عقوبة الإعدام لن تخيف أحدا!
دعا من يسمى بوزير الأمن الداخلي في الكيان، في بيان أصدره مساء يوم السبت الماضي جميع أعضاء الكنيست على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، بتأييد مشروع قانون يؤيد فرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين الذين " يقومون أو يتسببون عن قصد أو إهمال أو بسبب اللامبالاة في وفاة مواطن إسرائيلي بدافع عنصري أو كراهية لإلحاق الضرر بإسرائيل ". وكان هذا المشروع قد لقي قبولا من الهيئة العامة البرلمانية الإسرائيلية في شهر آذار/ مارس الماضي من هذا العام.
هذا العنصري اليميني المهووس بخيال مريض في كيفية معاقبة الفلسطينيين ووضع العقبات في حياتهم وسكناهم وأسرهم ، يقترح أمرا يعتقد بسذاجة أو ببلاهة أنه سيخيف الشعب الفلسطيني ورجالاته ويحد من نضالهم، ويجعل فرائصهم ترتعد خوفا ووجلا وأن يحسبوا له ألف حساب، وأنه أتى بما لم يأت به الأوائل. لذلك جعل هذا الأمر الدموي بين أمور ضمن صفقته الإئتلافية لدخوله هذه الحكومة. وها هو ينفذ ما قطعه على نفسه أمام ناخبيه عبر تقديم هذا المشروع القانوني.
نسي هذا الجاهل الموغل في دم الشعب الفلسطيني، من أجل صوت هنا أو هناك، ربيب مائيركاهانا ومعلق صوره في بيته، والتلميذ النجيب لأفكاره العنصرية الدموية، والمادح لمرتكب جريمة الحرم الإبراهيمي باروخ جولدشتاين، أن موضوع عقوبة الإعدام بحق الفلسطينيين وتحديدا رجال المقاومة منهم، قد نوقش وأشبع نقاشا بعد حرب 1967 ، واشترك في النقاش وقتها جهات كثيرة مخابراتية ونفسية ومؤرخين ورجال جيش ومسؤولين وحكام وقضاة وأهل اختصاص. ودونت تفاصيل كل ذلك، والحجج المؤيدة والرافضة لتطبيق العقوبة على المقاومين في الضفة والقطاع، في كتاب المنسق الأول للحكم العسكري في الضفة الغربية شلومو غازيت " العصا والجزرة ". وكيف كانت الخلاصة برفض سنّ وتنفيذ عقوبة الإعدام على الفلسطينيين في الضفة والقطاع.
لقد قررت تلك الجهات الإسرائيلية من بداية البدايات، أن عقوبة الإعدام ضارة بالأمن الإسرائيلي أكثر مما هي ضارة بالردع الفلسطيني، وأتوا بحجج على ذلك. وغير ذي جدوى أن تناقش هنا قانونية العقوبة وعدالتها وإنسانيتها ومع فكر يؤمن بالعقوبات الجماعية والتعذيب وهدم المنازل واعتقال الأطفال. ولكن التطرق سيكون لمقولات رجال المخابرات الإسرائيلية ومن يستعينون بهم من الخبراء على كافة الصعد.
لقد قال هؤلاء أن عقوبة الإعدام ليست رادعة لأعضاء حركات المقاومة السرية، بل تبين عندهم أن وجودها، تؤدي إلى تصلبهم وإلى شراسة المقاومة وقتها، وبالتالي فقدان أي فرصة ما ولو ضئيلة لاستسلامهم.وأن هذه العقوبة تحول دون اتخاذ معلومات منهم ، أثناء التحقيق. كما قالوا أن تنفيذ عقوبة الإعدام ستحولهم إلى قديسين وشهداء رمزا للكفاح والنضال. وأن عقوبة الإعدام ستثير منظمات حقوق الإنسان الداخلية والخارجية والرأي العام ويؤثر على صورة الكيان ككل ويعرضها لضغوط عالمية ومحلية. والأخطر أن عقوبة الإعدام ستؤثر على الأسرى الإسرائيليين الذين قد يقعون في يد حركات المقاومة مستقبلا، وتعرضهم لأعمال انتقامية. وما جرى في الكنيست الإسرائيلي من نقاش ساخن، بين أهالي الأسرى حول طلبهم بتجميد مشروع هذا القانون، وحفنة نواب الوزير إيتمار بن جفير ما يؤيد ذلك.
حتى المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية غالي بيهارفي ميارا تعارض سن هذا القانون، وتعتبره غير ذي جدوى على الإطلاق وقدمت رأيا معارضا لسنه. بل ذهب المتحدث باسم أهالي الأسرى في غزة باكيا إلى الكنيست ومستنجدا أن لا يعرض الموضوع للتصويت فليس هذا وقت مثل هذه الأمور، وقد كان أعقل كثيرا، من وزير في حكومة يمينية متطرفة عنصرية.
بناء على ما تقدم، فإن عدم تطبيق عقوبة الإعدام رغم وجودها القانوني بنص يقتضي إجماع القضاة، وعدم مطالبة النيابة الإسرائيلية العسكرية والمدنية منهاعلى حد سواء بها، سوى في محاكمة أيخمان النازي الذي اختطف من الأرجنتين، ليس مرجعه الأخلاق أو وعي الضمير بل هو أمر في صلب المصلحة الإسرائيلية. وعدم الإلتجاء إسرائيليا ليومنا هذا لعقوبة الإعدام في المحاكم الإسرائيلية على الفلسطينيين، ليس رحمة بالفلسطينيين ولا إشفاقا عليهم بل هو رحمة بأسراهم وسوط دعائي لهم يتصنع الرحمة.
العجيب والغريب أن هذا الوزير الغارق حتى أذنيه في العنصرية، والذي قدم مشروع القانون لفرض عقوبة الإعدام على الفلسطيني، له خلفية قانونية ومسجل فيما يسمى بنقابة المحامين الإسرائيلية.لكنه نسي أو تناسى ما درسه في كلية الحقوق بأن عقوبة الإعدام مرفوضة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان ومواثيقه. وأن كيانه قد صادق على ميثاق الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وأن المادة السادسة منه تقرر تقييدها لعقوبة الإعدام، وتمتنع عن تطبيقها. وهو لم يكلف نفسه بأن يطالب بتطبيق عقوبة الإعدام على الجرائم الخطيرة جدا التي يقترفها اليهود وغيرهم كالقتل والإغتصاب ، لكنه اكتفى بعقوبة الفلسطيني فقط، إنه الجهل المطبق والعنصرية المقيتة التي تحاول إفراز سمومها تجاه كل ما هو فلسطيني والإيغال في دمه.
ونسي أو تناسى، أو لم يكفه كل الضحايا الفلسطينية التي عانت من التصفية الجسدية، على مدى عقود. فالعشرات من القيادات السياسية من جميع الفصائل، قد تم إعدامهم عن طريق التصفية الجسدية على مر العقود الخمسة الأخيرة وهم في منازلهم أو مكاتبهم أو في جوامعهم. وهي قائمة تطول لو ذكرت تفصيلا. لكنها ببساطة قائمة إعدامات دون حكم محكمة، ومن دون قرار قضائي، ومن دون محامين، ومن دون إجراءات قضائية، ومن دون جلسات أو شهود أو بينات أو علانية محاكمة. حكم الإعدام اصدره سرا ضابط عسكري ونفذه بدون وجه من أوجه الطعن وبدون تسبيب أو تعليل وبدون سماع وجهة نظر المطلوب تصفيته كما تقتضي إجراءات التقاضي، سوى مصادقة رئيس الوزراء، أي أن القاضي هو الجلاد ذاته.
أليس من حق كل إنسان دينيا وأخلاقيا وإنسانيا وطبيعيا، على هذا الكون الحياة، وله الحق في سلامة جسده وعقله وأعضائه بغض النظر عن دينه وعرقه ولونه ولغته ومنبته وثروته وأصله وجنسه وثرائه وفقره وفكره . وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك، فهل قذف قنابل الغازات المسيلة للدموع في حي سكني وإصابة الأطفال أو طاعني السن أو مصابي الأزمة الصدرية هو حكم بالإعدام عليهم . وهل تفريق المظاهرات الفلسطينية باستعمال الرصاص الحي أو الرصاص البلاستيكي أو الرصاص المطاطي هو نقض لحق الفلسطيني في الحياة وتطبيق لعقوبة الإعدام بدون حكم محكمة وبدون قرار قضائي. وغير ذي جدوى الحديث عن الإعدام المعنوي ما دام الإعدام المادي حاصلا.
وبعد هذا وذاك، هذا القصف العنيف الجوي السائر في قطاع غزة، واستشهاد ألوف المدنيين الفلسطينيين الغزاويين الأبرياء سواء أكانوا أطفالا أو شيوخا أو نساء أو حتى شبابا،، اليس ذلك القصف تطبيقا لحكم الإعدام في جوهره بحقهم، حتى لو اتخذ صورة إبادة لشعب أو جنس بشري، وإذا لم يكن القتل الذي يهدر الحق في الحياة يعد تطبيقا لعقوبة الإعدام فماذا نسميه. فهل بعد كل هذا ، يناقش مشروع قانون نظري لفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين، بينما هو مطبق في أسوأ صوره صباح مساء من ناحية عملية، وبدون نصوص نظرية ونقاش سفسطائي ونشر في الجريدة الرسمية .
لم تسلم أية فئة من فئات الشعب الفلسطيني من عقوبة الإعدام الإسرائيلية، على مرّالعقود، وبطرق وأشكال متعددة، وهي لم تخف أو تثني أحدا عن فعل المقاومة سواء فرضت هذه العقوبة أو لم تفرض، ورغم عدم فرض هذه العقوبة نظريا من أية هيئة قضائية، ورغم توفر النص القانوني بفرضها. واليوم ولغايات إنتخابية محضة ولنوازع شخصية دنيئة، تثور الفكرة مجددا وتطرح للنقاش والإقرار وكأنها تحمل بلسم الحل، ونسوا أن أمهات الشهداء كن يزغردن في مواكب الجنازات ويرددن " وفروا الدمعة للفرح ".