"أطفالك كل حياتك" .. مفاهيم خاطئة تحرم الأمهات من الاستمتاع بالحياة وتصيبهن بالاكتئاب

أطفالنا فلذات أكبادنا، وهم أملنا في الحياة، وبدونهم تصبح حياتنا صعبة خاوية بلا هدف، ولكن ذلك لا يعني أن نهمل ذواتنا من أجلهم، لأسباب هامة، يأتي على رأسها حقيقة غالية وهي، أن الأم السعيدة قادرة على تحقيق سعادة أطفالها، وأسرتها ككل، ولذلك يجب على الأم الاهتمام بنفسها باعتبار ذلك أحد أهم الأمور التي تحقق سعادة الأم وسعادة أطفالها، ونجاحهم في كل الأمور.

كما أن اليوم يختلف عن الأمس تمام الاختلاف، وخصوصاً أنه يقع على عاتق الأم العصرية مسؤوليات ضخمة وتتراكم عليها أعباء كثيرة، فهي امرأة عاملة، وأم راعية لأطفالها، وزوجة عليها مسؤوليات لا يمكن الجدال فيها بأي شكل من الأشكال، هي رائدة في البيت والعمل والمجتمع ككل، ولذلك من الضروري أن تستمتع بحياتها في ما تبقى لها من الوقت، حتى تستطيع احداث التوازن الذي يحفظ لها حقوقها أولاً، وبما لا يتعارض مع حقوق الأطفال، والزوج ، والحياة الأسرية، والحياة االعملية.

ليست أنانية

قد تتهم الأم التي تحاول تخصيص وقت لنفسها للاهتمام بها، ورعايتها، ولتحديثها وتطويرها، بالأنانية، لأن البعض يعتقد أنه لا يجب على الأم أن تفكر في نفسها أبداً، بل يجب أن تكون مضحية إلى آخر العمر دون أن تمنح نفسها ما تستحق من رعاية واهتمام، والتسليم بأن راحتها وسلامة نفسيتها هما أول ما يجب أن تضحي به لتكون أماً عظيمة.

ولكن هذا الاتهام ليس له أي أساس من الصحة، لأنه وبحسب الخبراء المعنيين، ليست أنانية أن تنعم الأم ببعض الوقت وحدها، وأن تجد لنفسها مكاناً يليق بها وسط رحلة الحياة المكدسة بالمسؤوليات والعديد من الصراعات، بل هو العدل بمنطق الحقوق والمساواة، وهي الرحمة بمنطق الإنسانية، إذ يجب أن تفكر الأم في نفسها، وأن تهتم بها لتكون بحالة نفسية أفضل، وفي مزاج أحسن يجعلها قادرة على القيام بما عليها من مسؤوليات، واتقانها على أكمل وجه.

مساحة خاصة

يقول الدكتور أحمد بدوي أخصائي الطب النفسي بالقاهرة، أنه يجب أن يكون للأم مساحة خاصة بها، وأن تهتم بنفسها، وأن تخصص وقتاً كافياً للاعتناء بنفسها، وفعل ما يروق لها، لتحقق التوازن المطلوب الذي يجعلها في حالة نفسية أفضل، وأم قادرة على تحقيق سعادتها وسعادة أطفالها وزوجها وسعادة الأسرة ككل، مشدداً على ضرورة تجنب الأمهات لاهمال أنفسهن، تجنباً للإصابة بالحزن والاكتئاب.

يجب أن تعلم الأم أن أطفالها جزء من حياتها وليس كل حياتها
يجب أن تعلم الأم أن أطفالها جزء من حياتها وليس كل حياتها 

مفاهيم خاطئة

ذكر دكتور أحمد بدوي بعض المفاهيم الخاطئة التي تظلم الأمهات وتستنفذ طاقاتهن، وتسبب انهيارهن في كثير من الحالات، وهي مفاهيم يقولها الآخرين للأمهات مستغلين عاطفة الأمومة التي تشكل كيانهن، وطاقة الحب الكبيرة التي تملأ قلوبهن، وتسيطر على عقولهن وأفعالهن حيال أطفالهن.

ومن أكثر المفاهيم الخاطئة التي تقف حائلاً بين الأمهات وبين تحقيق راحتهن، المفاهيم التالية:

أطفالك كل حياتك

وفي هذا الصدد قال دكتور أحمد بدوي أن هذه المقولة تظلم الأم وتحول دون تحقيق، وأن المقولة الأصح هي "أطفالك جزء من حياتك"، لأن ذلك يعني أن للأم حق في حياتها، وأنه يجب أن يكون هناك جزءاً لها هي أيضاً، لتهتم بنفسها، ولتمارس الهواية التي تحبها، ولتسعد بأوقاتها مع صديقاتها، لتتحقق سعادتها، لأن الأم السعيدة قادرة على تحقيق سعادة أطفالها وأسرتها ككل، والأم التي تتمتع بصحة نفسية جيدة، ينعم أطفالها بنفسية سليمة تعزز من استقرارهم النفسي، وتزيد من ثقتهم بأنفسهم.،

وقال دكتور أحمد بدوي أن مقولة"أطفالك كل حياتك" ليست صحيحة، لأنها تخالف الواقع، فما إن يبدأ الطفل في النمو ويصل إلى مرحلة عمرية يكبر إلا ويبدأ انفصاله تدريجياً عن الأم، إذ يصبح له أصدقاء كثر، ويصبح له روتينه الخاص الذي اعتاد عليه، ويحرص على عدم تغييره مهما حدث، وهنا تكمن الخطورة، إذ تجد الأم نفسها فريسة للوحدة والتفكير السلبي، وهذا هو أسوأ شعار تشعر به الأم.

 مفاهيم أخرى

ولا تنتهي المفاهيم الخاطئة التي تظلم الأم عند هذا الحد بل توجد العديد من المفاهيم الأخرى التي تحول دون راحتها، وتسبب لها التعرض لهزات نفسية عميقة لا تضر بها هي فقط، بل يصل ضررها إلى أطفالها والأسرة ككل، ومن هذه المفاهيم: أن الأم يجب أن تضحي للأبد حتى لو كانت التضحية على حساب راحتها وسعادتها، ومنها أيضاً مفهوم الأم الخارقة القادرة على فعل كل شيء، لأنه يصيب بالأم بالخيبة عند انعدام قدرتها على فعل كل ما يريده أطفالها منها، ومفهوم التضحية العمياء التي تكون في أغلب الأحيان على حساب الأم ونفسيتها.

يجب على الأم أن تحد وقتاً لنفسها بعيداً عن تربية الأطفال وبعيدا عن الانغماس في العمل حتى يمكنها تربيتهم تربية سليمة
يجب على الأم أن تحد وقتاً لنفسها بعيداً عن تربية الأطفال وبعيدا عن الانغماس في العمل حتى يمكنها تربيتهم تربية سليمة نفسياً

نصائح فعالة للأم لتحقيق التوازن بين نفسها وبين أمومتها

لتعزيز صحة الأم النفسية، وبحسب ما قاله الدكتور أحمد بدوي عن مفهوم " أطفالك كل حياتك"، ووفقاً لتوجيهاته في هذا الصدد، يجب على كل أم القيام بما يلي:

الاهتمام بنفسها

يجب أن تهتم كل أم بنفسها، وأن تعمل على اشباع احتياجاتها، كما يجب عليها الاهتمام بمظهرها أيضاً، لتتحسن حالتها النفسية ومن ثم زيادة قدرتها على القيام بما عليها من مسؤوليات وأعباء تجاه أطفالها، لأنها هي الداعم الأساسي لأطفالها ولأسرتها ككل، ونجاحها في دعم نفسها، سيؤدي إلى نجاحها في دعم أطفالها وزوجها أيضاً.

ممارسة الهوايات

يجب على كل أم أن تمارس الهواية التي تحبها، وأن تسعد بممارستها، لأن في ذلك تخفيف لما تشعر به من أعباء، وخصوصاً في ظل التحديات الضخمة التي تجدها الأم المعاصرة خلال رحلة التربية، كما أن ممارسة الأم للهواية التي تحبها يخفف من الضغط النفسي الواقع عليها، ويساهم في تحسين حالتها النفسية، ما يساهم في تعزيز نفسية الأبناء أيضاً.

 

يجب أن تهتم الأم بنفسها وبتثقيفها وأن تجد لنفسها وقتاً خاص بها هي فقط لأن ذلك يمنحها الشعور بالسعادة
يجب أن تهتم الأم بنفسها وبتثقيفها وأن تجد لنفسها وقتاً خاص بها هي فقط لأن ذلك يمنحها الشعور بالسعادة

تطوير الذات

تطوير الذات لا يقف عند عمر معين، ولذلك يجب على كل أم أن تهتم بتطوير ذاتها من خلال تقيف نفسها ذاتياً، وتقديم الدعم اللازم لها، وتعلم كل ما يحقق ارتقائها بنفسها، لأن كل تطور للأم، تستفيد منه هي في حياتها، ويستفيد منه أطفالها ورب الأسرة أيضاً، كما أن تطوير الأم لذاتها يجعل أطفالها يفتخرون بها أمام الجميع، فضلاً عن المنافع الجمة التي تعود عليها وعلى أطفالها بفعل ذلك.

التفكير بايجابية

يجب على الأم التفكير بايجابية، والتفاؤل والنظر إلى الجميل في الأشياء، واهمال الأمور السلبية فيها، لأن التركيز على الايجابيات يمحي أثر السلبيات، كما أن التفكير بايجابية يحقق فوائد عديدة من أهمها، إحداث تغيرات جذرية وإيجابية في شعور الأم والمحيطين وأطفالها وأسرتها ككل، كما أن ذلك ينعكس بقوة على مستويات أدائهم وصحتهم بشكل أفضل، ويحقق لهم مستويات عالية من النجاح، ويجعلهم يعيشون الحياة بسعادة.

عدم المبالغة في التضحية

المبالغة في التضحية تستنفذ طاقة الأم، كما أن التضحية تعني إيثار الآخرين على النفس، واستمرار الأم في المبالغة في التضحية يتسبب في خسارتها لنفسها، ومن بعدها خسارة أطفالها، وأسرتها ككل، لأنها هي الداعم الأساسي للأطفال والأسرة، فإذا وقعت الأم وقعت الأسرة كلها، لذا يجب على الأم احداث التوازن في التضحية وفي العطاء، وتجنب تربية أطفالها على اعتمادهم عليها في كل صغيرة وكبيرة، وكذلك لتجنب اعتمادهم على تضحياتها.

وأخيراً، يجب على كل أم رعاية نفسها رعاية تليق بقدرها، والاهتمام بتطوير ذاتها، وأن توازن بين اهتمامها بأطفالها واهتمامها بنفسها وبكل من هم في رعايتها، حتى تصل بعائلتها إلى بر السلامة حيث الأمان والاستقرار.

والآن .. يُسعدنا غاليتي أن تشاركينا الرأي .. برأيك ما هي المفاهيم والمعتقدات التي تحرم الأم من حقوقها وتظلمها، وكيف تتعامل معها؟