حماس في المفاوضات: دروس من أيرلندا الشمالية

أخبار البلد- الدبلوماسية متعددة الأطراف والقانون الدولي خذلت الإنسانية في قطاع غزة, يدرك الرئيس بايدن بما فيه الكفاية أن مكافأة العنف لن تؤدي إلى السلام, بل ستفاقم التكاليف والتهديدات التي تواجه الإنسانية على حساب الدم الفلسطيني. الوضع الحالي شيطاني ونحن نشهد كارثة انسانية تاريخية في القرن الحادي والعشرين موثقة على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون!


مخالفات صريحة للقانون الدولي الإنساني: جرائم حرب موثقة والعالم يشاهد لمدة أسبوعين يستجدي موافقة مجرمي الحرب لوقف اطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين.


من المهم أن نتعلم الدروس من التاريخ الحديث، وكما قال جاكوب بوركهارت "إن الاستخدام الحقيقي للتاريخ لا يتمثل في جعل الرجال أكثر كفاءة وأذكياء في المرة القادمة، ولكن لجعلهم أكثر حكمة إلى الأبد". الدروس المستمدة من دراسة حالة أيرلندا الشمالية، وللتوصل إلى اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998، لم نر الحكومة البريطانية تقضي على الإيرلنديين بسبب "إرهابيي" الجيش الجمهوري الإيرلندي، بل أدرك الوسطاء الأمريكيون، وعلى رأسهم جورج ميتشل في ذلك الوقت، أن إدراج ودمج "الشين فين" في المفاوضات كانت لا غنى عنها لأمل التوصل لاتفاق، لذا فإن السؤال هو لماذا لا يتم إشراك حماس في المفاوضات المستقبلية؟ وكما كان لدى الشين فين, الفصيل السياسي جناح عسكري، فإن حماس لديها جناح عسكري أيضاً، وهناك حاجة إلى نهج مقارن لتحقيق سلام عاجل.


استذكر هنا بوبي ساندز, الأسير الايرلندي, رائد الاضراب عن الطعام, الذي فارق الحياة بعد ٦٦ يوم من الاضراب والذي سطر للعالم سبل المطالبة بالحقوق، حتى أن الفلسطينيين والجنوب أفريقيين اتبعوا نهجة في الاضراب عن الطعام كأداة للاعتراض والمطالبة بالحقوق. حين قال "ا سيكون ضحكة أطفالنا". 2.2 مليون مدني في غزة، نصفهم من الأطفال، استشهد حوالي 4300 شخص في الأسبوعين الماضيين، كيف نتوقع من المليون طفل أن يؤمنوا بالسلام إذا كنا نقف مع الحرب التي تستهدفهم بلا رحمة؟ وفي عام 2023، تظل الدبلوماسية أكثر حضارية وقانونية وسلمية للتعامل مع الوضع على الأرض لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة, من الحكمة للمجتمع الدولي اليوم ضرورة تبني نهج تمثيل شمولي يضم حماس في أي محادثات.


في ظل الجرائم التي يرتكبها نتنياهو بغطاء أمريكي ضد المشروع الوطني التحرري، وبعد ١٦ عاما من الانقسام و٣٠ عاماً من المفاوضات، من الحكمة للقيادات الفلسطينية البدء بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة التي ذكّرنا بها تكرارا الأسير البطل مروان البرغوثي., استغل الاحتلال انشغال العالم في غزة ونكل بالأسرى الصامدين فحرمهم من الكانتينا وقنن وجبات الطعام وكميات المياه وأوقات الاستحمام في محاولة لإضعاف عزائمهم، ولكن نضال وصمود ٥٢٠٠ أسير يجب ان يكون الدافع الأول وراء حل الانقسام وتحقيق الوحدة. على القيادات السياسية أن تدرك ان نتنياهو يشن حربا على المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل في حق تقرير المصير والتحرر. ان محاولات النقل والتهجير القسري التي شهدناها في غزة ليست عشوائية, بل هي تحقق المشروع الكولونيالي الاستيطاني بضم الأرض في غزة, استلهاما من وعد بلفور لتحويل الفلسطينيين لأقليات لها حقوق دينية ومدنية فقط، ولا يتمتعون بالحقوق السياسية مما يحرمهم حق تقرق المصير, وهذا ما يندرج تحت إطار صفقة القرن وسيناريو المصالح الذي يخدم مصالح عدة أطراف بتغيير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة ويغذي الحملات الانتخابية للعديد من قيادات اليمين المتطرف حول العالم، أولهم نتنياهو وبايدن على حساب الدم الفلسطيني.
فيما شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين, لا بد من المجتمع الدولي ان يدرك ان حماس فرضت نفسها كطرف تفاوضي لا يمكن تجاهله، كما انها عززت أي موقف تفاوضي فلسطيني فيما تملك من أوراق ضغط ترتبط بعمليات تبادل الاسرى، وهذه أولوية بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية.

- دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي, الجامعة العربية الأمريكية.