كن محايداً في قضايا الوطن ...( كن خائنا )


بعد مقالي السابقين الأخيريننصحنيالبعض بالسكوت، بحجة أن في السكوت سلامة - على حد تعبيرهم -، والسلامة لا يعدلها شيء! ..

فوجدتني أشعر وأنا أراود نفسي على الاستجابة لنصحهم أني لو طاوعتهم لكانت وطنيتي منقوصة .. بل إني أجزم أن الوقوف على الحياد في قضايا الوطن خيانة بامتياز.

فما الذي تتوقعه الدولة من مواطنيها؟!

أيتوقع الأردن -ممثلا بالقيادة الهاشمية- من الأردنيين أن لا يصرحوا بالدعم والنصرة والتأييد لمواقف أبي الحسين عموما وكان آخرها موقفه من حرب غزة ؟!

وتراني أسأل نفسي مكررا: هل الحياد مني ياترى ذكاء؟ أم استهانة بحق الوطن علي؟ أم هو ظلم للنفس؟

من الاستحالة بمكان أن تجد من ملك قلما ولسانا يحسن التعبير عن دواخل القلب واقفا في مواقف القيادة تجاه قضايا الشأن العام على الحياد ! ..

أي حياد هذا الذي نتكلم عنه ونحن أمام تحديد مواقف، وتسمية للأشياء بأسمائها لتصبح الصورة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار!.

هناك من يقول لي: دع عنك السياسة والحديث فيها فإنها تجلب عليك الويلات، وتفتح للمتربصين بابا يصلون من خلاله إلى أذيتك !!

فيا سبحان الله! هل بات الحديث بوضوح وصراحة في مهمات الوطن العامة نصرة له ولقيادته التي نؤمن بسداد رؤيتها وحكمتها « سياسة» ؟ وبالتالي فلا دخل لنا بالسياسة !

إذا كان الأمر هكذا .. فنعمت السياسة ونعم الحديث فيها ! وترك الحديث فيما اسميتموه (بزعمكم) سياسة يقضي بأن نترك المجال لعبث العابثين بشؤون العامة ومصيرهم ..

أنا لا أقول ما أقوله رياء ولا سمعة ولا مزاودة على وطنية أحد، فهذا الوطن يزخر بالرجالات التي نتصاغر أمام هممهم ومواقفهم. وتحية تقدير لسعادة النائب الذي قال لي داعما ومؤيدا: إن للكلام روائح يدرك القاريء من رائحته صدق قائله من كذبه، وإخلاصه من نفاقه.

قناعتي الشخصية أنه وفي زمن الأزمات التي تضرب في عمق الأمن الوطني يكون التزام جانب الحياد خيانة.

والسؤال الملح في هكذا ظروف: هل رضينا عن موقف القيادة الهاشمية تجاه مايحدث في غزة لأنه وافق مانحب وما نريد؟ أم لأننا اعتدنا أن نقف مع مواقف عميد آل هاشم وخلف اختياراته ثقة تامة بما يصنع؟!

الجواب على هذا السؤال يؤسس لأمن وطني في زمن نحن بأمس الحاجة لترسيخه.

أنا لا أتحدث عن الطاعة العمياء التي سيحاول البعض أن يلوي عنق كلامي ويشوهه بهذه التهمة ! بل أتحدث عن إعطاء القوس باريها .. لاثقة بالقوسبقدر ماهو ثقة بقدرة باريها.

ولست أقول بدعا من القول فالفطرة الإنسانية في الميثاق الإلهي تؤكد على مفهوم وجوب الطاعة، والتي هي العمل الجدي المثمر لنبذ العصيان. فالإذعان الفطري يحقق الأمن، ويقيم العدل، ويرد الأمانات.

وما كان إظهار الطاعة للدولة يوماً مثلبة في حق صاحبها .. فعلى مر التاريخ رأينا أن الدولة القوية لطالما دعمت سلطتها السياسيةبالصرامة في المواقف وبوجود الزواجر، فلا تحقق الدولة وجودها بدون قوة، ولا بغير صرامة ينقاد الناس لها، لتنجح بالتالي في حراسة المجتمع وظهور بأسها، وكم من دولة فيما مضى كانت تتعمد ترك المجتمع بدون سلطة دولة، فيرى الناس من بعضهم بعضاً جورا وظلما يدفعهم دفعا للمطالبة بعودة سلطان الدولة وبأسها، حتى أن الفرس كانوا إذا مات فيهم (الشاه) تركوا البلاد والعباد بلا سلطان ولا حكم أياما قلائل، فيسود في الناس النهب والسلب والظلم، فإذا تولى الشاه الجديد الحكم عقب ذلك سادت فرحة عارمة بين الناس.

حتى أولئك الذين يتغنون بمبدأ الشورى في الإسلام فعليهم أن يفهموا أن الشورى والطاعة لصيقان .. بل لا شورى بلا طاعة .. فما دام أن أهل الحل والعقد قد تشاركوا مع القائد في تقرير أمر (ما) فعليهم عقب ذلك السمع والطاعة، فكيف إذا كان تقرير الأمر قد جاء بتصويت الأكثرية! فهنا وجب على الأقلية - كما الأكثرية - أن يظهروا السمع والطاعة حرصا على بقاء أمر (الجماعة).

وهنا نقطة لا بد من توضيحها وهي ضرورة أن نفهم أن الطاعة لا تتعارض أبدا مع الحوار والنقاش ! فالطاعة ليست الاستسلام، بل الإذعان إلى الحق. لكن شتان بين حوار يحفظ فيه المحاور هيبة قائده، وبين غيره من الحوارات التي تفتقر إلى أدنى درجات منطق الحوار. روىابن أبي عاصمفي السنة عنعياض بن غنمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه". حوار فيه تذكير برفق ولطف، وإعلام بما لربما قد غفلوا عنه فلم يبلغهم، وتأليف قلوب الناس لطاعتهم.

إن الطاعة تفاعل بين الحاكم والمحكوم. وهي في الإسلام طريق وسط بين المطيع والمطاع، فلا هي الانقياد الأعمى، والخضوع المذل، ولا هي التعسف والإرهاق للمطيع.

بل وضع الإسلام حددودا دقيقة لمعنى الطاعة حتى يعرف المطيع ما له وما عليه، ويعرف المطاع ما له وما عليه. فالطاعة في الإسلام ليست كما هي في بعض الديانات التي يجهل فيها المطيع أسرار تلك الطاعة، ولا هي طاعة الحكم الفرعوني الذي قال لقومه الذين آمنوا بموسي: " أآمنتم به قبل أن آذن لكم".

الطاعة للقائد الأعلى في الدولة تلتقي فيها غاية الحاكم وغاية المحكوم. مع غطاء هام ومفهوم لدى الجميع:لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

حتى في مذهب سقراط فإن حق الدولة على مواطنها هو الطاعة كونها تحملت تبعات السهر على الجميع، ولها القدرة على حمل الجميع على الطاعة.

تقديم الطاعة من المحكوم والعدالة من الحاكم هو ما يعطي للدولة حق السيادة.