90% من الجثث المنتشلة خلال الهدنة متحللة ومجهولة

انتشلت فرق الدفاع المدني نحو 250 جثة لشهداء من الشوارع والطرقات في مدينة غزة وشمال قطاع غزة، خلال الأيام الخمسة الماضية من الهدنة المؤقتة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل.

 

وقال الناطق باسم الدفاع المدني الرائد محمود بصل في حوار خاص مع الجزيرة نت، إن 90% من هذه الجثث متحللة ومجهولة الهوية، لمكوثها فترة طويلة ملقاة في الشوارع، من دون أن تتمكن فرق الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليها وانتشالها، جراء حدة الغارات الجوية الإسرائيلية والتوغل البري في عمق مناطق مدينة غزة وشمالها.

 

في الحوار التالي يتحدث الناطق باسم الدفاع المدني عن تحديات كبيرة تعترض عملهم في الميدان، ومشاهد إنسانية مؤلمة ومؤثرة، لناجين من تحت أنقاض منازلهم المدمرة، ولذوي شهداء تحت الأنقاض يعتصرهم الألم، ولا تستطيع فرق الإسعاف والدفاع المدني انتشالهم، سواء لوجود هذه المنازل في مناطق خطرة لا تزال توجد بها الدبابات والآليات الإسرائيلية، أو لضعف الإمكانيات البشرية والمادية.

 

هل ساعدتكم أيام الهدنة على التحرك ميدانيا لإجلاء الجرحى وانتشال الشهداء؟

منذ اللحظة الأولى لدخول اتفاق الهدنة المؤقتة حيز التنفيذ، تحركت فرق تم تشكيلها لهذه الغاية، وقامت بمسح الشوارع والطرقات في المناطق التي تمكنت من الوصول إليها في مدينة غزة وشمال القطاع، والتي لا توجد بها الدبابات والآليات الإسرائيلية، وكانت المشاهد مؤلمة وصادمة، وهناك مناطق كثيرة لم تتمكن فرقنا من الوصول إليها لأنها محفوفة بمخاطر كثيرة.

 

والاحتلال يطلق النار دون تردد على كل متحرك، وعلى مواطنين حاولوا الوصول إلى منازلهم لتفقدها، كمحيط مستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر في حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة، ومستشفيي الرنتيسي والنصر للأطفال في حي النصر شمال مدينة غزة، ومناطق أخرى متاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي في شرق مدينة غزة وشمال القطاع.

ما أبرز هذه المشاهد؟

الكثير من هذه المشاهد ربما لم يصل لها خيال صناع السينما والأفلام الخيالية.. جثث شهداء متحللة، ومن بينهم مجموعة من النساء والأطفال والرجال قتلتهم قوات الاحتلال وهم يرفعون الرايات البيضاء وفي طريقهم للنزوح من شمال القطاع نحو جنوبه، بعدما زادت حدة العدوان على تلك المناطق، بدافع إسرائيلي لإفراغها من سكانها ودفعهم إلى النزوح نحو مدن جنوب القطاع.

 

وقد أظهرت هذه الجريمة أكذوبة المسارات والمناطق الآمنة التي زعمها الاحتلال، فقد تعرض هؤلاء وغيرهم لإطلاق نار واستهداف مباشر، من دون مراعاة للرايات البيضاء التي تدل على سلميتهم.

 

وهناك مشهد لا يمكن أن يتلاشى من ذاكرتي، لأم انتشلتها طواقم الدفاع المدني وهي تحتضن طفلها لحمايته حتى لفظت آخر أنفاسها، ومشهد آخر لأسرة كاملة انتشلتها فرقنا من تحت أنقاض منزلها بعد 5 أيام، وجميع أفرادها رجالا ونساء وأطفالا على قيد الحياة.

 

وفي مستشفى الشفاء قبل اجتياحه من قوات الاحتلال، جاءني رجل يسأل أين الغارة وماذا استهدفت؟، فقلت له منزل في حي تل الهوا يعود لعائلة فلان، فإذا به صاحب ذلك المنزل، وقد استشهدت زوجته وجميع أبنائه، وهذا مشهد متكرر ربما تابعه الملايين حول العالم في مقاطع مصورة انتشرت على منصات التواصل لأطباء وممرضين وعناصر دفاع مدني وصحفيين، يفاجؤون خلال عملهم الميداني باستقبال ذويهم شهداء وجرحى.

 

كم عدد الجثث التي انتشلتها فرق الدفاع المدني من غزة وشمالها؟

انتشلنا حتى اللحظة ومنذ دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ زهاء 250 جثة، 90% منها متحللة، ومجهولة الهوية، وكان من الصعب التعرف عليها لما لحق بها من تشوه كبير نتيجة تعرضها لنيران كثيفة وتحولها إلى أشلاء وكذلك لتحللها، بسبب بقاء غالبيتها في الشوارع والطرقات منذ بداية العملية البرية وتوغل دبابات وآليات الاحتلال في عمق مدينة غزة ومدن ومناطق شمال القطاع.

 

وتشكل هذه الجثث المتحللة خطرا شديدا على طواقم الإسعاف والدفاع المدني، والسكان عموما، وكان يفترض أن يتعامل معها الطب الوقائي، لكن ونتيجة حالة الطوارئ، تعاونت طواقمنا مع ذوي الشهداء في انتشالها وإيصالها إلى المقابر ودفنها.

 

وماذا بخصوص الشهداء العالقين تحت الأنقاض؟

اقتصر عملنا خلال أيام الهدنة على انتشال جثث الشهداء من الشوارع والميادين، ولم نتعامل مع المنازل والمباني السكنية المدمرة، التي تقدر وزارة الصحة العالقين تحتها بنحو 7 آلاف مفقود، حيث يحتاج انتشالهم إلى آليات ضخمة، لإزالة آلاف الأطنان من الركام، والدفاع المدني في مناطق شمال القطاع، بما فيها مدينة غزة، لا يمتلك سوى حفار واحد، بعدما استهدفت قوات الاحتلال 3 حفارات وأخرجتها عن الخدمة، ومارست إرهابا ضد العاملين على هذه الحفارات خلال أسابيع الحرب، لثنيهم عن العمل والتحرك في الميدان.

 

بلغة الأرقام ما هي خسائركم البشرية والمادية خلال الحرب؟

استشهد 25 فردا وجرح أكثر من 100 آخرين بينهم حالات بتر، من الطواقم الميدانية للدفاع المدني، جراء جرائم استهداف مباشرة لهم. وإضافة إلى الشهداء والجرحى من الطواقم الميدانية، دمرت قوات الاحتلال مركز الدفاع المدني الرئيسي في جباليا شمالي القطاع، واستهدفت بشكل مباشر سيارات الإطفاء والإسعاف، حيث يمتلك جهاز الدفاع في شمال القطاع 32 سيارة إطفاء خرجت غالبيتها عن الخدمة، وخرجت 5 سيارات إسعاف من أصل 9 عن الخدمة.

 

كما دمرت قوات الاحتلال خزان المياه الرئيسي والوحيد الذي يغذي سيارات الإطفاء، وسعته 15 ألف لتر، أنشأته ومولته دولة قطر في مدينة غزة، وخرج عن الخدمة، ويحتاج حاليا إلى صيانة.

وكيف أثر هذا الاستهداف على عملكم؟

جهاز الدفاع المدني ونتيجة الحصار لسنوات طويلة، والحروب المتكررة على قطاع غزة، يعاني أزمات عدة تعصف به، أبرزها قلة الكوادر البشرية وضعف الإمكانات المادية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدد أفراد الطواقم الميدانية في مدينة غزة وشمال القطاع 150 عنصرا فقط، من بين 800 عنصر على مستوى القطاع، علما بأن البروتوكول المنظم لعمل أجهزة الدفاع المدني على مستوى العالم يشير إلى أن كل ألف مواطن بحاجة إلى عنصر دفاع مدني واحد، ومعنى ذلك أننا بحاجة إلى 3 أضعاف هذا العدد لتأدية المهام المطلوبة.

 

والحالة بهذا السوء، إلى متى سيبقى الشهداء مدفونين تحت أنقاض المنازل والمباني المدمرة؟

بكل أسى أقول إننا لن نستطيع انتشال الشهداء والمفقودين من تحت أنقاض المنازل والمباني المدمرة قبل توفر الإمكانات البشرية والمادية، وبشكل عاجل نحتاج إلى 50 حفارا و50 جرافة، لرفع أطنان من الركام المنتشرة في كل شارع وحارة ومدينة على مستوى القطاع.

 

هل تلقيتم أي عروض خارجية إقليمية أو دولية من أجهزة دفاع مدني للمساعدة؟

لم يتواصل معنا أحد، ولم تعرض علينا أي جهة المساعدة بالكوادر البشرية أو الآليات والمعدات والإمكانات المادية، وكذلك لم نتلق أي لتر من الوقود منذ اجتياح قوات الاحتلال لمناطق شمال القطاع وعزلها عن جنوبه، ولا تزال تمنع إيصال الوقود لنا حتى بعد التوصل إلى اتفاق الهدنة المؤقتة.

 

ما هي أولويات احتياجاتكم الحالية؟

باختصار شديد نحن بحاجة إلى جهاز دفاع مدني جديد، فلا يمكن التعامل مع النتائج الكارثية للحرب الإسرائيلية بطواقمنا القليلة وإمكاناتنا المتواضعة، وقد خرجت نسبة كبيرة منها عن الخدمة.