مساكين في الدوار الرابع


في ستينيات القرن الماضي كانت اللغة الإنجليزية تدرّس بالمدارس اعتباراً من الصف الخامس ابتدائي، وفي الصف السادس كانت تدرّس إلى جانب المادة الأساسية قصة باللغة الإنجليزية في كتاب منفصل أيضاً، وقد كانت على أيامنا بعنوان "نيمال المسكين". وأذكر أنّ قصة أخرى كانت تدرّس بالصف الأول إعدادي بعنوان "جزيرة الأقزام" وهذه ليست محل استذكار اليوم، وإنّما قصة المسكين نيمال..
نيمال هذا كان صبياً بالعاشرة من العمر، يدرس في مدرسة كنيسة قرية إنجليزية، كان ودوداً طيباً، حنوناً وعطوفاً، لكنه ليس حصيفاً.
في كل صباح كان يذهب فيه إلى المدرسة كان يصادف أمراً يستحق المساعدة فيه فيفعل، ففي مرة صادف عجوزاً تريد قطع الشارع فساعدها، وأخذ منه ذلك وقتاً، فوصل متأخراً إلى المدرسة، فتم توبيخه وفي اليوم التالي صادف بائعاً طاعناً بالسن يجمع البرتقال في الشارع بعد أن تعثّرت عربته، فتبرّع للمساعدة بالجمع، ليصل متأخراً إلى المدرسة مرة أخرى، فوبّخ مجدداً، وهكذا كان حال نيمال المسكين في كل يوم، يصادف من يساعده، ويحصل في النتيجة على التوبيخ.
فكّر نيمال ملياً، وقرر..
في اليوم التالي نهض مبكراً جداً، وانطلق للمدرسة، إذ أراد أن لا يتأخر مهما صادفه من حالات للمساعدة، بحيث يبقى لديه الوقت ليصل في موعد المدرسة المحدد.
في ذاك الصباح، لم يصادف نيمال أيّ شخص في الشارع سوى بعض المارة، وليس منهم من له حاجة لمساعدة، فسار نحو المدرسة فوجدها مغلقة، تذكّر بعد ذلك أنّه في يوم الأحد، يوم العطلة.
نهاية القصة كانت بالعبارة التالية: مسكين نيمال إنّه يوم الأحد.
رئيس الوزراء السابق والأسبق معروف البخيت مسكين أيضاً، فقد ساد ما ساد إبان حكومته الأولى في أعوام 2005 - 2007، دون أن يدري أنّه أتاح ما أتاح من ظروف مواتية للإفساد والفساد، وليس قصة الكازينو هي الوحيدة، إذ يبقى دائماً ما خفي أعظم.
هناك قناعة لدى الناس عموماً، أنّ البخيت نظيف اليد ولم يسرق، والأمر هنا لا يعفيه من المسؤولية، وعندما تركها أدرك أكثر كم مرّ من تحت يديه وسال من تحت قدميه وكم ظلم دون أن يدري.
ولما أتيحت له الفرصة للمسؤولية مجدداً عام 2011، أراد بصدق نوايا أن يعوّض ما أمكن مما تسبب به، غير أنّ أيامه فيها كانت كلها آحاد وعطل، ولم يستطع شيئاً، وكان مسكيناً كحال نيمال وما زال.
وحال سمير الرفاعي ليس أحسن، فهو في حكومته الثانية عمل في أيام عطل، لما أراد أن يكون مختلفاً عن فترة حكومته الأولى، غير أنّ أحداً لم يقل عنه مسكيناً، جراء اختلاف حسن وسوء النوايا.
المساكين كحال نيمال ليسوا قلة، ومنهم فيصل الفايز، الذي تحمّل المسؤولية كرئيس وزراء، وأراد العمل أيام العطل وهو رئيس مجلس نواب، وكذا عدنان بدران الذي أتى وذهب دون أن يدري كيف ولماذا، أما علي أبو الراغب فلم يكن مسكيناً، ومثله عبد الرؤوف الروابدة.
أما المسكين الأكبر على الإطلاق فإنّه رئيس الوزراء الحالي عون الخصاونة، إذ أنّه يتربّع على سدة الرئاسة والأيام أمامه كلها آحاد وجمع وعطل وإضرابات واعتصامات، ولهذا فلن تتاح له فرصة مجدداً، إذ أنّه يفقدها منذ الآن.