إنتفاضة المعلمين .. دروس وعبر !

... عاد الطلبة الى صفوفهم ، وانتظمت المدارس ، وعاد المحارب العنيد منتشيا بفوز ونصر في معركة أراد لها البعض ان تكون خاسرة ، لم توقفه كل التهديدات ، ولم تسقط الراية من يده ، أصابته بعض " الشظايا " ولم يبالي ، ابواق الخانعين دعت لحربه وكسر جاهه ، وأبواق أخرى دعت لطرده وإستبداله ، وقوى وأقلام وأصوات مأجورة خانعة مبتذلة تختفي خلف الميكروفونات ، تتنقل من محطة الى محطة بحثا عن بضعة دنانير إضافية ، تنكروا فيها حتى لمؤسسات الوطن التي كبّرتهم وربتهم وعلمتهم كيف يقفون خلف الميكرفون ، جعلت منهم إعلاميين وأصحاب شهرة يتهافت عليهم المنخدعون بإنتمائهم وولائهم المزيف المدفوع الثمن ، ويتجولون بهم خارج البلاد لأسابيع ، "يتبرطعون " على حساب الناس في بلاد الغرب ولا أعرف الحاجة لذلك وماجدواها ، ويتقاضون فيها رواتب ومكافآت تعادل رواتب معلمي مدرسة كاملةفي سنه ، وعلى حساب الجيش والاجهزة الأمنية ،فهم أخر من يتحدث عن الانتماء ، وهناك ابواق صدرت من مساجد ومنابر رسول الله عليه السلام تدعو الى إستخدام العصا و " العين الحمراء "بحق المعلمين في مخالفة صريحة لوصايا النبي عليه السلام ، ومؤشر غفلاسهم الفكري والأخلاقي !! وابواق " بكل أسف تربوية حملت أسماء روابط وجماعات يدّعون أنهم يمثلون قطاع من التعليم ،وهم لا يمثلون أكثر من خمسة أو عشرة معلمين إن زادوا أو تحشدوا ، تجييش كبير في مواجهة معلمين مطالبين بحقوقهم ومدافعين عن كرامتهم ، في ثورة بيضاء لم يحملون فيها سوى ميكروفونات وأعلام الوطن ، دروس وعبر نذكرها للتاريخ وللناس وللمنخدعين بطيور الظلام ، كشفتها إنتفاضة المعلمين الباسلة .
عاد المعلم الى صفه منتشيا بنصر مبين ، تفوح من "عيناه " رائحة الفوز والانتصار ، لازال "غبار المعركة " عالق في ثنايا ابتسامته الجميلة ، صولاته وجولاته كانت دفاعا ليس عن كرامتة وحده ، بل كرامة كل حانق وغاضب ومهمش في وطن تنكر لابنائه وتضحياتهم ، هي إنتفاضة من أجل الوطن والحرص على تاريخه ومستقبله وهويته وصورة أجداده ، إنها إنتفاضة ضد الإستبداد والفساد ونهب الثروات ، كانت بحق إنتفاضة المعلم ، معلم ليس في صف مدرسي فحسب ، بل وفي الأدوات والوسائل والحنكة والصبر التي قدمها إنموذجا رائعا يُدرّس في كتب السياسة والتاريخ وعلم الثورات البيضاء ،إنتفاضة سطر فيها " القادة " دروسا في التفاوض والإدارة والتنفيذ بفنية عالية ، ومن كان يقول بغير ذلك ، فليعيد حساباته من جديد ، وليعلم أن في البلاد قادة وابناء وطن ، أثبتوا أنهم أعظم وأصدق وأخلص من كل تلك الرموز الفاسدة التي حكمت وأحكمت قبضتها على البلاد .
وفي المعركة فئة خاسرة ، " شاطها " فوز المعلمين ، خسر من راهن على العصا والبدائل المطروحة ، وخسر من غدر برفاق دربه من الذين ادّّعوا أنهم يمثلون المعلمين ! ويطعنون بحراكهم السلمي الأبيض النقي من كل عيب ، وخسر كل الذين نجّسوا ميكروفونات المساجد والمنابر والإعلام بدعواتهم " الدموية لمواجهة المعلمين ، فماذا جنينا نحن ، وماذا جنيتم انتم!!
جنينا نحن محبة الله قبل كل شيء ، حين حاربنا المنكر المتمثل بمحاولات تهميش وتجريد حملة رسائل العلم والمعرفة من كل حقوقهم المادية والمعنوية ، وجنينا الإعتراف بحقوقنا وكرامتنا ، وأرسينا قواعد لعبة جديدة في الدفاع عن الكرامة والوطن دون إراقة دم ، وجنينا ُسنة حميدة ، ان لا نلتفت الى الوراء أو يعطلنا نعيق الغربان ، جنينا قوة تَقهر ولا تُقهر ، وجنينا مؤسسة وطنية عملاقة ستكبر وتتعاظم وتؤتي أُكلها بعد حين دفاعا عن الوطن وعن حقوق المقهورين المهمشين ، وأوجدنا جيشا أخر في خدمة الوطن وفي خدمة شعبه ، وقدمنا أروع إنموذج عصري رفيع المستوى في المطالبة بحقوقنا ، وبدلنا كل معايير وقيم ونظرة الطبقات الفاسدة المتحكمة بوطننا وبإقتصادنا وحياتنا تجاه الناس ، أعدنا للتعليم سمعته وهيبته ورفعته ، فلا رفعة للتعليم ولا مجد وحادي العيس يعاني وخز الألم في جنبه منذ سار على درب التعليم ، فبالله عليكم كيف تتأملون بتعليم راق ومتطور ، وصاحب الرسالة يعاني التهميش والإنكار والجحود !
حقائق كثيرة تجلت هنا ، ثورة بيضاء أعدنا فيها الهيبة و " الكرامة " للمواطن المنهوب إجتماعيا وإقتصاديا ، وأعدنا للمعلم هيبته التي حاولوا إضعافها ، المعلمون ، وحدهم وقفوا دون نواب او أعيان أو حتى احزاب تدعي الأكثرية وتدعي الدفاع عن الحق ، وحدهم المعلمون وقفوا بعناد الأبطال في مواجهة آلة التهميش والجحود وحكم الفساد المتعاظم في وطننا ، لم تكن المعركة لتحقيق علاوة مالية كما يعتقد الجهلة ، ولكنها معركة من أمنوا بضرورة تغيير الموازين وتعديلها لصالح شعب نهبوا ثرواته ومكتسباته ، وقد تكون معركتهم القادمة دفاعا عن الهوية والتاريخ وظلم الناكرين لتاريخ وتضحيات اجدادهم في بناء الوطن ورفعته التي يحاول البعض إنكارها !
تلك هي إنتفاضتنا المجيده ، التي تضاف الى سجل إنتفاضات شعبنا وحراكه دفاعا عن الوطن ومكتسباته .