الذكرى الـ 56 لتعريب الجيش
في يوم الخميس الأول من آذار عام 1956 اتخذ المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه قراره التاريخي بتعريب قيادة الجيش وإعفاء الجنرال كلوب من منصبه بالإضافة إلى بقية القيادات الانجليزية..
وقد كان قراراً مفصلياً في حياة الأردن السياسية والعسكرية، وكان المغفور له جلالة الملك الحسين يدرك أبعاد خطوته الخطيرة والجريئة وما سيترتب عليها ولكنه كان مؤمناً واثقاً بنفسه وبمن يعمل معه على صعيد القوات المسلحة.
وقد أمر جلالته بترقية العميد راضي عناب إلى رتبة لواء وتعيينه رئيساً لأركان الجيش العربي وبذلك يكون اللواء عناب أول ضابط عربي أردني يتولى رئاسة أركان الجيش العربي , وألقى المغفور له جلالة الملك الحسين القائد الأعلى كلمة للشعب الأردني أوضح فيها سبب اتخاذه هذا القرار التاريخي الذي رأى أنه لمصلحة الأردن والجيش العربي , وبُث الخطاب عبر الإذاعة الأردنية.
لقد كان قرار المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه القاضي بتعريب قيادة الجيش قراراً هاماً وتاريخياً ومفصلياً في الحياة السياسية والعسكرية في الأردن كما كان قراراً شجاعاً وحكيماً وجريئاً من جلالته , ويعتبر استكمالاً للقرار السيادي العسكري والسياسي في الأردن حيث ترتبت عليه نتائج كبيرة وهامة كان لها تأثيرها على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.
الظروف العسكرية قبيل إتخاذ القرار : تولى جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله سلطاته الدستورية في الثاني من أيار عام 1953، بعد أن نودي به ملكاً على المملكة الأردنية الهاشمية في 11 آب عام 1952، وكان ما يزال طالباً في كلية ساند هيرست العسكرية، ولم يكن قد أكمل السابعة عشرة من عمره بعد في تلك الفترة.
وكانت المملكة الأردنية الهاشمية قد حصلت على استقلالها في وقت غير بعيد، فالوقت ما بين الاستقلال واستلام جلالته سلطاته الدستورية لم يتجاوز السنوات الست , ولكن المملكة الأردنية الهاشمية خلال هذه الفترة كانت قد اجتازت ظروفاً صعبة حيث مرت في منعطفات هامة على الصعيدين العسكري والسياسي، فما أن حصلت على الاستقلال في عام 1946 حتى بدأ الصراع العربي الإسرائيلي ..
وبدأت حرب عام 1948 ، ودخل الجيش العربي الأردني القدس وخاض المعارك على أسوارها ومشارفها وفي أماكن أخرى من الضفة الغربية، وقدم رجاله أرواحهم رخيصة في سبيل الدفاع عن القدس والمقدسات والثرى العربي الفلسطيني، وخضبوا بدمائهم الزكية مختلف روابي الحمى العربي هناك، كما ترتب على حرب 1948 تشريد مليون لاجىء، واستمرت الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الأردنية .
لقد كان الجيش العربي يمر بمراحل التحديث والتطوير بعد أن تم إنشاء كتائب جديدة في بداية الأربعينيات من القرن الماضي ، حيث شاركت هذه الكتائب في حرب عام 1948 مثل كتائب المشاة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وتبع ذلك إنشاء كتائب جديدة هي الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والسرايا المستقلة .
أما على الصعيد السياسي فكان هناك تعديل في القانون الأساسي وفي دستور عام 1947 بناء على المتغيرات السياسية المتمثلة في الاستقلال في عام 1946، وتوحيد الضفتين بعد مؤتمر أريحا عام 1950، وكان آخرها استشهاد المغفور له جلالة الملك عبدالله الأول ابن الحسين في جنبات الأقصى، وهو يتهيأ لأداء صلاة الجمعة في عام 1951 ..
وتبع ذلك وضع دستور جديد للمملكة في زمن المغفور له جلالة الملك طلال طيب الله ثراه، ثم المناداة بالأمير – آنذاك – الحسين بن طلال رحمه الله في 11 آب عام 1952 ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية .
وكان على رأس الهرم القيادي في الجيش العربي الجنرال جون باجوت كلوب (كلوب باشا) كرئيس لأركان الجيش، وكان هناك ضباط انجليز يشغلون مراكز القيادة في مختلف وحدات الميدان (الوحدات والتشكيلات) وبعض الأجهزة ومنها جهاز الاستخبارات ، وفي ذلك الوقت كان جلالة الملك الحسين تلميذا عسكريا في كلية ساند هيرست العسكرية , وكان غير مرتاح للوضع العسكري في الجيش العربي وبخاصة أن على رأس الهرم العسكري قيادة أجنبية متمثلة في الجنرال كلوب والضباط الانجليز، وأسرّ جلالته لبعض الضباط الأردنيين الذين إلتقاهم في لندن بأن طموحه أن يكون هناك ضباط أردنيون يقومون على قيادة الجيش العربي.
الأبعاد العسكرية للقرار : لقد كان للقرار أبعاد سياسية وعسكرية كثيرة، انعكست إيجاباً على الجيش العربي ووحداته وتشكيلاته وعلى إعداده وتجهيزه وقد تمثلت بما يأتي : 1. استكمال القرار السيادي العسكري, حيث شكل إقصاء الجنرال كلوب وتسليم قيادة الجيش إلى ضابط عربي أردني هو اللواء راضي عناب استكمالاً للقرار السيادي العسكري الأردني وبذلك يكون قرار جلالة الملك الحسين بتعريب قيادة الجيش قد استكمل الاستقلال الحقيقي للمملكة الأردنية الهاشمية الذي كان عام 1946، وتلا ذلك إلغاء المعاهدة البريطانية عام 1957 التي كانت تقيد الأردن عسكرياً وسياسياً .
2. التعاون العسكري, حيث تم عقد اتفاقيات للتعاون العسكري المشترك مع الدول العربية الشقيقة مثل مصر وسوريا والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية وتم تقديم معونة سنوية مقدارها 36 مليون دولار بدلاً من المعونة البريطانية ، وذلك بموجب اتفاقية التضامن العربي التي وقعت في مصر في 19 كانون الثاني 1957 .
3. إنهاء الوجود العسكري الأجنبي , شكل قرار جلالته بتعريب قيادة الجيش العربي بداية لنهاية النفوذ البريطاني في الأردن وجلاء الوجود العسكري البريطاني عن الأردن نهائياً.
4. المعاهدة البريطانية , بعد توقيع اتفاقية التضامن العربي في القاهرة، تم إلغاء المعاهدة البريطانية عام 1957 والتي كان لها شقان الأول سياسي والثاني عسكري وتمت تسوية كافة التفصيلات العسكرية ذات العلاقة بين القوات البريطانية والجيش الأردني .
5. الجيش العربي جيش للوطن والأمة , بعد قرار التعريب وحرية القرار العسكري الأردني أصبح الجيش العربي الأردني جيشاً للوطن والأمة ودليل ذلك وقوفه مع الأشقاء العرب في أزماتهم مثل أزمة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ووقوف الأردن عسكرياً إلى جانب مصر الشقيقة، وكذلك مواقفه إلى جانب الأشقاء العرب في كل بقاع الوطن العربي الكبير في المحن والكوارث التي تعرضوا لها ، واستطاع الأردن التعامل مع الأحداث الجسام التي كانت تعصف بالمنطقة وتجاوزها بسلام. 6. تعبئة الموارد البشرية, حيث قام جلالة الملك الحسين بإصدار توجيهاته لتطبيق تجربة فريدة من نوعها عام 1962 بتشكيل معسكرات لطلاب المدارس الثانوية خلال العطل الصيفية بإشراف وزارة الدفاع والتربية والتعليم والداخلية (معسكرات الحسين) وذلك لتدريب الطلاب فيها على الحركات العسكرية واستعمال الأسلحة الخفيفة، وقدمت القوات المسلحة المدربين من الضباط وضباط الصف، واشترك في أول معسكرات أقيمت في 14 / 6 / 1962 (3920) طالباً قسموا على 12 معسكراً .
7 . يمكن القول أن قرار تعريب قيادة الجيش العربي الذي اتخذه جلالة الملك الحسين في الأول من آذار 1956 كان قراراً استراتيجياً على المستويين السياسي والعسكري، وكان جريئاً وهاماً على الصعيدين الوطني والقومي وكذلك الدولي، ونابعاً من فكر جلالة الملك الحسين عليه رحمة الله، ويهدف إلى النهوض بالأمة وقواتها المسلحة وخدمة قضايا الأمة، وقد جنى الجيش العربي ثمار هذا القرار، وتمكن بتوجيهات من جلالة الملك الحسين وإشرافه ومتابعته من الاعتماد على نفسه قبل الوقت الذي حدده القادة الانجليز، وعلى رأسهم الجنرال كلوب بثلاثين عاماً، وتبوأت القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي مكانة عربية ودولية متميزة، وقامت بواجباتها تجاه قضايا أمتها ووطنها، وساندها رجولة وتضحيات أبنائها وحكمة وشجاعة قيادتها .
بترا