأ من نهب خيرات البلد واموالها ومواردها بل وإنتشار الحقد والكراهية بين افراد المجتمع الواحد والفرّقة بين العائلات والعشائر بل وبين افراد العائلة الواحدة ووضعتنا هذه الآفة اللعينة في الحضيض فقرا واخلاقا إلاّ من رحم ربّي .
ولكن ثبت بالوجه القطعي اننا لا نقبل باي فرد منّا تلاحقه شبهة فساد ان يُوضع في النظارة او يبيت في السجن ولو لليلة واحدة خاصّة اذا كان هذا المشتبه به احد أقاربنا او من ابناء عشيرتنا أو انه شخص سبق وان احببناه ومستعدّين للتظاهر والاعتصام والتصعيد من اجله حتّى يُطلق سراحه أو ان يُصدر الملك عفوا خاصّا عنه .
شعب يعرف ان بعض ممن يُشتبه فيهم متورّطون بقضايا فساد واضحة للعيان وكانت بالملايين ولكننا لم نقبل محاكمتهم ليثبُت برائتهم من تورّطهم مع ان الكل يُشيد بقضائنا العادل .
لله درّه من شعب لا يطيق الفساد ولا يُطيق محاسبة الفاسدين وكأنه بوجهين احدهما حلو والاخر كالعلقم فكيف يكون ضميره وعقله وقلبه هل لها وجوه مختلفة كيف لنا ان نقبل ان يعيش الفاسدون بين ظهرانينا ونتركهم يُربّون اجيال على تلك الاخلاق وتلك القيم المجتمعيّة خاصّة وأن بعضهم كانت مُقدّراتنا وحياتنا بين ايديهم أو ليس خيانة الأمانة كفرا أو تكاد ان تكون كذلك فكيف إذا كانت في الاهل وابناء الوطن الواحد .
ليتنا كنّا بالعكس نقبل بالفساد ولا نقبل بالفاسدين لأن الفساد حينها يكون ناتجا عن اخطاء غير مقصودة ويكون التعامل معها بطريقة افضل ولا تؤثر على تربية اجيالنا القادمة .
قد نكون مميّزين في ذلك عن باقي الشعوب إذ لم أسمع ان قسما من الشعب قد تظاهر او إعتصم لإخراج مشتبه بالفساد من ايدي العدالة قبل الحكم عليه فهل نحن شعب اعقل من غيره .
وإذا كان القضاء نزيها وعادلا فلم الخوف من إتمام الاجرائات القانونيّة للوقوف على الحقيقة ولعلّ ذلك يكشف عن متورطين اخرين في تلك القضايا .
الا نكرّر صباح مساء اننا دولة مؤسسات وقوانين واننا اصحاب حضارة وملتزمين بمبادئ الثورة العربيّة الكبرى واننا لا نقبل الضيم ابدا هل كل ذلك ننساه عندما تحوم الشبهة باحد اقاربنا ما هذا الإنفصام في الشخصيّة والنفاق على ذاتنا فهل نستحي من قول الحق والاعتراف بالخطأ أم نستحي من ان نستحي .
إنّ في شعبنا الكثير الكثير من الشرفاء ممن لا يقبلون هذا السلوك ومستعدّين للإعتراف عن اهلهم او احد افراد عائلتهم إذا اشتبهوا فيه انه يعمل من اجل غير مصلحة البلد اوانه متورّط في شبهات الفساد والمال الحرام لكي يأخذ جزائه ان كان فاسدا ذلك هو المواطن المخلص المنتمي حقّا للأردن .
ستلعننا الاجيال القادمة على سلوكنا هذا عندما يقرأون عن حقبة الفساد التي نعيشها وسيعلمون ان تلك الثقافة التي إعتنقناها لزمن أخرّت نهضتهم لسنين طويلة حيث استطاعوا التخلّص منها وسيشعرون بالكراهية لمن سترد اسماؤهم في جداول الفساد التي ستُدرّس لهم في المناهج والروايات التي ستتحدّث عن فسادهم ومغامراتهم التي اودت بمقدّرات البلد وابتعدت بها عن التنمية المستدامة وسيلعنهم التاريخ حيث اصبحنا مرهونين للغير بفضل الفاسدين وارتباطاتهم بالفساد والعياذ بالله .
اللهم نقّي الاردن من رجس الفساد كما تنقي ارضها الان من خطر الجفاف بهذا الزائر الابيض المبارك ثلوج الخير والسقيا الهنيّة .
أحمد محمود سعيد
دبي – 2/3/2012