لك الله يا أقصى
رحم الله الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود الذي استشرف المستقبل وتنبأ بضياع الأقصى قبل نكبة فلسطين بثلاث عشرة سنه، كان ذلك عام 1935، عندما جاء الأمير سعود بن عبد العزيز، الذي أصبح ملكاً في ما بعد، لزيارة المسجد الأقصى، فخاطبه الشاعر بقصيدة يقول فيها:
يا ذا الأمير أمام عينك شاعرٌ // ضُمَّت على الشكوى المريرة أضلُعه
المسجدُ الأقصى أجئتَ تزورُه // أم جئتَ من قبل الضياعِ تُودِّعه؟
لم يكن الشاعر الفلسطيني يخط في الرمل، أو يعلم بالغيب، لكنه كان نافذ البصيرة بعيد النظر، مُدركٌاً للحقائق الماثلة أمامه على الأرض، مُتيَّقناً من أن الظروف العربية السائدة آنئذ لم تكن مواتية لحماية أرض فلسطين ودحر الغزو الصهيوني المدعوم غربياً، ومع ذلك فقد انضم إلى صفوف المجاهدين العرب للدفاع عن أرض الوطن واستشهد في معركة الشجرة قرب مدينة الناصرة عام 1948، وكان أيضا قد تنبأ باستشهاده، فيقول:
لعمـرك إنـي أرى مصرعي // ولكـن أَغُـذُّ إليـه الخطى
أرى مقتلي دون حقي السليب // ودون بلادي هـو المُبتـغى
الشاعر الشهيد بطل من أبطال الأمة، ضحى بحياته دفاعاً عن وطنه وأرضه وعرضه ومقدساته، وروى بدمائه الغالية ثراها الطاهر، كيف لا، والمسجد الأقصى، مسرى رسول الله، وأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، تهون لأجله الأرواح، ويُفتدى بالغالي والنفيس.
الأقصى الجريح يصرخ، يستغيث بالأحرار والشرفاء من هذه الأمة، فهل من مُغيث؟ لقد تكالب عليه الأوغاد ودنسته قطعان المستوطنين، فأين المسلمون؟ أين قادة المسلمين، أين علماء المسلمين؟ أين الفضائيات العربية؟ أين الترسانات العسكرية العربية؟ ألا يخشون أن تصدأ في مخازنها؟ لماذا تصمت الأنظمة العربية عندما يتعلق الأمر بقضية فلسطين؟ ولماذا تسكت على الفظائع التي ترتكبها العصابات الصهيونية بحق شعبنا ومقدساتنا؟
يشهد التاريخ أنا نحن العرب كنا أهل شجاعة ونخوة وكرامة وشهامة، ألم نكن خير من ركب المطايا؟ فأين مطايانا؟ وأين نخوتنا وعزتنا وشهامتنا وكرامتنا؟ هل تبخرت؟ هل ماتت فينا النخوة؟ هل أصبحنا جثثا هامدة تنهشها الغربان؟
بتمويل قطري، ينعقد في تونس مؤتمر أصدقاء سوريا انتصاراً للشعب السوري، والمصيبة أن بعض المشاركين فيه هم حلفاء للكيان الصهيوني، يتبنون مواقفه ويدعمونه مادياً وعسكرياً وسياسياً، ومع ذلك نتساءل: لماذا لا ينعقد مؤتمر لأصدقاء فلسطين؟ بل لماذا لا تنعقد قمة عربية لتناقش حصريا موضوع القدس والمقدسات؟ لماذا تسكت الأحزاب والحكومات ذات التوجه الإسلامي في كل من مصر وتونس وليبيا والمغرب وغيرها عن الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى؟ ألا يستحق المسجد الأقصى أن يعقد مجلس الشعب المصري، ذو الغالبية الإسلامية، جلسة خاصة بالقدس والمسجد الأقصى؟
إذا كان الإخوان المسلمون في مصر يقايضون معاهدة السلام مع إسرائيل بمليار ورُبع من المساعدات المالية الأمريكية، فلا أقل من أن يقايضوا المسجد الأقصى بمعاهدة السلام. لا أحد ينتظر منهم أن يشنوا حربا أو يعلنوا الجهاد على إسرائيل، وإنما مجرد موقف حازم صارم يعتبر المسجد الأقصى خطاً أحمراً.
المرابطون على أبواب المسجد الأقصى، على قِلَّتِهم، يستميتون في الدفاع عنه، يُقدمون أرواحهم رخيصة فداء للأقصى وما حوله، يهجرون بيوتهم وأهليهم ليرابطوا على أبواب المسجد، هم كذلك منذ عهد صلاح الدين، يذهب جيل فيأتي جيل آخر، فما هانوا ولا استكانوا، لكن الله ابتلاهم في زماننا هذا بعدو غاشم حاقد لئيم، لا طاقة لهم به، ولا نظنهم يصمدون طويلاً أمام آلة الفتك والبطش الإسرائيلية.
أيها العرب، أيها المسلمون، المسجد الأقصى يضيع من بين أيدينا، فماذا انتم فاعلون؟