غزة ....عندما تصمت الأمة فإنَ صوتك يصرخ وا عرباه وا أمتاه!
فلسطين حاضرة هذه الأيام في الوجدان والإعلام العربي أكثر مما مضى، ويبدو أنّ جثامين الشهداء وآلآم آلاف الجرحى ومشاهد الموت التي تجثم على كل المشاهد في البيوت والمستشفيات والأحياء والمساجد والكنائس والمعابر والبحث عن كسرة خبز أو شربة ماء أو حتى بتر عضو دون تخدير في ظل صمت دولي وتآمر عالمي عجيب قد أثارت اللوعة والأسى في الأمة العربية والإسلامية رغم تشرذمها وغياب الهدف والبوصلة لديها وأظهر عجزًا كانَ خافيًا ففضحته غزة وفلسطين بصمودها ، فبعثت فيها تلك الروح الإنسانية المقاومة للتعسف والظلم والقهر، والتي هي مكون أصيل في النفس العربية تاريخيًا وتشهد بطولات القسام وعمر المختار ومحي الدين الحسيني وثورة الجزائر وغيرها على ذلك، فأصبحت غزة بامتياز ملحمة فلسطينية تثير على الرغم من الدم النازف الأمل في الأمة بالتغيير الذي تأخر كثيرًا، فهل حان الوقت للتغيير؟.
جرح فلسطين يقطر دمًا، ويجري تدوينه لحظة بلحظة؛ الأمر الذي يجعل زخم حالة التفاعل مع الألم والعذاب الإنسانيين أشد توهجًا، وإذا راجعنا ما أحدثته آثار الصور التلفزيونية اليومية التي تُبَث عن غزة في أنحاء العالم كلها، مثل استشهاد الأطفال والنساء أثناء نومهن وسط أسرتهن، أو صور الشهداء تحت الأنقاض، وصور مئات الجرحى الذين تنزف دماؤهم الزكية ولا يجدون دواء شافيًا غير قليل من المساعدات التي تصل من هنا وهناك، بعد طول انتظار ومماحكة على المعابر بحجة اتفاق المعابر مرة، وبحجج أخرى لا مجال لذكرها، فإنّ التعبير عن الشهداء أكبر مما جرى التعليق عليه في الصحف وعبر الكاميرات التلفزيونية العالمية.
ومع ذلك فإنّ مرارة الحقيقة التي يمثلها عجز النظام الرسمي العربي يبددها الصمود الأسطوري للمقاومين في غزة، وإنّ إرسال قادة جيش الاحتلال الصهيوني عشرات الطائرات الحربية، ومئات الدبابات والمدرعات لتقصف بيوت الصفيح، وبعض المكاتب بصواريخ تدميريّة، وكأن غزّة تمتلك مطارات يُراد تدميرها، أفشل الهدف من جديد في إحداث الصدمة والترويع، ففاجأتهم المقاومة، وأذلتهم، وأخزتهم، وزاد الصمود الفلسطيني في الآفاق غضبًا وقهرًا، فلا الحصار الشرس سيدفع فلسطينيي القطاع لإعلان التوبة عن المقاومة، والتنازل عن الحقوق، ولا الصدمة والترويع، سيدفعان الشعب الفلسطيني البطل للرضوخ والانحناء والركوع عند أقدام أعدائه، ولن ينجح الأعداء في تغيير الأوضاع في قطاع غزة، كما لم ينجحوا في حروبهم كلها.
وبقراءة سريعة لوقائع الأيام الماضية، والنظر إلى النتائج من منظور الربح والخسارة، يمكن تلخيص ذلك في أنّ استمرار حماس وفصائل المقاومة الأخرى في قطاع غزة هو هزيمة للكيان الصهيوني الرامي إلى إنهاء ظاهرة المقاومة، وتهجير الشعب.
لقد تغيرت قواعد اللعبة في المنطقة فعلًا، ولكن في غير مصلحة الكيان الصهيوني والغرب المنافق المتواطئ مع عدوانها الذي ساوى بين الجلاد والضحية بتبريره العدوان، وتبنيه الأدبيات الهمجية الصهيونية، وسد أذنيه وعينيه عن رؤية ضحايا النازية الصهيونية في مستشفيات قطاع غزة من الأطفال الأبرياء.
ورسخت هذه المجزرة الصهيونية قيم المقاومة، وأنهت عملية سلمية مضللة، ومهدت لصعود جيل جديد من الاستشهاديين، يتحرق شوقًا كي ينتقم لأشقائه وآبائه الذين مزقت أشلاءهم الصواريخ الصهيونية، وما يحدث في غزّة، على هوله، يمكن أن يكون نقطة تحوّل عنوانها انتفاضة ثالثة، ولكنها هذه المرة عربية فلسطينية لن تنتهي إلا بدحر الإحتلال.
أما الزعماء العرب فلم يمنحوا شعوبهم حتى فرصة رؤيتهم مجتمعين من أجل حالة طارئة في وقت قياسي، بل فضلوا التمسك بخلافاتهم وانقساماتهم؛ لأنّهم غير قادرين على التخلي عنها ولو في أحلك الظروف، وقد كان بإمكانهم تجاوز ذلك بعض الوقت، وإعطاء المصورين ووسائل الإعلام فرصة رؤيتهم مجتمعين، ولكن حتى هذا لم يتحقق عمليا رغم القمة العربية الإسلامية، وبقيت قراراتهم حبرًا على ورق، وحقق اجتماع بعض الوزراء ما يرغب فيه الزعماء، وهو العجز عن الالتقاء مرة واحدة في الزمن على كلمة رجل واحد بأخذ القرارات التي تحقق المطلوب بالوقوف إلى جانب قضايا الأمة وثوابتها ودعم فلسطين وكسر الحصار على غزة، ولكني ابشركم فالنصر قادم بإذن الله تعالى ، ومن كان معه الله لن تذل ولن تسقط له راية رغم التضحيات، وانها ساعة اما شهادة وإمّا نصر، وباذن الله نصر.
غازي عليان