"الحل النهائي" للمشكلة الفلسطينية: منظور فلسطيني (2)..!

هناك ثلاثة حلول "نهائية" يمكن التحدث عنها للمشكلة الفلسطينية، تختلف باختلاف المنظور: الحل الصهيوني؛ الحل العربي والدولي؛ والحل الفلسطيني.
عندما يتعلق الأمر بالحل الصهيوني، فإنه مُعطى حتمي، مشروط بالطبيعة الهيكلية للاستعمار الاستيطاني: إخراج الشعب الفلسطيني من التاريخ، ويفضل أن يكون ذلك جسديًا بالإبادة الجماعية في المقام الأول، وإذا تعذر ذلك فجغرافيًا بالتطهير العرقي والتهجير القسري، وثقافيًا بطمس تاريخ وعلامات الهوية الفلسطينية بلا هوادة. ويستخدم المشروع الصهيوني كل أداة ممكنة لإنهاء الوجود الفلسطيني بكل هذه الطرق.

 

بطبيعة الحال، يعرف الذين أشرفوا على نشوء الكيان والذين يديمونه الآن هذا الشرط الوجودي. ولذلك ليس هناك أي حرص حقيقي لدى الغرب على بقاء الشعب الفلسطيني، بينما يمنح رخصة دائمة للكيان الصهيوني بإنجاز مشروعه، حتى لو انتهك كل قاعدة يُزعم أنها ملزمة لبقية العالم. وينبع هذا الحرص على بقاء الكيان من شيئين.
تاريخيًا، كان ما يُدعى "معاداة السامية" وما يزال صناعة أوروبية بامتياز، ويتم الآن التلاعب بتعريفاته على عادة الغرب في تأويل وإعادة تأويل المفاهيم حسب مقتضى الحال. والأدبيات مليئة بالسرديات عن الكراهية المتعصبة والعنصرية التي لطالما كنتها أوروبا لليهود. ويصف يوسف منيّر في مقال حديث المناخات التي صاحبت صدور "وعد بلفور" الشائن الذين "حل" المشكلة اليهودية، كما تصور الغرب:
"كانت أوائل القرن العشرين وقتًا كافحت فيه الدول الغربية الليبرالية مع التحدي المتمثل في دمج المواطنين اليهود. وكان ما قدمه الصهاينة لبلفور حلاً للتحديات التي شكلها المواطنون اليهود على رؤيته العرقية القومية... بدلاً من الإصرار على أن تقبل المجتمعات الغربية جميع المواطنين على قدم المساواة، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية، قدمت الحركة الصهيونية إجابة مختلفة: الانفصال".‏
"رأى بلفور في الصهيونية نعمة- ليس لليهود فقط، وإنما للغرب أيضًا. وكما ‏‏كتب‏‏ في العام 1919 في مقدمته لكتاب ناحوم سوكولو "تاريخ الصهيونية"، فإن الحركة الصهيونية "ستخفف من البؤس طويل الأمد الذي خلقه للحضارة الغربية وجود جسم في وسطها اعتبرته لفترة طويلة غريبًا- وحتى معاديًا- لكنها لم تكن قادرة على طرده أو استيعابه".‏
عنى الحل الصهيوني لـ"المشكلة اليهودية" في أوروبا عن طريق تهجير اليهود إلى فلسطين ونشوء الكيان عمليًا خلق "المشكلة الفلسطينية". وبالحكم من سكوت أوروبا وأميركا– والمجتمع الدولي- والعرب، إذا كان ذلك يهم، على ما يفعله الكيان منذ نشوئه وحتى الآن، يبدو أن هؤلاء جميعًا وضعوا مسألة "حل المشكلة الفلسطينية" في عهدة الكيان. وإذا كان ثمة شيء، فاقتراحات لحلول يرفضها الكيان، ترافقها في أفضل الأحوال انتقادات أو بيانات أو استنكار، أو حتى إدانة وشجب لا يلقي لها الكيان بالًا. وكما يحدُث، يعكف الكيان الصهيوني على تنفيذ حله الذي لا يوقفه عمليًا سوى عناد الشعب الفلسطيني وإصراره على خوض صراعه حتى النفس الأخير.
ومن "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" إلى مجازر غزة والتهجير القسري المخطط لبقية الفلسطينيين في فلسطين، كان السياق هو التحقيق الواقعي لفكرة "أرض بلا شعب". بل وتؤكد مذابح "صبرا وشاتيلا" في لبنان التي أشرف عليها الكيان أنه يريد أن يستغل كل فرصة لإبادة فلسطينيي الشتات، جسديًا، حيث أمكن أيضًا.
يلخص الصحفي البارز كريس هيدجز، تحت عنوان "حل إسرائيل للفلسطينيين"، الكيفيات التي ينفذ بها الكيان حله، فيكتب: "من الخطأ الجسيم ألا نأخذ على محمل الجد الدعوات الملطخة بالدماء إلى القضاء الشامل والمبرم على الفلسطينيين وتطهيرهم عرقيًا. وليس هذا الخطاب صيغة مبالغة. إنه وصفة حرفية. وقد وصف نتنياهو في تغريدة، تمت إزالتها لاحقًا، المعركة مع "حماس" بأنها "صراع بين أبناء النور وأبناء الظلام؛ بين الإنسانية وشريعة الغاب".
"لقد بدأ هؤلاء المتعصبون اليهود نسختهم من الحل النهائي للمشكلة الفلسطينية. ‏‏وقد أسقطوا‏‏ 12 ألف طن من المتفجرات على غزة في الأسبوعين الأولين من الهجوم ‏من أجل ‏محو‏‏ ما لا يقل عن 45 في المائة من الوحدات السكنية في غزة، ‏‏وفقًا‏‏ لمكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة. وليس لديهم ‏‏أي نية‏‏ لأن يحرفهم أحد عن تحقيق هدفهم، حتى واشنطن نفسها.‏
"إنها خطوة قصيرة فقط تبقت للسيطرة الإسرائيلية الكاملة على الأراضي الفلسطينية. (...) والهدف هو إسرائيل "نقية"، مطهّرة من الملوثات الفلسطينية. سوف تصبح غزة أرضًا يبابًا. سوف يُقتل الفلسطينيون في غزة أو يُجبرون على العيش في مخيمات اللاجئين عبر الحدود في مصر. ‏وغزة هي البداية. والضفة الغربية هي ‏‏التالية"‏‏. (انتهى الاقتباس)
هذا "الحل" -ربما لحسن حظ الفلسطينيين، وعلى الأغلب بفضل إرادتهم وليس الحظ- فشل في أن يصبح ناجزًا، وما يزال مناجزة فرصته في منافسة الحلّين الآخرَين "النهائيين": الحل العربي/ الدولي؛ والحل الفلسطيني.
(يُتبع)