الغرب يغرس جذورًا للحروب القادمة: صراع حضارات حذر منه الصفدي


اخبار البلد-
في أعقاب انتهاء الحرب الباردة بانتصار المعسكر الليبرالي الغربي على خصمه الشيوعي الشرقي كتب فوكوياما مقالته الشهيرة: نهاية التاريخ والإنسان الأخير؛ حيث تنبأ فيها بأن نظم دول العالم كافة ستكون ليبرالية علمانية رأسمالية دون منافس، وعلى إثرها كتب استاذه صمويل هنتجتون مقالته الأشهر: صراع الحضارات عام 1993؛ وطرح خلالها فكرته بأن الصراعات القادمة لن تكون بين نظم، بل بين حضارات متباينة ذات سمات وقيم وثقافات مختلفة، وطرح فيها مقاربته بأن الصراع القادم الأرجح سيكون بين الحضارة الغربية ذات القيم العلمانية، وبين الحضارة العربية الإسلامية على امتداد العالم.

    وبعد ثلاثين سنة من هذه الطروحات، ورغم كل الحروب والأحداث التي سعت من خلالها المنظومة الغربية خلال العقود الثلاثة المنصرمة بإظهار هذا الصراع أنه حرب العالم المتمدن الراقي والأخلاقي ضد العالم الهمجي الذي تجسده المنظمات الإسلامية الإرهابية، رغم ذلك؛ فإن غالبية النظم الحاكمة في الدول ذات الأغلبية السكانية المسلمة قد سقطت في براثن الخديعة الغربية، حيث كانوا من حيث يعلمون أو لا يعلمون يحاربون مع الغرب ضد حضارتهم، ولم تبدِ تلك النظم أية مساعٍ حقيقية جادة لتفهّم دوافع الكفاح المسلّح للمنظمات الإسلامية، بل إنها كانت تخشى مجرد السعي لفتح قنوات للتواصل معها.

    وها نحن اليوم نقف بدهشة وذهول إزاء هذا التكشف المقيت لوجه الحضارة الغربية القميء في تعاطيها مع حرب الكيان الصهيوني ضد إنسانية غزة ونسائها وأطفالها الأبرياء، حيث مكثنا مخدوعين خلال سنوات طوال نعتقد بأن الغرب سينتفض لأي مشهد تنتهك فيه القيم الإنسانية والعدالة والسلام، وأن هنالك حدوداً فاصلة واضحة بين حروب الجيوش وبين حروب الجيوش ضد المدنيين الأبرياء العزل من كل شيء سوى من السماء.

    ومحصلة ما يجري اليوم هو بكل اختصار أن الغرب فقط سقطت أقنعته التي خدع من خلالها نظم الدول العربية والإسلامية، وأنه أصبح أكثر وضوحاً وانسجاماً مع ذاته وحقيقته، وهو بهذه المواقف المخزية اليوم لا تنقصه المعرفة والمعلومة بأن الحرب على غزة هي حرب إبادة ضد أبرياء محاصرين منذ خمس وسبعين سنة من الضنك والعوز والشقاء، ورغم ذلك فقد اختار بكل تعمد وإدراك وإصرار بأن ينحاز لآلة البطش والدمار التي قام هو بصناعتها ودعم وجودها وبقائها.

    وإن الغرب بهذه المواقف يقوم بغرس بذورٍ للحروب القادمة في قلوب ووعي ووجدان وإدراك كل أبناء الحضارة العربية الإسلامية، وتلك الحروب لن تكون مساحتها الأرض العربية فقط، بل إنها ستمتد كثيراً لتصل عواصم الغرب وحواضر حضارته، لأنهم بكل تجلٍ ووضح قد غرسوا بجيل كامل غراس الحقد والكراهية التي سيجني الغرب ثمارها بعد حين بلا أدنى شك؛ وأحسب وزير خارجيتنا الصفدي قد قصد ذلك حين حذر الغرب من انحيازه المشين لإسرائيل.

    وعلى مفكري العرب وصنّاع وعيهم ووجدانهم بأن يبذلوا جهودهم الحقيقية الصادقة لصياغة طرح حضاري عربي يتخلى من خلاله العربي عن صورته التي تم اعتمادها له عبر العقود بأنه الغبي الغافل الساذج الغارق في شهواته والمنهوبة ثرواته؛ في حين تحاك ضده أشراك المكائد والخدع والمؤامرات، مثلما يجب أيضاً أن تستيقظ النخب والنظم الحاكمة قبل فوات الأوان لحقيقة مآلها إن استمرت على نهجها العتيق بتسبيل العيون ومنح الابتسامات لمن يحتقرها ويستخف بوعيها وينتهك حرماتها ويهدر دماء أبنائها بكل سادية وفتور.