السكري وفلسفة الكروشة

أمس وبمناسبة اليوم العالمي لمرض السكري؛ تذكرنا ما يردده دائماً صديقنا الدكتور كامل العجلوني مدير المركز الوطني للسكري والغدد الصم، أنت مصاب بالسكري ما لم يثبت العكس. أنت حلو أو مرشح أن تكون حلواً إن كان محيط خصرك أكثر من 100 سم، ولهذا (خلّي) المتر في جيبك.


للأسف نحن من أكثر دول العالم إصابة بهذا الداء، ونحن بتنا نجنح نحو البدانة، حسب ما ترصده بعض الدراسات. ففي زمننا الكسول الأكول، هل حاول الواحد منا أن يحصي عدد الحركات التي نقوم بها إذا ما وصلنا البيوت. إنها لن تتجاوز الثلاث: نأكل بنهم محارب، نتمدد على الأريكة نقلِّب الفضائيات حتى آخر وشة أو رمشة، ثم نجرجر أجسادنا إلى الفراش.

السيارة صارت حذائنا الذي ننتعله طوال الوقت، ولا نخلعه حتى في مشوار نحو البقالة أو المطعم للعودة بربطة خبز وصحن حمص. الريموت لا يفارقنا: للتلفاز ريموت، وللمروحة، وللمكنسة، وللمسجل، للثلاجة، حتى أن أحد التنابل تمنى ذات تراخ لو أن الزوجات الرائعات يتحركن بالريموت، لكن على الصامت.
وبعد هذا، ألا تريدون إن تنتفخ أجسادنا؟ ألا تريدون لكروشنا أن تؤول للانقضاض اندلاقاً وتفلطحاً على عتبات خصورنا. ونحن منا ما زالوا نؤمن أن (أكل الرجال على قدر أفعالها)، وبما أننا أصحاب أفعال وصنائع ينبغي لنا أن نزدرد أكوام طعام لنربي الكرش ونكوره تكويرا يليق بدب يتهيأ للسبات.
أحد البدناء الظرفاء يفسر ويفلسف السُمنة أو (أو الكروشة) بمنظور آخر، فهو يعتقد أن الإنسان لا يزداد وزنه، ولا يتفلطح كرشه، إلا ليثّبّت نفسه بهذه المرساة البرية فوق الأرض. فكما تزداد الدوائر المتداخلة في جذع الشجرة مع تقدمها في العمر، تتراكم وتتراص طيات الشحم في جذع الإنسان ليرسخ أكثر. فهل ينجح؟.
في عرف الطب ثمة مربع قاتل، أي أربعة أمراض تحاصر إنسان العولمة: ضغط الدم، والسكري، وزيادة الكوليسترول، ورابعة الأثافي هذا الكرش المحمول بطناً لبطن، وإذا كان كثير من الناس يرونه وجاهة وجعصة، فليس ما هو أجمل من ربطة العنق حينما تنبعج فوق هذا المنحدر متناسين، أنه ليس إلا قنبلة الدهنية تتركنا قاب جلطتين أو أدنى.
للمرض تاريخ موغل في القدم، وفي حصد العيون (التسبّب بالعمى) وأصحابها، حتى أن الفرعون رمسيس الثاني، وتحتمس الرابع وجميلة الجميلات الفرعونة نفرتيتي، كلهم كانوا من الحلوين المبتلين بهذا الداء الذي كان يسمى (عطش النساء). وما زلت أتعجب من هذه التسمية الجندرية المنحازة.