فك الارتباط مع القوى الغربية حاجة أم ضرورة؟

أخبار البلد- الاحداث في قطاع غزة وردود الفعل والمواقف الغربية المنحازة للكيان الاسرائيلي تدفع الحراك الشعبي العربي المتضامن مع غزة والمقاومة تلقائيا لتوحيد شعاراته، للمطالبة بالدعوة لفك الارتباط مع الغرب عسكريا وسياسيا واقتصادية؛ واقامة علاقات متوازنة تسمح بدحر الاحتلال الصهيوني وتصفيته؛ وتعزيز استقلال الدول العربية؛ وتوسعة مروحة خياراتها بعيدا عن المشاريع الغربية في الآن ذاته.
الفرصة مواتية لتوظيف الزخم المتولد عن الحراك الشعبي للانتقال من مجرد التركيز على مكافحة التطبيع؛ نحو تفكير وهدف استراتيجي اكبر واكثر إنتاجية يذهب نحو التخفف من العلاقات الاقتصادية والامنية والسياسية مع الغرب، وصولا لفك الارتباط معه.
فك الارتباط حاجة اساسية للتطور وضرورة لبناء علاقة اكثر توازنا وصحية مع القوى الغربية؛ فالتطبيع ما هو إلا مظهر من مظاهر هذه العلاقة الشاذة وغير المتوازنة مع الغرب الذي تنشر قواعده العسكرية وسفاراته كالقلاع لدرجة ان بعضها من حيث المساحة والسكان يكاد يضاهي دولة الفاتيكان في روما.
العلاقة غير المتوازنة والمعتمدة على القوى الغربية قادت نحو الاعتراف بالاحتلال كأمر واقع؛ فرضته سياسية الابتزاز المتبعة من قبل القوى الغربية المتحكمة بالواقع الامني والسياسي والاقتصادي للدول العربية.
العلاقة المختلة مع القوى الغربية عكستها معركة غزة الاخيرة عبر طرح حلول سياسة وامنية اقترحتها (واشنطن و باريس ولندن وروما وبرلين) على كل من عمّان والقاهرة؛ لتهجير الفلسطينيين من ارضهم؛ فالشراكات القوية والعميقة بين الاردن ومصر من جهة والقوى الغربية وعلى رأسها اميركا واتفاقات السلام المعقودة مع الكيان لم تشفع لعمان والقاهرة من التحرر من الضغوط الغربية التي سعت لمعالجة ازمة الكيان الاسرائيلي المصدوم بهزيمة السابع من اكتوبر على حساب البلدين.
الانتشار الواسع لقواعد الامريكية والغربية في الدول العربية والاعتماد الشديد على النظم الاقتصادية والمالية الغربية؛ عبء حقيقي طالما وقف عائقاً امام نمو الدول العربية وتطورها.
فتكبيل الدول العربية باتفاقات امنية وسياسية واقتصادية وضع سقوفاً منخفضة لإمكانيات تطورها كقوى اقتصادية واقليمية بعيدا عن المنظومة الغربية؛ امر بات الممكن التحرر منه في ظل التنافس والتصارع الدولي المحتدم بين اقطابه الاقتصادية والعسكرية (روسيا والصين واميركا وشركائها في الناتو)، فرصة تعززها المواجهة الاخيرة في قطاع غزة التي فتحت بدورها الباب لحراك شعبي وسياسي رسمي يسعى لخلق توازن معقول مع القوى الغربية المتغولة على الواقع العربي وعلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
التحولات والصراعات والتشققات في النظام الدولي تسمح باتخاذ إجراءات آمنة في العالم العربي، وصولا إلى فك ارتباط أمن عن القوى الغربية؛ فالمعركة الدائرة مع الاحتلال الاسرائيلي توفر فرصة ثمينة لفعل ذلك؛ خصوصا أن الرأي العام العربي يدعم هذا التوجه عبر حراكه الداعم للمقاومة والفلسطينيين وهو حراك آخذ في التطور وفقا لسيناريوهات متعددة بعضها خطر؛ ما يجعل من فك الارتباط محاولة لعقلنة الحراك الشعبي، ودفعه نحو آفاق منتجة ومثمرة، تجنبه الصدام الداخلي؛ او الاستنزاف بين الرسمي والشعبي وصولا لتكامل معقول ومثمر.
ما تقدم هو خلاصة الدرس الذي يمكن تعلمه من المواجهة الأخيرة مع الاحتلال في قطاع غزة والتي أكدت خطورة الارتباط والاعتماد الكثيف على القوى الغربية.
ختامًا.. العالم العربي بحاجة لمراجعة علاقته بالقوى الغربية (اوروبا واميركا) وتخفيف مستوى الارتباط والاعتماد على الغرب (سياسيا وامنيا واقتصادية) وصولا الى فك الارتباط خصوصا في المجال العسكري والتنسيق الامني وبناء العلاقة وفقا للمصالح العليا للمنطقة التي تؤكد استقلالها ودعم مسار تطورها.