الطبيب النفسي
اخبارالبلد- تجلس أمام طبيبها «النفسي» وقبل أن تبدأ بالبوح تخبره بأنها لا تملك من الجرأة لتخبر احدا انها تعود طبيب نفسي فهي مقتنعة تماما بأن الآخرين لن يتفهموا ما تمر به ولا يتقبلون أن يحتاج الإنسان في هذا الزمن لطبيب قادر أن يحررنا من متاعبنا ويساعدنا على تفهم الحياة أكثر والتعامل مع همومها ومتاعبها لنتمكن أن نتجاوزها بانتصار بدلا من أن تهزمنا.
هي ليست الوحيدة التي تطرق أبواب الطبيب النفسي فهناك الكثيرين ممن يعانون من تعب الحياة وقلقها وصعوبتها التي تزداد يوما تلو الاخر فيشعر الإنسان أنه محاط بمشاعر سلبية كبيرة وغربة عن الآخرين تحول بينه وبين أن يبقي متماسكا قادر على استكمال حياته دون ضعف وتعب.
ولكنهم يبقون ذلك طي الكتمان لأننا لا نزال نحتاج أن نقطع شوطا كبيرا في تفهم «تعب النفس» واغترابها وتراكم هموم الحياة بكل تفاصيلها على قلوبنا لنمنح من يطرقون أبواب الاطباء النفسيين شهادة تثبت أنهم عقلاء لكنهم متعبون حقا.
لم تعد الحياة بسيطة كما كانت من قبل ولم تعد قلوب ونفوس البشر مساحات من الطمأنينة وراحة البال بل باتت محملة بثقل الأيام تحتاج من يلملم تعبها وخيباتها ويتركها تبوح كغيمة سماء تمطر وتمضي.
نحن بالحياة نقسو على أنفسنا كثيرا نتركها تعاني وتغضب وتشعر بأنها تقاوم حتى أمام جروحها وخيبات من تحب وابتعاد الاصدقاء وعدم قدرتها على تحقيق أحلامها ولو كانت بسيطة.
نقسو عليها بحيث يصبح التعب النفسي محرما وعدم القدرة على التقاط إشارات السعادة أمر طبيعي علينا أن نتعايش معه لنكتشف تدريجيا أننا فقدنا الأمل بالحياة ولم نعد نشعر بها.. وأن النفس تتوق لراحه قد تكمن في أننا نحتاج للبوح لمن يسمعنا دون أن يحاسبنا..
لمن يتفهم ضعفنا ونفاذ قدرتنا على المقاومة فيكون لنا ملجأ يأخذ بأيدينا لنعود كما كنا أو نحاول ذلك فحتى المحاولة تلك تغير لنا الكثير وتعيد الأمل بحياة لا تخلو من التعب لكننا قد نتمكن من مواجهتها دون انكسار.
هي لم تجد من بتفهم وجعها ولم تعد تريد من يسدي لها إرشادات بالحياة.. كل ما تفعله أنها تؤكد ضياعها وتزيد من غربتها وتشعر أنها وحيدة محاطة بأوجاع ومتاعب ولا أحد يمكنه أن يساعدها ولو بتركها فقط تبوح بما يعتري تلك النفس.
فكان «الطبيب النفسي» أمامها كورقة بيضاء لا ماضي بها ولا مستقبل فقط ورقة بيضاء بها تبدأ من جديد علها تستعيد قواها وتتمكن من استنشاق هواء الحياة دون وجع.. فقط لأنها لا تريد أن تنهزم ولو كان كل ما حولها يهزمها.
نحن نخجل حقا من الكشف عن متاعبنا النفسية وهمومنا وأحلامنا التي لا تزال قيد التأجيل ولا نعترف أننا نطرق أبواب الطبيب النفسي لنرتاح ولكننا لا نخجل أبدا من استسلامنا لضعفنا وفقداننا الأمل بلحظات الحياة وبقائنا نحيا بنبضات القلب فقط.. والحياة روح تستحق أن نقاوم كل من يطفئها.