الضّبعُ الفلسطينيُّ.. مِن الخرافة والجهل إلى "لا أعرف"!


اخبار البلد- كلّ الجيل الفلسطيني الذي أنا منه، والأجيال السابقة والتي قبلها جميعنا نشأنا على قصص وخرافات تروى عن الضبع، وأصبح هذا الأخير جزءا من تراثنا وربما تراث بلاد الشام. وفي كل القصص والخرافات تم تصوير الضبع بأنه العدو اللدود للإنسان، وتحول مع هذه المرويات إلى ضحية، إلى درجة انه على وشك الانقراض. وتقول التقارير والاحصاءات انه لم يبقَ منه في الضفة إلا أقل من 500 ضبع، وهو أمر يخل بتوازن البيئة، فالضبع لا يهدد الانسان ولا يبادر لمهاجمته، فهو يأكل الجيف وينظف الطبيعة منها.


في طفولتي، رغم ان الضبع كان يخيفني وكنت أتخيل أي شيء في العتمة على انه هو، إلا انني كنت شغوفا في سماع قصصه من أبي وأعمامي، واستمع لها بكل حواسي، والقصص الأخرى التي كانت تشدني هي قصص الحية التي ما ان كانت تبدأ لا تنتهي، فكل شخص له قصصه الخاصة مع الحية.


على اية حال موضوع الضبع وقصصه التراثية على أهميتها ليس هي الموضوع، إنما تراجع الاهتمام بالقراءة وشغف المعرفة المكتوبة وليس السمعية، الموضوع جاءني بينما كنت أسوق سيارتي وفي العادة أستمع للراديو، وقبل يومين استمعت لبرنامج في إذاعة "صوت فلسطين" فكرته رائعة عن الضبع وعلاقته بالتراث وأخيرا انتصر البرنامج بطريقة علمية للضبع والبيئة، ولكن ما لفت نظري أن قسما لا بأس به من الشباب والصبايا الذين أجرى البرنامج معهم مقابلات فاجأتني اجاباتهم بكلمة "لا أعرف"، في زمن فيه المعرفة متاحة، وما عليك إلا ان تسأل "غوغل" وتقرأ الجواب، فلم يعد هناك عذر لعدم المعرفة.


هناك حاجة لأن نخلق مجتمعا قارئا، مجتمعا معرفيا، لا يقول فيه جيل "غوغل" وثورة المعلومات والاتصال، جيل الذكاء الاصطناعي "لا أعرف". ان الأساس في صراعنا مع المشروع الصهيوني الاستعماري هو أن نعرف وأن نكتب روايتنا بطريقة علمية صحيحة، وأن نكتب تاريخنا بعد أن نحرره من هيمنة الدراسات التوراتية.


قد لا يكون موضوع الضبع مهما، ومن البديهي ألا يعرف الكثيرون منا معلومات عنه، ولكن مصطلح "لا أعرف" كثيرا ما يستخدم في موضوعات تمس حياتنا ومستقبلنا ومستقبل قضيتنا. المقاومة الحقيقية للاحتلال والمشروع الصهيوني هو أن نعرف.


ربما آن الأوان ان تخصص وزارة التربية والتعليم جوائز سنوية سخية للتلاميذ الذي يقرأون أكثر ويعدون أبحاثا علمية وتاريخية وفي كل الحقول، ان نعطي جائزة لمن يكتب بحثا عن النكبة، عن تلوث بيئتنا، وعن انقراض الضباع، عن أي قضية مفيدة للمجتمع، جوائز لأفضل رسمة تشكيلية، أو فيلم قصير أو قصيدة أو قصة قصيرة، أو ابتكار واختراع مهما كان بيسطا، وأن نتوقف عن عدم المعرفة.


برنامج "صوت فلسطين" سار بشكل علمي، وانتهى بتقديم معلومات صحيحة وعلمية من قبل شخص مختص. ربما نحن بحاجة لنفس هذا المنهج في حياتنا، أن نشك وأن نسأل وأن نبحث عن الاجابة في ما هو مكتوب ومن مصادر موثوقة، وليس من فيديوهات تجارية أو من المتسلقين والمدعين الكثر بالتخصص والخبرة على شبكة الانترنت.


ومن أجل خلق مجتمع قارئ معرفي ربما علينا ان نعيد النظر في مناهج التعليم وطرق التعليم، والمعلم صاحب العقل العلمي، الذي يساعد طلابه على طرح الأسئلة الصحيحة والبحث عن الاجابات من خلال القراءة والبحث وعبر التجربة الميدانية.


نعود للضبع المسكين، الضبع الفلسطيني الذي على وشك الانقراض، وفي هذا الشأن ربما علينا ان نؤلف مرويات غير تلك التي حدثنا عنها أجدادنا، لتبقى قصص الأجداد جزءا من التراث نحافظ عليه ولكن ندقق بصحتها العلمية، لتكون في مكانها الصحيح قصصا وخرافات شعبية، أما الضبع فلن يمنع انقراضه إلا الوعي العلمي. قد يبدو المشهد قاتما بعض الشيء لكن نحن شعب ذكي وله تاريخ غني ونخوض صراعا صعبا مع عدو صعب، وما دمنا في وسط كل هذا التحدي فيمكننا أن نتخلص من مصطلح "لا أعرف"، وحتى لو فاتنا أن نعرف بموضوع معين علينا أن نبحث ونقرأ للمعرفة، وإذا لم احصل على المعلومة من جهازي النقال أو اللابتوب، فهناك مكتبات وكتب محلية وعالمية يمكن أن احصل منها على ما أريد من المعرفة.. لنبدأ ونشعل شمعة في العتمة.