لن أسقي بقرتي من هذا الماء

الفيلسوف (دويجين) الذي كان يعيش في برميل، بعد أن ضاقت في عينه الدنيا الرحبة، واتسعت نفسه لنفسه. هذا الفيلسوف جاءه الإسكندر الأكبر ووقف أمامه، وسأله أن يطلب ما يريد من نعيم وخيرات وطلبات، دويجين نظر إلى الاسكندر بعين مرتابة، وقال بهمس: أريدك أن تبتعد قليلاً، فقد حجبت نور الشمس عني!.

أما الإمبراطور(ساجا)، فقد كان شيخاً مسناً، وتعب من مسراته وأفراحه الكثيرة، وأضناه همٌ غاضب، فهو لم يرزق بأولاد، ولهذا يتجنب في الغالب بلاطه الباذخ، ويتوجه إلى أحد النسّاك الزاهدين.

الناسك الذي لا يأبه كثيراً بمجيء الإمبراطور أو غيابه، كان جالساً على جذع شجرة مستغرقاً في تأمله، عندما جاءه الإمبراطور ذات مرة، وقال له: أمعن النظر في حياتك يا صديقي، أنت نشيط، وحيوي، وسخي، وحكيم، وأنا شيخ كبير، وليس لي ولد يرثني، أتود أن تخلفني في عرشي ومالي: هل تريد أن تصبح إمبراطوراً؟!.

هذا السؤال المدهش المفاجئ، لم يرد عليه الناسك أبداً، فأضاف الإمبراطور بإغراء: تخيل المتع الكثيرة، والثروات الكبيرة، والسلطة المطلقة، وحق الحياة والموت، كل هذا يمكنك امتلاكه عندما تخلفني، ويمكنك أن تبني قصراً أو معبداً، أينما شئت!.

وما أن أكمل ساجا كلامه، حتى نزل الناسك عن جذع الشجرة، وقال لصديقه الإمبراطور: أنا ذاهب إلى النهر، لأغسل أذني اللتين لوثتهما كلماتك!!.

اتجه الناسك صوب النهر، حيث صادف فلاحاً، جاء ليسقي بقرته، الفلاح الذي أعتاد أن يرى الناسك قبل الغروب يغسل أذنيه، فسأله مستهجناً: أتغسل أذنيك في هذه الساعة من النهار؟!، فرد عليه: نعم يا صديقي، كلمات الإمبراطور لوثت أذني، عرض علي أن أخلفه، فأصبحُ الإمبراطور!.

أفهم أنك تغتسل؟!!، قال الفلاح، وفي هذه الحال، لن أدع بقرتي تشرب من هذا الماء الملوث!.

دويجين يقدر الاسكندر، ولكنه لا يتمنى أن يكون الاسكندر!، والناسك لا يريد أن يكون إمبراطوراً، ليس لأن الإمبراطور شيء سيئ. وكأن الرضا إذا استفحل بالنفس أغناها عن سواها!.