كيف طمأن الرئيس بايدن الفلسطينيين؟

أخبار البلد- ‏لطالما تفاخر الرئيس الأميركي الحالي، جوزيف بايدن، بعدائه السافر للفلسطينيين وتماهيه المطلق مع المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني في فلسطين. فهو صاحب المقولة الشهيرة: "لو لم تكن هناك إسرائيل لكان علينا أن نخترع واحدة”. وهو الذي أكد، قبل عام في مطار اللد المحتل، صهيونيته الأصيلة حين كرر مقولته الأخرى: "لا يجب أن تكون يهوديًا حتى تكون صهيونيًا”. ومواقفه المنحازة المعلنة بتطرف لا يليق برئيس دولة كبرى تزعم أنها "وسيط نزيه”، وربّة الحرية والعدالة وحقوق الإنسان في العالم، لا تحتاج إلى تعليق.

لكنه روى يوم الأربعاء الماضي قصة يحب أن يرويها كثيرًا في جملة ما يروي. كان يتحدث في حفل غريب في حد ذاته استضافه في البيت الأبيض. المناسبة: ‏إضاءة الشمعدان الكبير في البيت الأبيض‏‏ بمناسبة عيد حانوكا اليهودي! (لماذا لا يستضيف بايدن، و”البيت” مناسبة لعيد بوذي، مثلاً؟) ولم تكن هذه "عزومة شخصية” لأصدقائه اليهود – إذا كان ثمة ما هو شخصي في علاقة أميركا بالكيان. إنها مناسبة عامة، إعلامية، وفرصة لتأكيد على موقف أميركا مما يحدث في فلسطين.
 

حكى الرئيس للصحفيين الحاضرين عن أول زيارة قام بها إلى الكيان الصهيوني، قبل 50 عامًا، كعضو في مجلس الشيوخ، قبل بضعة أسابيع من "حرب أكتوبر” في العام 1973. قال إنه بعد اجتماع في مكتب رئيسة وزراء الكيان آنذاك، غولدا مئير، سألته غولدا عما إذا كان يرغب في التقاط صورة معها، ونهضا لالتقاط الصورة. ويروي بايدن: ‏”استطاعت أن ترى، على ما أعتقد، أنني كنت قلقًا. انحنت وهمست لي: "لا تقلق، سيناتور بايدن. لدينا سلاح سري هنا في إسرائيل”. كان هذا ما قالته حرفيًا: "ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه”.

أراد بايدن من تكرار هذه القصة أن يطمئن أفراد الكيان وأنصاره إلى أنهم يملكون أقوى سبب ممكن للصمود، وهو ما يوصف بأنه عقيدة "الظهر إلى الحائط” – أو ما نعبر عنه نحن في ثقافتنا بمقولة طارق بن زياد على حدود أوروبا بعد إحراق المراكب: "البحر من ورائكم، والعدو من أمامكم”. لكنه وظف هذا التصور، المعقول بعد كل شيء، لدعم رؤية إما غافلة تمامًا، أو متغافلة تمامًا للحدث الروائي، والواقعي: "إننا، نحن الفلسطينيين، ليس لنا مكان آخر نذهب إليه”. وهذا سلاح سري مهم لدى الفلسطينيين– وليس بنفس المقدار.

في الحقيقة، لدى المستعمرين، أيّ مستعمرين، مكان آخر يذهبون إليه ببساطة، بلدانهم وأوطانهم التاريخية. وفي حالة السيدة غولدا هذه بالتحديد، هناك كييف في أوكرانيا، مسقط الرأس وبلد الآباء والأجداد والعرق والهوية؛ وهناك أميركا التي استوطن أهلها فيها وتربت فيها وحملت جواز سفرها. وربما ما يزال بيتها في المكانين ما يزال موجوداً. وكذلك بالضبط حال جميع البولنديين والأميركان والبريطانيين والألمان وبقية أعضاء المشروع الاستعماري في فلسطين في ذلك الحين.
وحتى اليوم، بعد عقود وجيل أو اثنين، ما تزال لدى معظم أفراد الكيان جوازات سفر وجنسيات أوطانهم وأماكنهم التي يمكن أن، بل التي سيعودون إليها لدى أول شعور بخطر حقيقي. إنهم الفلسطينيون الذين ليس لهم جنسيتان، ولا وطنان، ولا فرصة في الوجود كشعب إلا في وطن الآباء والأجداد التاريخي.

بطبيعة الحال، ربما يعرف بايدن– أو لا يعرف - أنه ليس هناك سلاح سري من هذا النوع لدى الصهاينة ولا مَن يحزنون. إن ما لديهم هو السلاح العلني يعطيه لهم هو وبلده ليقتلوا به الفلسطينيين، بالإضافة إلى سلاحهم "السري” النووي لم يعد سريًا. وقد يعرف بايدن– أو لا يعرف- أن "السلاح السري” المطمئن الضامن للوجود، الذي خففت به غولدا عنه الجزع على مصير الكيان قبل 50 عامًا، يملكه الفلسطينيون بوفرة، بنسخته الأصلية وبأعلى المعايير وبلا قطع معطوبة. شكرًا سيدي الرئيس على تذكيرنا بما لدينا من سبب حاسم للبقاء، وحتمية الصمود.

ملاحظة لا بد أن تكون ذات صلة، تتعلق بالتركيز ودقة السرد:
كتب موقع محطة (سي. إن. إن) عن إحدى روايات بايدن السابقة عن الرحلة المذكورة إلى الكيان في 1973: بدأ بايدن حديث يوم الأربعاء بالقول: "وخلال حرب الأيام الستة، أتيحت لي الفرصة– دعتني (غولدا مئير) للحضور لأنني كنت سأكون حلقة الوصل بينها وبين المصريين بشأن قناة السويس، وما إلى ذلك”. وفي وقت لاحق من القصة، اقترح أن مئير أشارت إليه خلال الاجتماع باسم "السيد السفير”. ‏

‏الحقائق‏‏: ‏‏أخطأ بايدن في الحديث عن موعد اجتماعه مع مئير. فقد عقد الاجتماع قبل حوالي خمسة أسابيع من حرب ‏‏يوم الغفران‏‏ في العام 1973، وليس خلال ‏‏حرب الأيام الستة‏‏ في العام 1967‏. والأهم من ذلك، أنه ضخم من أهميته لإسرائيل في ذلك الوقت. لا يوجد دليل على أن مئير كانت لديها أي نية لاستخدامه كنوع من "الاتصال” بين إسرائيل ومصر.‏ وهو لم يكن سفيرًا في العام 1973.