الاتحاد الأوروبي: «فائض» التواطؤ و«فيض» النفاق؟

يكاد لا يختلف اثنان على ان الاتحاد الاوروبي، بما هو تكتل دولي سعى القائمون على انشاء نواته الأولى, التي حملت اسم «المجموعة الاقتصادية الاوروبية» في 18 نيسان 1951 وضم حينها ست دول اوروبية، (اصبح الان 27 دولة كاملة العضوية).. مُتجاوزا بالطبع كل الصيغ القديمة كـ«السوق الاوروبية المشتركة» وغيرها من تلك التوصفيات, التي شكّلت في حينها تطورا متلاحقا ولافتا, في مؤسساته السياسية والبرلمانية والاقتصادية وخصوصا الجغرافية, بمعنى"ازالة» الحدود السياسية بين الدول التي وافقت على صيغة «شينغن» (التأشيرة الموحدة للأجانب).. ?اهيك عما سعى اليه القائمون عليه للعب دور اكثر اهمية على الساحة الدولية, بعد انتهاء الحرب الباردة وهيمنة الولايات المتحدة على القرار الدولي.

نقول: يكاد لا يختلف اثنان على ان الاتحاد الاوروبي في مواقفه وصيغته الراهنة, قد سجّل فشلا ذريعا في لعب الدور المُستقل/«المأمول» الذي سعت اليه بعض دوله القوية مثل: فرنسا والمانيا بقياداتها «السابقة/ وليس الحالية بالطبع، ولم تستطع تجاوز الصفة التي اطلقتها عليها, نُخب سياسية واقتصادية واكاديمية ومراكز دراسات وابحاث بل وعسكرية, بان اوروبا «عملاق اقتصادي وقزم سياسي». وقد تجلت صحة المقولة في محطات وتطورات وازمات عالمية واقليمية بل واوروبية, ليس فقط في تراجع دورها بل وتبعيّتها للادارات الاميركية المتعاقبة, مباشرة ?عد انهيار الاتحاد السوفياتي مثل قصف الولايات المتحدة يوغسلافيا في آذار/,1999 تحت ستار حلف شمال الاطلسي وانخراط «معظم» دول الاتحاد الاوروبي في الحملة الاميركية على الاتحاد اليوغسلافي, الرامية من بين امور اخرى الى «الغاء» كل نتائج الحرب العالمية الثانية, التي منحت الاتحاد السوفياتي دورا رئيسيا على الساحة الدولية. ثم جاء الغزو الاميركي لأفغانستان بعد احداث 11ايلول/2001, ليزيد من ضعف وهشاشة الاتحاد الاوروبي سياسياً، بل ان الغزو الاميركي/البريطاني للعراق في اذار 2003، قد جعل من الاتحاد الاوروبي كيانا هزيلا سياس?ا، رغم ما أنجزه على صعيد «التكامل» بين اعضائه حتى وسط خلافات ثانوية داخلية برزت بين دوله, مُقارنة بما لحق بدوره من أضرارعلى الصعيد الدولي. وجاء الموقف الاوروبي من المطالب الامنية الروسيّة ليُنهي في ضربة موجعة, محاولات بعض اعضائه «التحرّر» من القبضة الاميركية, والتي تجلت في اندلاع الحرب الأوكرانية.

دور الاتحاد الاوروبي الراهن من الحرب الفاشية الصهيونية على قطاع غزة، بات مكشوفا وصارخا, ليس فقط في تبعيته المطلقة للموقف الاميركي، بل خصوصا في تواطئه مع العدو الفاشي وتبريره حرب الابادة التي يشنها جيش النازية الصهيونية، مُكرِّراً اسطوانته المشروخة عن «حق اسرائيل بل واجبها الدفاع عن نفسها وشعبها»، فيما يُنكِر ذلك على الشعب الواقع تحت الاحتلال ويصف مقاومته بـ"الارهاب»، ولا يتردد قادته في تقديم التعازي والتعبير عن التضامن مع الصهاينة، اما لاطفال غزة ونسائها وشيوخها كما شباب الضفة الغربية فيكتفون بالصمت أو بعض?التصريحات المغسولة.

تكثر الامثلة على فائض التواطؤ وفيض النفاق الأروروبي, والذي برز من بين امور اخرى في تصريحات صحافية, ادلى بها امس المُنسق الاعلى للسياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي/بوريل لصحيفة الشرق الاوسط اللندنية (وهو بالمناسبة صاحب المقولة العنصرية الشهيرة التي أعلنها في 13/10/2022 »، «أوروبا حديقة، لقد بنينا حديقة، أفضل مزيج من الحرية السياسية والرخاء الاقتصادي والترابط الاجتماعي استطاعت البشرية أن تبنيه، لكن ــ تابعَ ــ بقية العالم ليس حديقة تماما، بقية العالم.. أغلب بقية العالم هو أدغال». كذلك ادلى في 25 أيلو? الماضي بمقولة «ثانية» أشدّ عنصرية وتطرفا قال فيها: إن «الإتحاد الاوروبي بقيَ حيوانا عاشباً وسط الحيوانات المفترسة، لكنه – أضافَ – اضطر إلى الإستيقاظ من سباته, بسبب الحرب الأوكرانية».

رداً على سؤال مفاده: هل تعدُّون استهداف المدارس والمستشفيات ومخيمات الأمم المتحدة ومقتل آلاف المدنيين «جرائم حرب»؟، وهل تؤيدون معاقبة ومحاسبة مرتكبيها في المحاكم الدولية المتخصصة؟.

أجاب بوريل في مراوغة وتواطؤ فظّ:-بالطبع، ("يجب» تقديم الأشخاص المسؤولين عن مذبحة السابع من أكتوبر إلى «محكمة دولية» عن جرائمهم). وهو هنا يتبنّى بوضوح الرواية الصهيونية, لكنه «لا» يتذكر المحكمة الدولية عندما يتعلق الأمر بارتكابات العدو وجرائمه مضيفاً: كما قلت، فقد ("دعونا» السلطات الإسرائيلية مراراً, إلى ممارسة ضبط النفس وتجنب القصف العشوائي للمدنيين. ومع ذلك، أضافَ أنا"لست قاضيا"ً كي أتمكن من التكييف القانوني لـ"الأعمال المُحددة» التي ذكرتموها. علينا أن نرى ما الذي ستقوله «المحاكم").

قضى بوريل انه يجب قيام «محكمة دولية» لمحاكمة المسؤولين عن «مذبحة» السابع من أكتوبر». أما لصالح عشرات الآلاف من الأطفال والنساء الشيوخ من ضحيا النازي الصهيوني, وقصف المشافي وإخلاء المرضى وقطع الماء والكهرباء والوقود والغذاء, فإن المسؤول الأوروبي لا «يتقمص» دور القاضي... فتأملوا.

** إستدراك:

قالت صحيفة «نداء الوطن» اللبنانية أمس/الثلاثاء, انه (يتردّد أن نقاشاً مفتوحاً في برلمان إحدى الدول الأوروبية حول تعديل منح الجنسية، من باب «إلزام طالب الجنسية بالإقرار بحق اسرائيل في الوجود").