عن «الصهيونية» بما هي.. استمرار لـِ«اليهودية ونقيضها»!

في ظل حرب الإبادة التي تشنها دولة العدو الصهيوني على قطاع غزة، بدعم أميركي وأوروبي مفتوح غير مرتبط بأي رزنامة زمنية. وفي ظل ما تكشف بعد بدء الهدنة «الإنسانية» المؤقتة التي تنتهي غداً, من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ناهيك عن هول الدمار الذي لحق بالمشافي والمدارس التي ترفع علم الأمم المتحدة, والبنى التحتية وما يزيد على نصف المنازل والأبنية في شمال القطاع,(والجنوب في خان يونس ورفح ليس أفضل حالاً), فضلاً عن مئات الجثث المُتحلّلة في شوارع الشمال الغزيّ المنكوب، جراء القصف الصهيوني الذي لم يتوقف, زِد عليها ما احتوته المقابر الجماعية التي في معظمها مجهولة الهوية، يضاف إلى ذلك كله ما يزيد عن 15 ألف شهيد من الأطفال والنساء والمسنين ومختلف الأعمار, وسط تقارير مؤكدة عن آلاف الشهداء تحت الأنقاض.

أمام مشاهد مُروعة كهذه، لم تحدث حتى في الحرب العالمية الثانية، تجدر العودة إلى ما كتبه المؤرخون عن جوهر «الصهيونية», بما هي أيديولوجية عنصرية فاشية ونازية، وإن كانت تتستر خلف ادّعاءات وهرطقات دينية، تغرِف من أساطير وخزعبلات, ترى فيها الصهيونية استمراراً لـ"اليهودية».

تحضرني هنا مقالة قديمة نسبياً (18/6/2018) للفيلسوف الروسي الشهير/ألكسندر دوغين تحت عنوان «جوهر الصهيونية», بيّن فيها وِفق منهجية تاريخية وأكاديمية علمية, الجذور «المزعومة» التي استندت إليها الحركة الصهيونية لبسط هيمنتها, وبخاصة في «استيلاد» دولة العدو, بل وبما يتجاوزها إلى ما أسماه دوغين «خصوصية الدولة الصهيونية الحديثة», التي لا تعتمد فقط على «إسرائيل»، ولكن أيضاً على «اليهود العلمانيين والليبراليين اليهود والشيوعيين اليهود والرأسماليين اليهود, والمسيحيين اليهود واليهود الهندوس إلخ (وفق الترتيب السابق على ما ترجم صديقنا الدكتور زياد الزبيدي، فضلاً عن الشروحات بين الأقواس التي أضاء عليها/ الزبيدي). مضيفاً دوغين: كل أولئك الذين يمثلون شبكة الفرانكو, يمكن لكل منهم القيام بخيانة مقدسة بأمان، وبناء دولة، وتأكيد الهيمنة على العالم، وفرض حظر على انتقاد الصهيونية. (في بعض الولايات الأميركية، فإن انتقاد دولة إسرائيل يتساوى مع معاداة السامية).

بداية ُيُضيء دوغين على إرتباط الصهيونية كإيديولوجية لـ"دولة إسرائيل». طارحاً جملة من الأسئلة: لماذا يعتقد اليهود أنهم شعب الله المختار؟, ما معنى تشتت اليهود كتقليد يهودي؟ لماذا تُعتبر الصهيونية، من ناحية، استمرار لليهودية، ومن ناحية أخرى، نقيضها؟. مُجيباً عليها: ترتبط اليهودية بفكرة أن اليهود هم شعب الله المختار (بالمعنى الديني في المقام الأول). هدفهم هو انتظار المشيح (مسيح اليهود او المسيا, وهو لا يمت بصلة للمسيح عيسى ابن مريم) الذي سيكون «ملك إسرائيل». وهكذا، فإن دينهم مرتبط بعودة المشيح.

ثم ينتقل بنا الى ما دأب اليهود على ترويجه قائلاً:(وفقًا لليهودية، في بداية الألفية الأولى، تشتت اليهود. تم تدمير الهيكل الثاني (يقصد تدمير الرومان للهيكل عام 70 ميلادية)، وبدأ تاريخ من ألفي عام من تشتتهم. هذه الفترة جزء من «التقليد اليهودي». المعنى يُضيف دوغين, هو التكفير عن ذنوب اليهود المتراكمة في مراحل تاريخية سابقة. إذا كانت هذه التضحية صحيحًة، وكانت التوبة عميقة، فوفقًا للتقاليد اليهودية، سيظهر المشيح، مما «يضفي البركة على شعب الله المختار. في هذه الحالة، عودة اليهود إلى أرض الميعاد، وإقامة دولة مستقلة وإنشاء الهيكل الثالث»).

ماذا عن قيام «الدولة»؟.

يواصل دوغين القول: هذه هي أسس ثقافة «الإنتظار» اليهودية. اليهود الأكثر تمسّكا بهذا النهج هم الأصوليون من حركة ناطوري كارتا (جماعة دينية يهودية تأسست 1935، تُعارض الصهيونية وتنادي بإنهاء سلمي للكيان الإسرائيلي، وإعادة الأرض إلى الشعب الفلسطيني). يقولون: أن الله اليهودي أمر بتحمّل مصاعب السبي، لذلك يجب أن ننتظر النهاية ونكفر عن الخطايا. وعندما يأتي المشيح يمكننا العودة إلى أرض الميعاد.

كيف حدث أن تكون الدولة قد أقيمت وانتهكت المحظورات؟.

لفهم سبب تعارض إسرائيل الحديثة بشكل كامل مع الديانة اليهودية، عليك العودة إلى القرن السابع عشر، إلى عصر المشيح الكذاب شبتاي تسفي، الحاخام الصهيوني (وُلد في إزمير 626). أعلن أنه المشيح المنتظر، وبالتالي يمكن لليهود العودة إلى أرض الميعاد. مصير شبتاي تسفي حزين: عندما جاء إلى السلطان العثماني مُطالباً بفلسطين، أُتيح له الاختيار: إما قطع رأسه أو اعتناق الإسلام. ثم يحدث شيء غريب: شبتاي تسفي يختار الإسلام. مما سبّب خيبة أمل كبيرة للجاليات اليهودية.(يرجع إليه إيجاد مذهب «يهود الدونمة» في تركيا).

هنا لم تنتهِ سيرة الحاخام/شبتاي تسفي.فقد ظهر له اتباع في أوروبا هم «السبتيّون».

وانتشرت تعاليمه بشكل خاص بين الأشكناز واليهود في أوروبا الشرقية. في موازاة ذلك، تطورت الحركة «الحسيدية»، التي لم يكن لها توجّه أخروي أو مسياني، لكنها نشرت التعاليم الكابالية بين الناس العاديين. («الحسيديم» حركة روحانية اجتماعية يهودية, نشأت في القرن السابع عشر في شرق أوروبا. الفكر الحسيدي وخصوصًا في الأجيال الأولى, تميز بالدعوة إلى عبادة الرب وطاعته ومحبة إسرائيل واتباعه الصالحين).

للحديث صلة... غداً.

kharroub@jpf.com.jo