معروف البخيت.. رجل السياسة والدبلوماسية والعسكرية
غاد الدكتور معروف البخيت رحاب الدنيا إلى جوار ربه ليلتحق بثلّة من رجالات الدولة الكبار الذين افتقدهم الوطن في السنوات الأخيرة الماضية أمثال الدكتور فايز الطراونه ومضر بدران وعبدالسلام المجالي وغيرهم، والحال أنه كلما غيّبَ الموت قامة من هؤلاء عدنا للسؤال المُلحّ نفسه فيما يتعلق بجملة الأحداث التي عاصرها الكبار ومن ذا الذي سيتصدى لتعريف الناس بها على اعتبار أنها تشكل جزءًا من تاريخ وطن لا يمكن التقليل من حجم تداعياتها وتأثيراتها على الأردن الذي صمد في وجهها بصلابة قيادته الهاشمية وإرادة شعبه الأبي، وفي تجربة الدكتور معروف البخيت لا سيما العسكرية منها فإن الأمر يصبح ضرورة بالنظر إلى كونه أحد ضباط الجيش العربي الأردني لسنوات كانت حُبلى بالأحداث التي كان أبو سليمان شاهدًا عليها منذ العام الف وتسعمائة وأربعة وستين حين التحق بصفوف القوات المسلحة وهو ابن سبعة عشر ربيعًا.
حاز البخيت ثقة جلالة الملك وشكل الحكومة مرتين كان بين الأولى والثانية نحو ست سنوات، وفي الحالتين وضعه صاحب الأمر أمام مسؤوليات جسام، إذ قُدِّر للرجل أن تُسند إليه المهمّة عقب أحداث مفصلية شهدتها الدولة الأردنية، ففي المرة الأولى ولدت حكومته عقب الأحداث التي راح ضحيتها شهداء أردنيون وعرب في تفجيرات فنادق عمان في تشرين الثاني الفين وخمسة، فكان على البخيت أن يتصدى لما أمر به جلالة الملك الذي رسم ملامح عمل الحكومة خاصة فيما يخص العمل على ضرورة تبني استراتيجية شاملة لمواجهة ثقافة التكفير والإرهاب وتناول أبعادها الفكرية والثقافية والسياسية، فضلًا عن تشديد جلالة الملك ومطالبة البخيت بإعداد قوانين عصرية للانتخاب والأحزاب والبلديات، في الوقت الذي جاءت حكومته الثانية سنة ألفين وأحد عشر عقب حركات احتجاجية سلمية طالبت بالإصلاح حيث شدد جلالته في كتاب التكليف السامي على اتخاذ خطوات عملية وسريعة وملموسة، لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي، تعكس الرؤية الملكية الإصلاحية التحديثية التطويرية الشاملة على طريق تعزيز الديمقراطية كخيار لا رجعة عنها.
مات معروف البخيت رجل الدولة رفيع المستوى والرجل الذي انشطرت حياته بين السياسة والدبلوماسية والعسكرية وفي المسارات الثلاثة كان البخيت ابن الوطن الصادق في ولائه واخلاصه للعرش الهاشمي، ونهض بالأعباء والمسؤوليات التي أنيطت به فكان السفير الذي رسم صورة ناصعة عن وطنه الأردن لدى الدول التي عمل بها، كما كان ضابطًا عسكريًا محترفًا في مختلف صنوف العسكرية وحافظ على شرف الجندية وقسم الولاء، وفي رحيل الكبار نستذكر سنوات عملهم وعطائهم وتفانيهم ونستمطر شآبيب رحمة الله ورضوانه، وفي مناسبة وفاته أستذكر زيارتي الشخصية له في منزله وكم كان الرجل كريمًا متواضعًا لافتًا في ذاكرته التي استعرض فيها مراحل بناء الدولة الأردنية التي مرت بتحديات كانت في كل مرة تخرج منها أشد إرادة وأصلب قوة.
رحمك الله دولة الدكتور معروف البخيت.
Ahmad.h@yu.edu.jo