الباحثون عن السلطة والثروة والمتعة
أخبار البلد-
اختلف فلاسفة اليونان على ترتيب ثلاثة مفاهيم سعى ويسعى لها الإنسان أي إنسان منذُ ولادته وحتى وفاته في هذه الدنيا, فالبعض نادى بأن السلطة هي التي تجذب الثروة, والثروة هي التي تجذب المتعة, والبعض الاخر منهم عكس تماما هذه المفاهيم, حيث أن المتعة هي التي تجذب الثروة, والثروة هي التي تجذب السلطة, وعلى جميع الأحوال تبقى هذه المسألة مسألة جدلية, وربما أن لكل زمان ومكان في هذه الحياة ترتيباته لهذه المفاهيم الثلاث.
الإنسان في هذه الحياة قاتل وما زال يقاتل بشراسة وبكل ما أوتي من قوة وعزم من اجل (السلطة), فقد بدأ الإنسان يقاتل بالعصا ثم السيف ثم البندقة.. وصولاً إلى القتال بالقنابل الذرية والهيدروجينية والجرثومية, وما زال يبحث ويسعى باستمرار عن أسلحة أخرى أقوى وأشد فتكاً ليقاتل بها من اجل الولوج إلى السلطة.
والإنسان في هذه الحياة كافح وما زال يكافح أيضاً بكل ما أوتي من جهد وحركة من اجل (الثروة), فقد بدأ الإنسان بالخداع ثم الكذب ثم الخش.. وصولاً إلى التزوير والتمويه والدهلزة, وما زال يبحث دون تأني عن اساليب وطرق (رقمية) أخرى أكثر تلاعباً وتمويهاً ليحصل بها ويسيطر على أكبر كم ومساحة من الثروة.
وأكثر من ذلك.. الإنسان في هذه الحياة تلوّن وما زال يتلوّن من اجل بلوغ أعلى مراتب (المتعة), وأقصد بالمتعة هنا مرحلة ما بعد اشباع الغرائز, فقد بدأ الإنسان وحسب تطور أدواته الزمنية, بدأ بمتعة صيد الحيوانات في الغابة وفي محيطه, ثم أنتقل إلى متعة صيد الاسماك في البحر, ومن ثم صيد الطيور في الفضاء.. كل هذه المتع مارسها الإنسان بعد أن أكل وشبع وأخذ قسط من القيلولة, ثم مارس الإنسان بعد ذلك طقوس تعدد الزوجات متجاوزاً بذلك حاجاته ورغباته الجنسية, ووصل به الأمر إلى متعة زهق الارواح البشرية لتجريب أدواته الدوائية والحربية, ثم قام الإنسان بهواية خلع وقطع واقتلاع الاشجار, وهدم الكهوف والقلاع والقصور تحت غطاء حب الاستطلاع والاكتشاف.. مع انها تعبّر عن لذة الانتقام.
من جانب آخر, تنوعت أدوات الباحثون عن السلطة والثروة والمتعة, حيثُ أننا نجد أن الأحزاب الدينية في هذا الفضاء الواسع والتي ذمها الله في كتابه العزيز قائلا: (كل حزب بما لديهم فرحون) سعوا وما زالوا يسعوا للولوج للسلطة والثروة والمتعة بأقنعة دينية, فضلاً عن تفريق المجتمع, إضافة إلى الفِرق الدينية في هذا الكون الممتد أيضا تلك التي أشار اليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أن أثنين وسبعين فِرقة منها من اصل ثلاث وسبعين فِرقة ستكون في النار, حيث قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فِرقة كلها في النار إلا واحدة), فالمتفحص لهذه الفِرق يجد أنها تتزاحم بغطاء ديني للوصول إلى السلطة والثروة والمتعة, فضلاً عن تفريق المجتمع.
الطبيب النفسي النمساوي (فرويد) فسّر أن أي سلوك للإنسان سواء كان ذلك مباشر أو غير مباشر منذُ ولادته حتى مماته بواحدة من تأثيرات السلطة أو الثروة أو المتعة, كل حسب مرحلة حياته, فالأطفال مثلاً متعتهم في اللعب, والشباب متعتهم في الثروة, والرجال متعتهم في السلطة, وأن جغرافيا وتاريخ السلطة والثروة والمتعة على امتداد هذا العالم تشير إلى أن الروس مثلاً يكافحوا من اجل السلطة, والأمريكان يقاتلوا من أجل الثروة, في حين أن العرب يسعوا وراء السلطة والثروة والمتعة معاً.
وتأسيساً على ذلك, فإن أدوات الباحثون عن السلطة والثروة والمتعة تتغير مع تطور العصر من زمن إلى آخر, ومن مكان إلى آخر, فتارة تجد أن هذه الادوات تندرج تحت ألوية القتال, وتارة أخرى تجدها تندرج تحت أقنعة الدين.
تاريخ الأمة والفتن التي اجتاحتها عبر القرون الماضية وما نتج عن هذه الفتن من مآسي, تجد أيضاً أن هناك خيوط رفيعة للباحثين عن السلطة والثروة والمتعة وقتها, وبدأ النقّاد اليوم يعرّوا هؤلاء دون أي تحفّظ.