بعد اعترافه أن “تصفية حماس مهمة صعبة”.. بايدن بين “الضغط” العربي ورغبات نتنياهو
لرئيس مصر، عبد الفتاح السيسي، مخطط أصيل لإنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين؛ ففي مؤتمر صحافي عقده أول أمس مع رؤساء حكومات بلجيكا وإسبانيا، اعترف بأن الحل السياسي لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هو حل "بعيد المنال”. لذلك، اقترح بأنه "على الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين بدون إجراء مفاوضات”. لدى السيسي أيضاً فكرة عن شكل هذه الدولة. "لقد قلنا إننا على استعداد لتكون دولة منزوعة السلاح، وستقدم الضمانات الأمنية قوات أجنبية من الناتو والأمم المتحدة ودول عربية أو الولايات المتحدة؛ لضمان أمن الدولتين، فلسطين وإسرائيل”.
ريما يشك السيسي بنفسه وبجديته وهو يقول ذلك، لكن الفكرة التي طرحها تدل على تشوش وإحباط وعجز لدى مصر حول مسألة السيطرة على غزة بعد الحرب. ولا يوضح السيسي كيف سيتم نزع سلاح حماس وماذا ستكون حدود الدولة الفلسطينية وما الآلية التي ستضمن الأمن في غزة، وما إذا كان لحماس أي دور في الدولة المستقبلية وما هي السلطة الفلسطينية التي ستحكم غزة.
ليس السيسي وحده هو الذي يجد صعوبة في وضع خطة عقلانية مقبولة لمستقبل القطاع بشكل خاص، و”المناطق” [الضفة الغربية] بشكل عام. حتى م.ت.ف تتخبط تخبطاً كبيراً؛ قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قبل أسبوعين إن رام الله لن توافق على إدارة القطاع إلا في ظل حل سياسي شامل. ولكن المتحدث بلسانه نبيل أبو اردينة، قال الأربعاء في مقابلة مع الشبكة التلفزيونية الأمريكية "الحرة”: "نحن على استعداد لتطبيق مسؤوليتنا في الضفة الغربية وغزة، كما وافقنا في أوسلو، حسب القانون الدولي. منذ 30 سنة ونحن نمول احتياجات قطاع غزة، من كهرباء ومياه وغاز وتعليم، وهناك نحو 88 ألف موظف ومتقاعد يحصلون على الرواتب من ميزانية السلطة الفلسطينية”.
هذا التصريح بعيد عن الدقة، لكن هل السلطة الفلسطينية وبحق مستعدة لتحل مكان حماس في غزة – حتى بدون إطار مفاوضات على الحل الدائم – خلافاً لموقف محمود عباس؟ يمكن إيجاد الإشارة على ذلك في أقوال أبو اردينة عن الحرب في غزة: "لا صلة لنا بما يحدث بين إسرائيل وحماس”، وأضاف "نحن مسؤولون عن الشعب الفلسطيني في غزة… حماس خرجت عن الشرعية الفلسطينية بعد الانقلاب في 2007”. لم يسمع حتى الآن على لسان أي متحدث فلسطيني رسمي مثل هذا التصريح العلني في فترة الحرب، لكن حتى هنا يقفز أبو اردينة في موازاة ذلك على الحقائق وكأنه لم يكن هناك عدد لا يحصى من اللقاءات والمفاوضات وحتى الاتفاقات بين السلطة وحماس حول المصالحة والتعاون في الحكم؛ وكأن محمود عباس لم يلتق قبل شهر من الحرب مع جهات رفيعة في حماس في مصر لمناقشة المراحل القادمة للمصالحة وإمكانية تشكيل حكومة فلسطينية موحدة.
أقوال أبو اردينة، إذا كانت تمثل محمود عباس أيضاً، فإنها تعكس كما يبدو انقلاباً في نظر السلطة لحماس ودورها في غزة. وهي تمثل موقفاً "معدلاً” لم يعد يربط السيطرة في غزة بمفاوضات سياسية شاملة. ولكن من الأفضل عدم التسرع للانجرار. في غداة هذه المقابلة المتفجرة، دعي أبو اردينة لإجراء مقابلة مع قناة "العربية” السعودية لتوضيح قصده. هل تسرعت في أقوالك؟ هل تريد تعديلها أو نفيها؟ سئل. كان جوابه وكأنه أخذ من كراسة الإجابات التي يستخدمها الوزراء وأعضاء الكنيست في إسرائيل عندما يسألون أسئلة محرجة. "طرح هذا السؤال لا يخدم الشعب الفلسطيني”، قال. "هذه ليست حرباً بين فتح وحماس، أو حرب الفصائل الفلسطينية، هذه معركة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والإدارة الأمريكية ووكلائها في المنطقة… أريد منك للمرة الأخيرة عدم تكرار دعاية منهجية تمس بوحدة الفلسطينيين”. وعندما صمم مجري المقابلة على سماع رد واضح، غادر أبو اردينة.
عندما يعرض الرئيس المصري مخططاً خيالياً بدرجة ما، ويعترف أن حل الدولتين "بعيد المنال” وأن احتماليته استنفدت، وعندما تتحدث السلطة الفلسطينية بعدة أصوات غير متماسكة، حينئذ يصعب فهم علام يسند الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حلمه في الحل الدائم، وحتى الخطة المتسرعة لإدارة القطاع على يد "سلطة مجددة” حسب تعبيره. هذا في الوقت الذي ليس له شريك في هذه الأثناء، سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني. ولكن إلحاحية خطة واقعية كهذه آخذة في التعاظم إزاء الجهود التي تبذل الآن لتمديد وقف إطلاق النار في غزة.
في الوقت نفسه، تحاول قطر ومصر وتركيا وبعثة وزراء الخارجية العرب برئاسة السعودية وإيران أيضاً، ترسيخ وقف طويل لإطلاق النار، وحتى وقف دائم. أشار بايدن إلى ذلك في خطابه الذي ألقاه بالأمس عندما ذكّر بوجود احتمالية حقيقية لتمديد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وقال إن هدف إسرائيل تصفية حماس هدف شرعي، لكن تنفيذه سيكون صعباً. فسرت إسرائيل أقواله بأنه مجرد تعامل مع تمديد وقف إطلاق النار، في سياق تبادل المخطوفين والأسرى، وهو التمديد الذي أعلنت إسرائيل نفسها استعدادها له. ولكن عندما يعترف بايدن في الوقت نفسه بأن تصفية حماس ستكون مهمة صعبة، فيجب على إسرائيل أن تفهم من ذلك بأن الولايات المتحدة بدأت تشكك في استكمال أحد أهداف الحرب الأساسية.
نستنتج من ذلك أن واشنطن لا تعتبر وقف إطلاق النار المحدد، حتى لو تم تمديده، عاملاً في الآلية المستقبلية لإطلاق سراح المخطوفين، بل فترة زمنية يجب استغلالها لإيجاد اتفاق على المدى البعيد. ليس حلاً دائماً، بل حل يرتب السيطرة في غزة. هذا الاعتقاد ربما يجعل الإدارة الأمريكية تغير وتسرع استراتيجية الخروج من الحرب، بحيث يتم دفع مبادرات سياسية قدماً في موازاة وقف إطلاق النار، وربما في موازاة استئناف القتال، وأن النقاش الجاري حول الترتيبات لن ينتظر تصفية حماس.
إحدى طرق تطبيق مثل هذه العملية تمت مناقشتها مؤخراً بين جهات أمريكية رفيعة ونظراء لها في مصر والسعودية والأردن. واقترح المشاركون في المحادثات وجوب عقد مؤتمر دولي حتى قبل انتهاء الحرب، كما بمبادرة الولايات المتحدة، لمناقشة الحل الدائم للنزاع. حسب أقوال مصدر دبلوماسي رفيع مطلع على مضمون هذه المحادثات، فإن واشنطن تحت ضغط كبير من قبل الدول العربية للدفع قدماً بمشروع قرار في مجلس الأمن، الذي سيملي وقفاً فورياً لإطلاق النار.
"الرئيس الأمريكي يرفض هذا التوجه في هذه الأثناء؛ لأنه حسب رأيه سيمس أولاً وقبل كل شيء باحتمالية إطلاق سراح المخطوفين مقابل الهدن المحددة”، وأضاف المصدر: "وهو لا يريد أيضاً قطع الطريق على إسرائيل في مواصلتها لتصفية حماس قدر ما تستطيع؛ حتى لو لم يؤمن بأنه يمكنها تحقيق هذا الهدف بالكامل. ولكن استمرار القتال وما سيقع على سكان جنوبي القطاع هذه المرة، قد يضع بايدن في وضع يصعب عليه فرض الفيتو في مجلس الأمن دون الإضرار بشبكة علاقات مهمة مع الدول العربية. بالنسبة له، المبادرة السياسية وتحريك المفاوضات مع السلطة الفلسطينية يمكنها حل مشكلتين في الوقت نفسه: منع نقل القرار بشأن وقف إطلاق النار إلى مجلس الأمن، وترتيب السيطرة على غزة بواسطة السلطة بعد الحرب، بدون وقف القتال. ولكنها خطة، مهما كانت مقبولة لدى الإدارة الأمريكية، ففيها نقطة ضعف صغيرة، وهي أن إسرائيل تعهدت بمواصلة القتال حتى تصفية حماس، وهي ترفض منح أي دور في المستقبل للسلطة الفلسطينية في غزة.