مركز القدس: 87 انتهاكا للحريات الصحفية بالأردن في 2011 تضمنت اعتداءات مختلفة


اخبار البلد-غادة الشيخ-عمان - كشف تقرير لمرصد الإعلام الأردني بمركز القدس للدراسات السياسية اصدره امس، أن عدد الانتهاكات للحريات الصحافية في الأردن العام الماضي وصل الى نحو 87، تضمنت مختلف صنوف الانتهاكات.
وربط التقرير بين زيادة الانتهاكات وحدتها واندلاع الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح في البلاد، اذ ارتفعت وتيرة تغطيته الإعلامية، ورافقه ارتفاع لسقف حرية الصحافة، وتخط لخطوط حمراء كانت تفرض على وسائل الإعلام، أو هي فرضتها على نفسها عبر ما يطلق عليه بـ"الاحتواء الناعم" والرقابة الذاتية.
واكد وجود علاقة طردية قوية بين الزيادة في الانتهاكات ومسيرة الحراك الشعبي الإصلاحي.
وبين التقرير أن الانتهاكات شملت أنواعا وتصنيفات مختلفة، وشملت الاعتداءات  الجسدية والتهديدات النفسية واغتيال الشخصية والضرب، والتهديد بالقتل والتخويف والحرق وتخريب الممتلكات الخاصة والمقار الصحفية وتكسير الكاميرات ومصادرة أفلام، وخطف وتحذير والتشهير على الهواء، وحملات تحريض وغيرها.
وبلغ عدد الانتهاكات الاخيرة 45 وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الإعلام بالأردن، لتأتي بعدها "التدخلات والضغوطات الحكومية والأمنية"، وعددها 13 انتهاكا، تلاها "المنع من النشر والتداول" وسجلت 10 انتهاكات، وكان هذان النوعان، الأكثر شيوعا خلال العقود الماضية في الساحة الإعلامية، لعدم استقلالية الإعلام.
أما حالات الفصل التعسفي والضغوط الإدارية، فبلغ عددها وفق التقرير 7 انتهاكات، اذ تعتبر حالات الفصل التعسفي نادرة في الأوساط الإعلامية، لكن الشهرين الأخيرين في العام الماضي سجلا وقوع مثل هذه الحالات، وفق ما حدث مع رئيس تحرير صحيفة الرأي نتيجة الضغوط الحكومية، ومع ثلاثة من كبار مسؤولي التحرير في صحيفة العرب اليوم المستقلة نتيجة الضغوط الإدارية .
ووصل عدد التدخلات والضغوط المجتمعية (التدخلات غير المهنية)، إلى 6 حالات فقط، مارستها جهات عشائرية وحزبية ونقابية وجهات أخرى، أما التوقيف والاستدعاء والمحاكمات فوصل عددها إلى 4 حالات، والقيود التشريعية وحجب المعلومات كلا على حدة الى حالتين، في حين لم يرصد أكثر من حالة واحدة من "الرقابة على المطبوعات ووسائل الإعلام"، وفقا للتقرير.
وأشار التقرير الى حدوث انتهاك واحد فقط لحرية الصحافة والإعلام في الشهر الأول من 2011، متعلق بإحدى برقيات موقع "ويكليكس" التي ترجمها موقع عمان نت، فبعد نشرها، طلبت الأجهزة الأمنية إزالة الخبر عن الموقع.
ويمكن تفسير عدم تسجيل سوى انتهاك بحسب رؤية التقرير، إلى أن الحراك الشعبي المطالب بتحقيق الإصلاحات لم يكن قد انطلق بعد، وهذا لم يمنع من تسجيل 4 حالات انتهاك للحريات الصحفية في شباط  (فبراير) العام الماضي.
ويعتبر آذار (مارس) الشهر الذي بدأ فيه وعلى نحو ممنهج وواسع انتهاك الحريات الصحافية مع تصاعد الحراك الشعبي، إذ شهد وقوع  اكبر عدد من الانتهاكات والاعتداءات الجسدية ودخول لاعبين جدد الى حلبة الجهات المعتدية على الحريات الصحافية، (قوات الدرك – الامن العام – البلطجية).
وحسب تحليل التقرير، سجل ذلك الشهر 21 انتهاكا لحرية الصحافة والإعلام، اذ أنه الشهر الذي قررت فيه القوى المنظمة للحراك الشعبي التصعيد، عبر الانتقال للاعتصام في ميدان جمال عبد الناصر (دوار الداخلية) في عمان، وخلاله سجلت أولى حالات الاعتداء الجماعي على الصحفيين من قبل رجال شرطة ودرك ومدنيين مساعدين، باتوا يوصفون بـ"البلطجية".
وتراجع عدد الانتهاكات في نيسان (ابريل) اذ شهد وقوع 7 انتهاكات فقط، وعادت حدتها لترتفع في ايار (مايو) وبلغ عددها 4، أبرزها الاعتداء الجماعي على الصحافيين خلال مسيرة العودة في بلدة الكرامة.
وسجل في حزيران (يونيو) 6 انتهاكات، أبرزها الاعتداء على مكتب وكالة الصحافة الفرنسية، وتحطيم محتوياته ومحاولة ضرب عامل فيه، وتوجيه تهديدات بالقتل لمديرة المكتب الزميلة رندة حبيب.
ويعود تصاعد وتراجع الحريات الإعلامية في ذلك الوقت بحسب التقرير، إلى عاملين يتعلقان بتراجع شدة الحراك الإصلاحي، بعد تلقيه ضربة قاسية على دوار الداخلية، وتشتت قيادته وانقسامها على نفسها، باتزامن مع حملة إعلامية حكومية غير مسبوقة  في مقابل حملة كبيرة مضادة شنتها وسائل إعلام وصحفيين وكتاب وشخصيات ومنظمات مجتمع مدني محلية وعربية ودولية ردا على الانتهاكات، ما أجبر الحكومة والأجهزة الأمنية على التراجع، ومحاولة ضبط "البلطجية" ومنعهم من الاعتداء على المتظاهرين والإعلاميين المرافقين للتظاهرات والاعتصامات.
غير أن الانتهاكات عادت الى الارتفاع في تموز (يوليو) لتصل إلى 15 حالة، أبرزها الاعتداء الجماعي والضرب "المتعمد" لصحافيين كانوا يغطون اعتصاما للقوى الإصلاحية في ساحة النخيل، اذ وصف هذا الاعتداء بأنه الأسوأ من نوعه، كونه جاء بعد اتفاق ابرم بين نقابة الصحافيين ومديرية الأمن العام، بمنح الصحافيين (سترات) خاصة لتمييزهم عن غيرهم، بعد تزايد شكاوى الاعتداءات عليهم من قبل رجال أمن.
بيد أن ما حدث يوم الجمعة في الخامس عشر من تموز (يوليو)، عند قيام رجال الأمن بـ"الضرب المتعمد" لمرتدي السترات المميزة، أكد أن هناك استهدافا رسميا للصحافيين، اذ أصيب حينها اكثر من 15 صحافيا، بعضهم اصاباته بليغة، الى جانب ضرب وتكسير كاميرات وسيارات واعتداءات لفظية، ما أثار حفيظة وسائل الإعلام والمنظمات المعنية بالحريات الصحفية والنقابات، بينها نقابة الصحافيين.
وحسب التقرير، شهد آب (أغسطس) تراجعا في حدة الانتهاكات، ولم يسجل سوى وقوع 5 حالات،  منها تعرض الكاتب في صحيفة الدستور عريب الرنتاوي لحملة تحريض وتهديد، بعد نشره مقالا ينتقد فيه طروحات بعض القوى السياسة.
بينما شهد أيلول (سبتمبر)، تسجيل 4 انتهاكات، أبرزها إقرار مجلس النواب للمادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد، وهو ما اعتبرته أوساط إعلامية وسياسية، بمثابة قيد جديد على الحريات الإعلامية.
وشهد تشرين الأول (اكتوبر) تسجيل 6 انتهاكات، ومثلها في تشرين الثاني (نوفمبر)، أبرزها محاولة هجوم مجموعة نشطاء موالين للنظام السوري على مكتب قناة الجزيرة، فيما سجل كانون الأول (ديسمبر) 8 انتهاكات.
ولفت الى أن من نتائج الحراك، ارتفاع سقف الحريات الصحافية، خصوصا في تناول قضايا الفساد، ما أدى إلى دخول فاعلين "مدنيين" جدد على خط انتهاك حرية الإعلام والصحافة، فظهرت وللمرة الأولى ظاهرة ما بات يعرف بـ"البلطجية".
ولم يقتصر تدخل هؤلاء بالاعتداء على الصحفيين، بل امتد للتهديد والتظاهر والتهجم على وسائل إعلام وصحفيين عاملين فيها، مستندين غالبا إلى البنية العشائرية والانفلات الأمني النسبي، وتهاون الحكومة في التعامل الحازم مع هذه الظاهرة.
كما لاحظ التقرير زيادة التدخلات الإدارية في شؤون التحرير، ما يعني أن إدارات وأصحاب وسائل الإعلام والصحف، خصوصا رجال الأعمال، بدأوا يشددون قبضتهم على صحفهم ووسائلهم خشية من عواقب ارتفاع سقف الحرية، فعمدوا لاتخاذ إجراءات بحق الصحفيين، كالفصل التعسفي أو التلويح به لإبقائهم تحت سقف حرية منخفض. وربط التقرير بين الفصل التعسفي والتدخلات الإدارية بمختلف أشكالها، كونها لوحظت في 2011، كما لوحظ أن التغييرات الإدارية في بنية وسائل الإعلام، حملت في طياتها عمليات فصل وتعيينات وتغييرات كثيرة.
وخرج التقرير بجملة توصيات ذات علاقة بعمل الإعلام، داعيا لإدخال تعديلات على القوانين الناظمة لحرية الرأي والتعبير، تكفل مزيدا من الحريات للصحافة والإعلام.
وشدد التقرير على ضرورة سن تشريعات تحرم الاعتداء على الصحفيين ووسائل الإعلام، متضمنة فرض عقوبات وملاحقة قضائية لمن يثبت تورطه في ممارسات التحريض والاعتداءات، ووقف سياسات الاحتواء الناعم والخشن التي تمارسها المؤسسات الحكومية على وسائل الإعلام.
وأكد التقرير ضرورة حماية الأجهزة الأمنية للإعلاميين، وعدم اللجوء لاستخدام القوة تحت أي ظرف، وتنظيم ورش عمل بين الإعلاميين والأمنيين لوضع صيغة تفاهم مشتركة بينهما، تكفل تأدية عملهما بدون التأثير على أي منهما.
وطالب الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع نقابة الصحفيين ومؤسسات المجتمع المدني، بتدريب أفراد الأمن والدرك على التعامل مع الصحفيين والإعلاميين وتعريفهم بمفاهيم حقوق الإنسان، وتفعيل نظام المساءلة والعقوبات لمن يرتكبون اعتداءات على الصحفيين ومحاكمة المتورطين.
ودعا التقرير نقابة الصحفيين والمؤسسات الإعلامية إلى توفير أقصى درجات الحماية للصحافيين، لا سيما عند تغطيتهم للأحداث الكبرى.