بعد 50 عاماً على حرب أكتوبر.. هكذا أرّخ هنري كيسنجر خفايا المعركة

أخبار البلد-

في حديثٍ مطول مع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، كشف وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، قبل أيام، كواليس ما حدث خلال حرب أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1973

تفاصيلٌ جديدة أفصح عنها المعمّر الأميركي، سلّط فيها الضوء على عددٍ من المواقف الحاسمة، تزامناً مع مناسبة مرور 50 عاماً على تلك الحرب، التي سجّلت فيها سوريا ومصر انتصاراً تاريخياً على الاحتلال الإسرائيلي

في اللقاء الخاص مع الصحيفة الإسرائيلية، تحدّث كيسنجر، الذي كان يعمل مستشاراً للأمن القومي في تلك الفترة، عن تحركات واشنطن لمنع نصرٍ عربي على "إسرائيل"

واعترف بأنه والرئيس الأميركي حينها، ريتشارد نيكسون، عملا بشكلٍ جدي في حرب أكتوبر، على توفير الدعم المباشر والخدمات الحاسمة لـ"إسرائيل"، حتى لا يتحقق أي انتصار عربي عليها، إلى جانب حماية المصالح الأميركية ومنع الاتحاد السوفيتي من تسجيل نصرٍ على واشنطن في الشرق الأوسط

كيسنجر الذي تجاوز المائة عام مؤخراً، والذي أدّى دوراً رئيسياً في مسار الأحداث المتصاعدة في تلك الحرب، أكد أنّ الأميركيين اعتقدوا بأنّ "الجيش" الإسرائيلي، سيدمّر الجيشين السوري والمصري، خلال ساعاتٍ، لكن عندما اتضحت الصورة، وانقشع غبار المعركة، فوجئ وفريقه بحجم الإنجازات العربية

فشل استخباراتي إسرائيلي

ذكر السياسي الأميركي في حديثه، أنّ في الأيام التي سبقت اندلاع حرب أكتوبر/تشرين الأول، تراكمت الأخبار عن تمركز قوات عربية كبيرة غربي قناة السويس، فسّرها قادة "جيش" الاحتلال وأجهزة الاستخبارات، باستثناء عددٍ قليل من الضباط ذوي الرتب المتوسطة، على أنها جزء من مناورة

وبحسب ما تابع، فقد كان قادة "الجيش" الإسرائيلي، مقتنعين بأنّ المصريين لا ينوون شنّ هجوم، مؤكداً أنّ الرقابة العسكرية رفضت تقارير المراسلين العسكريين، حول حشد قوة مصرية غير عادية في سيناء، ولم تظهر المخاوف من حرب فعلية إلا يوم الجمعة في الـ5 من أكتوبر، عشية "يوم الغفران"

وأردف كيسنجر بالقول إنّ العاصمة البريطانية لندن، شهدت في وقتٍ مبكر من المساء، وصول رئيس الموساد، تسفي زامير، بشكلٍ غير متوقع للقاء "الملاك"، وهو لقب العميل المصري أشرف مروان، صهر جمال عبد الناصر، وهو أقرب مستشاري السادات، وتعاون في نفس الوقت مع "الموساد"

ووفق كيسنجر، أفاد مروان قبل 14 ساعة فقط من وقوع هجمات سيناء والجولان، بأهم الأخبار عن ساعة الصفر وتنسيق الهجوم من قبل الرئيس المصري أنور السادات، والرئيس السوري حافظ الأسد

وبشأن أسباب هذا الفشل الاستخباراتي لدى الاحتلال، أكد الخبير العسكري، العميد علي مقصود أنه خلال الأيام التي سبقت الحرب، تلقى مركز الأبحاث في الاستخبارات الإسرائيلية تقارير إنذارية عديدة، زوّده بها قسم جمع المعلومات في الاستخبارات، ولكن كان هناك تضليل على المستوى التكتيكي والاستراتيجي على الجبهة المصرية وخاصة شرقي قناة السويس، حال دون الأخذ بهذه الإنذارات

ولفت العميد مقصود إلى أنّ الاستخبارات الإسرائيلية اعتقدت بأنّ التحشيد العسكري الذي تقوم به مصر وسوريا هو مجرد استعراض ومناورات، "لأنهم كانوا مسلّمين بأنّ القيادة في سوريا ومصر لن تذهب إلا إلى العملية السياسية والدبلوماسية لحلّ الصراع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي"

بدوره، أكد المحلل السياسي، شريف شحادة، أنّ "الاستخبارات الإسرائيلية كانت تعتقد أنّ الجندي العربي، أضعف من أن يستلم سلاحاً متطوراً يقاتل فيه إسرائيل"

ولفت شحادة إلى أنّ "إسرائيل كانت تتعامل مع العالم العربي والجندي العربي من منطق الغطرسة، وهي لم تصدق في ذلك الوقت أنّ هناك مقاتلين عرب يستطيعون أن يعبروا قناة السويس وأن يعبروا هضبة الجولان وأن يصلوا إلى نقاط خطيرة بالنسبة للاحتلال، تهدد إسرائيل في العمق"

وأشار إلى الاعتقاد الإسرائيلي السائد، بأنّ المواطن العربي "غير قادر على تغيير واقعه على الإطلاق"، موضحاً أنّ العامل الإعلامي العربي من مصر وسوريا، لعب دوراً في تضليل الاستخبارات الإسرائيلية، وذلك عبر إرسال بعض الجنود لتأدية مناسك الحج، أو إعطاء إجازات لبعض الجنود من أجل الإيحاء بأنه لا توجد معركة

هذه النقطة أكدها الباحث العسكري، العميد الياس فرحات، الذي أوضح أنّ سبب الفشل هو خطة الخداع التي نفذتها مصر وسوريا قبل الحرب، منها سلسلة تدابير، ابتدأت بطرد الخبراء السوفيات، مروراً بسحب عشرين ألف عسكري من الجبهة قبل أسبوع من الحرب، وصولاً إلى الإعلان عن احتفالات موعدها أيام الحرب، بالإضافة إلى اختيار شهر رمضان وهو شهر الصيام عند المسلمين، موعداً لبداية الحرب

واشنطن تدعم "تل أبيب"

شكّلت حرب أكتوبر/تشرين الأول عند انطلاقها صدمةً كبيرة في الأوساط الإسرائيلية والأميركية. وأوضح كيسنجر أنّ مشهد المعركة في البداية كان مختلفاً تماماً عما تخيّله الخبراء الأميركيون، عندما أصبح الهجوم المصري واقعاً، مشيراً إلى أنه في الأيام الأولى من الحرب، فقدت "إسرائيل" نحو 200 مقاتل يومياً

تحدّث كيسنجر بشكلٍ صريح عن فداحة الخسارة الإسرائيلية في الأيّام الأولى. ولفت إلى أسر العديد من جنود الخط الأول الإسرائيليين من قبل مصر، مؤكداً أنه لم يكن لدى القوات الجوية الإسرائيلية ردّ مناسب على الصواريخ المضادة للطائرات من طراز "SA6" السوفيتية الإنتاج

الطيارون الذين أُصيبوا وتمكنوا من تشغيل المقاعد القاذفة، انضمّوا إلى الجنود الذين تم أسرهم في تحصينات "بارليف". فيما تعرّضت الأرتال المدرعة الإسرائيلية التي تقدّمت بشكلٍ فوضوي إلى سيناء لهجومٍ جوي، بحسب ما تابع

ووفق ما ذكر، فقدت القوات الجوية الإسرائيلية في الأيام الثلاثة الأولى من القتال، 49 طائرة، كما تضررت 500 دبابة في سيناء، مشيراً إلى وجود نقص في ذخائر المدفعية في مستودعات الطوارئ، فيما تم اكتشاف أنّ المعدات صدئة جزئياً وغير صالحة للاستخدام

وأكد كيسنجر أنّ الحكومة الإسرائيلية ذُهلت، وأنّ وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ديان، ورئيسة حكومة الاحتلال، غولدا مائير، كانا "على وشك الانهيار"، موضحاً أنه سرعان ما أصبح واضحاً وجود حاجة إلى استبدال الطائرات التي تم إسقاطها، وسدّ الثغرات المكتشفة في الساعات الأولى من الحرب

نتيجةً لذلك، لفت كيسنجر إلى زيارة قام بها السفير الإسرائيلي لدى واشنطن حينها، سيمحا دنيتس، والملحق العسكري الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، إلى مكتبه في واشنطن، ثالث أيام الحرب، ونقلا طلباً عاجلاً من غولدا مائير، بتجديد إمدادات الأسلحة الأميركية والمساعدات العسكرية لصالح الاحتلال

وبشأن الجسر الجوي الأميركي لإسرائيل والذي "غيّر" شكل ساحة المعركة، أوضح السياسي الأميركي أنّ "مسألة إعادة إمداد إسرائيل تم طرحها"، مضيفاً أنّ الإدارة الأميركية بنَت مناقشاتها المبكرة حول الحرب، على حقيقة أنّ "التفوق العسكري كان لصالح إسرائيل"

وتابع بالقول: "لم نكن نفكر بجدية مطلقاً في حدوث تقدم مدعوم من السوفيات في الشرق الأوسط، لذلك عندما أصبح ذلك واضحاً، بدأنا نتحدث عن إعادة الإمداد"، مشيراً إلى أنّ وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، عارضت بشدة تجديد توريد المعدات، "ولذلك رتّبنا أن يرسل الإسرائيليون طائراتهم الخاصة وسنقوم بتحميلها. في ذلك الوقت، كانت المعدات عالية التقنية هي التي يمكن استخدامها على الفور"

وفي ما يخص الدعم الأميركي لـ"إسرائيل"، أكد المحلل شريف شحادة أنّ هذا الدعم كان واضحاً منذ اللحظة الأولى من بدء المعركة، خاصة عندما وجدت الولايات المتحدة أنّ الاحتلال الإسرائيلي "في حالة من الحرج الشديد"، وأنّ التفوق العسكري العربي بدا واضحاً في قناة السويس وجبل الشيخ والعديد من المناطق التي دار فيها الصراع

بدوره، أشار العميد الياس فرحات، إلى أنّ الولايات المتحدة و"إسرائيل" فوجئتا في بداية الحرب بالتوغل العسكري للقوات المصرية والسورية

وأوضح فرحات بأنّ الإدارة الأميركية سارعت إلى "إنقاذ" الاحتلال الإسرائيلي، بعدما فقدت قواته عدداً كبيراً من الدبابات في أوائل أيام الحرب، خصوصاً بعدما دمرت القوات المصرية بقيادة اللواء حسن أبو سعدى، لواءً مدرعاً إسرائيلياً بكامله، وأسرت قائده العقيد اساف ياغوري

من جهته، لفت العميد مقصود، إلى أنه لم يكن لدى الولايات المتحدة خيار سوى أن تمدّ "إسرائيل" بجسرٍ جوي، وبمعلومات عبر الأقمار الصناعية عن الثغرة الموجودة في سيناء على جبهة الجيش المصري، مما ساعد الاحتلال الإسرائيلي في شنّ الهجوم عبر الثغرات التي وفّرتها لها واشنطن