الرئيس الأوكراني يلغي الانتخابات ويقول "إن الوقت ليس لمسرحية تنتظرها روسيا"

كانت المؤسسات الأوكرانية على وشك التأهب لاستقبال ما سيعلنه الرئيس الأوكراني حول موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة في وقت فاجأهم فيه فولوديمير زيلينسكي بإعلانه حول أنه لا مجال اليوم لإجراء الاستحقاق

كان زيلينسكي قد أكد في حديثه اليومي إلى مواطنيه أن "الوقت ليس ملائماً لإجراء انتخابات" في خضم جدل بين القيادات الأوكرانية حول احتمالات إجراء الاستحقاق الرئاسي المقرر العام المقبل. وقال "علينا أن نقرر أن الوقت هو للدفاع، للمعركة التي يتوقف عليها مصير الدولة والشعب، وليس لمسرحية تنتظرها روسيا من دون سواها من أوكرانيا". وأضاف أن "روسيا لو لم تبدأ حربها في فبراير (شباط) 2022، لكانت الانتخابات التشريعية قد جرت في أوكرانيا في أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام، وأعقبتها الانتخابات الرئاسية في مارس (آذار) 2024. أعتقد أن الوقت ليس ملائماً لإجراء انتخابات"، مؤكداً "علينا أن نتوحد لا أن ننقسم أو نتفرق بين خلافات أو أولويات أخرى"

طريق مسدود

جاء هذا الإعلان في أعقاب نشر مجلة "إيكونوميست" البريطانية لمقال كتبه الجنرال فاليري زالوجني القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية انتقد فيه سياسات زيلينسكي بقوله إن أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود وأنه لا يأمل في تحقيق انفراجة على رغم أن القوات الأوكرانية، وبحسب تقديرات حلفائهم في حلف الناتو، كان ينبغي أن تخوض حرباً في شبه جزيرة القرم"

سارع مكتب زيلينسكي بالتعليق على تصريحات زالوجني على لسان نائب مدير المكتب إيغور جوفكفا بقوله إنه "تم التوصل إلى طريق مسدود وأنه لو كان مكان العسكريين فإن آخر شيء يمكن أن يفعله هو التعليق للصحافة وللجمهور بحقيقة الأوضاع على الجبهة، وعن الخيارات في المعارك". وأضاف أن تصريحات زالوجني أثارت الذعر في نفوس الشركاء الغربيين، وأن مقالته طرحت كثيراً من التساؤلات لدى المواطنين الأوكرانيين أيضاً

وكان زالوجني قد اعترف في مقالته بفشل الهجوم المضاد الأوكراني، وبأن قواته لم تتمكن من تحقيق أي اختراق حقيقي في الجبهة، وبأن كل الحسابات كانت خاطئة. وقال أيضاً "وصلنا إلى طريق مسدود في مستوى التكنولوجيا، على الأرجح لن يكون هناك اختراق عميق من جانب قواتنا. ووفقاً للناتو فإن أربعة أشهر كانت كافية للوصول إلى القرم، والقتال هناك والعودة، ومن ثم الدخول والخروج مرة أخرى. لكي نخرج من هذا المأزق، نحتاج إلى شيء جديد. الخطر الأكبر في حرب الاستنزاف هو أنها قد تستمر لسنوات وتؤدي إلى إنهاك الدولة الأوكرانية"

مخاوف زيلينسكي

ثمة شواهد كثيرة تشير إلى أن الرئيس الأوكراني يخشى إجراء الانتخابات في موعدها، ولذا فقد تعلل بالحرب، مؤكداً أنه يعتبر إجراء الانتخابات في زمن الحرب "إجراءً غير مسؤول"

وقال زيلينسكي "نحن جميعاً نفهم أنه في زمن الحرب، وعندما يكون هناك عديد من التحديات، فمن غير المسؤولية على الإطلاق أن نطرح موضوع الانتخابات على المجتمع بطريقة تافهة أو هزلية"، ليخلص إلى القول "أعتقد أن الانتخابات الآن في غير وقتها". وكان قد أشار من قبل وفي محاولة لتبرير ما يقوله، وكي لا يتهم بأنه يحاول الاحتفاظ بالسلطة، إلى أنه بشكل عام كانت هناك فرصة لتنظيم الانتخابات، لكن مع عدد من الشروط: تغييرات في التشريعات، وشرائح مالية جديدة من الغرب، فضلاً عن البحث عن مراقبين يوافقون على العمل في الخنادق"

وكانت الأقلام الأوكرانية قد شرعت في تناول هذه القضية، بما في ذلك الخوض في الإدلاء بالآراء في الترشيحات، ومن هذه الآراء ما قاله المحلل السياسي روسلان بورتنيك حول احتمالات عدم فوز زيلينسكي، في وقت يبدو فيه المنافس الرئيس الذي يشكل خطراً جسيماً، أقرب من أي شيء آخر

وخلص بورتنيك إلى القول إن فوز هذا المنافس يبدو ممكناً في ظل الأجواء السياسية السائدة اليوم في أوكرانيا. وكان الحديث قد تناثر في الساحة عن الاسم الذي من الممكن أن يميل إليه الناخبون في أوكرانيا اليوم

وتناول المحلل السياسي احتمالات وفرص القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية زيلينسكي، أمام القائد العام الجنرال زالوجني في حال وافقت كييف على مفاوضات السلام مع موسكو

وأضاف بورتنيك "سأقول ما قد يثير بعض القلق، وهو أن الجيش الأوكراني والجنرالات المحترمين فقط هم من يمكنهم إبرام أي اتفاق حتى يتعارض مع مصالح بعض الأقليات المتطرفة. وبهذا المعنى فإن السياسيين مقيدون بوعودهم وأصواتهم واتهاماتهم المحتملة. إنه من الصعب إلقاء اللوم على أبطال الحرب، ليخلص إلى القول "إنه إذا قرر أبطال الحرب إبرام نوع من الاتفاق فلن يتمكن أحد من مقاومتهم بشكل جدي"

اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت الأنباء حول الوضع الكارثي للجنود الأوكرانيين في الجبهة تناثرت هنا وهناك، حتى الحد التي فقد معه القوميون الثقة في النصر. وثمة من يقول إن الولايات المتحدة تعرف ذلك بالفعل. وينقلون عن رجل أعمال ألماني فنلندي في مجال "دوت كوم" ما كتبه حول أن الولايات المتحدة تدرك جيداً أن الرئيس الأوكراني لن يتمكن من إعادة انتخابه، لذلك فإنها تغض الطرف عن انتهاك الأسس الديمقراطية من قبل سلطات كييف

وكشف بورتنيك عن اعتقاده أن زيلينسكي سيلغي إجراء الانتخابات، وهو ما أشار إليه بقوله "إنه لا مجال الآن لإجراء الانتخابات، وأن وقت انتخاب رئيس الدولة لم يحن بعد". ومن الطبيعي أن تبدو الصورة على النحو الذي يقوم فيه رئيس أوكرانيا، الذي تنتهي صلاحياته الدستورية في الربيع المقبل، وببساطة بإلغاء الانتخابات، ويعود في حديث المساء إلى إعلان أن الانتخابات "ضارة" لأوكرانيا لأنها لن تفيد سوى روسيا، على حد قوله، وذلك أمر يميط اللثام عن الحقيقة التي تقول مفرداتها إن مواقع الرئيس الأوكراني قد اهتزت كثيراً، وإن رصيده يوشك على النفاد في وقت صارت فيه وقائع الداخل الأوكراني أكثر وضوحاً أمام كل مراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة

مصرع مساعد زالوجني

في وقت أعلن فيه زيلينسكي عن المحاذير التي تحيط باحتمالات إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها دوى انفجار "غير عادي" في ضواحي العاصمة كييف

وتواردت الأنباء حول "تفجير" الرائد جينادي تشاستياكوف المساعد الشخصي وصديق القائد العام الجنرال زالوجني. وما إن ذاع هذا الخبر، حتى اندلعت "حرب الروايات" بين فريقي زيلينسكي وزالوجني. فمن قائل من الشرطة المحسوبة على زيلينسكي إن الحادثة وقعت نتيجة التعامل مع الذخيرة بإهمال"، إلى بيان صدر عن الجنرال زالوجني أنه نتيجة "انفجار عبوة ناسفة مجهولة زرعت في إحدى الهدايا"، على غرار الانفجار الذي جرى تنفيذه في سانت بطرسبورغ ضد المدون الروسي فلادلين تاتارسكي. وهو تشابه يبدو، وكأنه دليل اتهام، بحسب ما قالت صحيفة "غارديان" البريطانية

بدأت وسائل الإعلام الأوكرانية، المعروفة بموالاتها لزيلينسكي، في دحض هذه الرواية بالذات، معلنة أن تشاستياكوف توفي "نتيجة حادثة، باحتمال 99.9 في المئة"، لكن قناة الرئيس السابق بيترو بوروشينكو، الذي يختبر بالفعل فرصه الانتخابية تدريجاً، لا تزال تصر على رواية زالوجني، ولذا فليس من قبيل الصدفة أن تعكف وسائل الإعلام الغربية على تناول الحادثة مقرونة بالحرب المتصاعدة بين زيلينسكي وزالوجني من موقعيهما كمتنافسين سياسيين

وثمة من ربط ذلك بالمقالة التي نشرها الجنرال زالوجني في صحيفة "إيكونوميست" البريطانية بما تضمنته من نقد حاد إلى زيلينسكي، وهو ما أشارت إليه أيضاً صحيفة "واشنطن بوست". ومن هنا فإنه يصبح من المشكوك فيه أن يرغب أي شخص في أوكرانيا في معرفة الحقيقة حول ظروف وفاة الرائد تشاستياكوف. ففي ظروف المنافسة السياسية بين زيلينسكي وزالوجني، وبعد أن تجاوزت الاتهامات والحملات الكلامية حدود التبعية الإدارية بين الحاكم والمحكوم، لا أحد يحتاج إلى الحقيقة

ذلك يقول إن ما يدور بين أروقة العاصمة كييف من جدل يتصاعد يوماً بعد يوم، وزاد من حدته الضجيج الناجم عن الانفجار الذي أودي بحياة المساعد الشخصي للجنرال زالوجني المنافس الرئيس لزيلينسكي، لا بد من أن يطرح مزيداً من التساؤلات حول مستقبل زيلينسكي، الذي كلما اقترب تاريخ انتهاء صلاحياته الدستورية، زادت الأسئلة حول وضعه من جانب "أصدقائه" في الدوائر الغربية، ومن جنرالات القوات المسلحة ممن كانوا غير راضين عنه بشكل واضح في الآونة الأخيرة

صراع الجنرالات

ننقل عن "ريا نوفوستي" ما كتبته حول أن الرئيس الأوكراني فتح جبهة ثانية بما شنه من هجوم ضد جنرالاته من القادة العسكريين. وأشارت الوكالة إلى ما كتبته صحيفة "آسيا تايمز" حول أن زيلينسكي "في حالة حرب" مع جنرالاته، "لقد وبخ قائد الجيش فاليري زالوجني، الذي قال لصحيفة "إيكونوميست" الأسبوع الماضي إنه "من المحتمل ألا يكون هناك انفراج"

حتى صحيفة "نيويورك تايمز" كتبت عن الخلاف بين زيلينسكي وجنرالاته، وبحسب كاتب المقال ستيفان بريان فإن الرئيس الأوكراني لن يتمكن من الحصول على أسلحة جديدة وشرائح نقدية منتظمة من الغرب، "معلناً" عن الجمود في الجبهة، كما أن التصريحات الغامضة على رأس الحكومة لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع

وبحسب ستيفان برايان فإن أمام زيلينسكي طريقتين فقط لحل المشكلات الحالية: إما التراجع عن المسار الذي يواصل الالتزام به، أو انتظار ما لا مفر منه

وكانت "نوفوستي" أوردت ما أعربت عنه صحيفة "فايننشال تايمز" من شكوك في تصريح زيلينسكي حول أن الوضع على الجبهة لم يصل إلى طريق مسدود. وأشار إلى أن روسيا أصبحت أقوى، وفي العام المقبل ستزداد الفجوة بينها وبين أوكرانيا، ولا سيما فيما يتعلق بالأسلحة

وبحسب كاتب المقال، فإن كييف بدورها لا تزال تعتمد على دعم الغرب، حيث لم تتمكن من زيادة الإنتاج العسكري بشكل كافٍ. وعلاوة على ذلك، فإن رئيس الاستخبارات الأوكرانية، كيريل بودانوف، يشكل تهديداً حقيقياً لزيلينسكي، "فقد يقود مؤامرة من الجنرالات ضد الرئيس من أجل تحقيق السلام مع روسيا"، بحسب ما قال وكيل وزارة الدفاع المساعد السابق ستيفن بريان في مدونته الخاصة بالأسلحة والاستراتيجية

وبحسب ستيفان برايان يمكن للمتآمرين إجبار الرئيس على الدخول في مفاوضات سلام مع روسيا أو استبدال شخص آخر به، فهل تتحقق النبوءة؟