مخيم عين الحلوة.. التفكيك والتشريد.. من المستفيد؟

أخبار البلد-

 

في ذروة نكبة عام 1948 أسس الصليب الأحمر الدولي مخيم عين الحلوة، ليستوعب في حينه 15 ألف لاجئ فلسطيني شردتهم العصابات الصهيونية من مدن وقرى شمال فلسطين، وأخذ المخيم اسمه من نبع المياه الحلوة العذبة التي كانت بالمكان، وبقي اللاجئون الفلسطينيون في هذا المخيم يعيشون في الخيام حتى اهترأت وتمزقت على رؤوسهم وفقط في عام 1952، وبعده تم بناء بيوت صغيرة ومتلاصقة تقريبا من الإسمنت. اعتقد اللاجئون الفلسطينيون من بينهم من سكنوا مخيم عين الحلوة، أن إقامتهم لن تطول، وأن الدول العربية لن تنتظر طويلا قبل أن تحرر فلسطين، وبقوا كل الوقت يحلمون بالعودة إلى وطنهم.

المخيم مر بمراحل وظروف صعبة لكنه صمد وتكاثر سكانه إلا أن بلغ عددهم في ذروته 170 ألف نسمة، وهو أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، ويطلق عليه البعض "عاصمة اللجوء الفلسطيني" في لبنان. ولمزيد من المعلومات والمعطيات فإن مخيم عين الحلوة واحد من 12 مخيما فلسطينيا في لبنان تتوزع من الجنوب إلى الشمال ومن البحر إلى البقاع في الشرق، والمخيم في العقدين الأخيرين لم يعد حكرا على الفلسطينيين وإنما فيه لبنانيون وسوريون وجنسيات أخرى.

المخيم منذ عدة أسابيع يشهد اشتباكات عنيفة متقطعة، ولا يبدو الأمر أنه مجرد مخطط لقلب الموازين ومحاولة إنهاء سيطرة حركة فتح وتصفية منظمة التحرير الفلسطينية في المخيم، وإنما الهدف تفكيكه وإجبار اللاجئين الفلسطينيين فيه على ركوب قوارب الموت في البحر والهجرة إلى مختلف أصقاع الأرض. من يقوم بهذه المهمة بالنيابة منظمات وفصائل تكفيرية ظلامية، وهي امتداد للقاعدة وداعش وحركات الإسلام السياسي والسلفيين وغيرهم من هذه الجماعات، وفي مقدمتهم "جند الشام" وهو تنظيم يضم بعض الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وجنسيات أخرى تسللوا إلى المخيم بالتدريج وعلى مراحل وشكلوا قوة مسلحة فيه، وهناك "الشباب المسلم" وهو تنظيم قريب من حماس وجماعة الإخوان المسلمين، والشباب المسلم تعود جذور تأسيسه إلى مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، وفي سبعينيات القرن العشرين أسس فرع له في لندن على يد بنغاليين. أما حركة الأنصار فهي حركة مقربة من تنظيم القاعدة. وهناك بالطبع تجار المخدرات والسلاح وغيرهم من العصابات التي يقف خلفها متنفذون من دول إقليمية عدة.

وعندما نتحدث عن تفكيك مخيم عين الحلوة. لا يعني تفكيكه ماديا. بل تفكيك هويته الوطنية الفلسطينية. لأهيم نة القوى الظلامية. ويهدفون لأن يصبح المخيم أي شيء ولكن ليس فلسطينيا له هدف وطني واحد ألا وهو حق العودة. وإذا فشلوا في تفكيك هوية المخيم فسيعملون على تدميره وشطب وجوده، وإذا نجحوا في عين الحلوة فستلاقي باقي المخيمات الفلسطينية في لبنان المصير نفسه وهنا يكمن الخطر.

هم يعتقدون أن تفكيك المخيم يمر عبر إنهاء وجود فتح في المخيم، وهي التعبير الحقيقي عن الوطنية الفلسطينية. والسؤال من هي الأطراف التي لها مصلحة في إنهاء وجود فتح وتفكيك المخيم، أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان؟ بالتأكيد في طلعية هؤلاء تأتي إسرائيل، فهي صاحبة المصلحة الأولى، فوجود المخيم بهويته الوطنية يعني التمسك بحق العودة. فإسرائيل التي تعمل ليل نهار على تصفية قضية اللاجئين من مصلحتها تفكيك عين الحلوة. وكافة المخيمات الفلسطينية.

بالإضافة إلى ذلك فإن المخيم بموقعه على بوابة الجنوب اللبناني يمثل هما أمنيا لإسرائيل، فهو مع مخيم الرشيدية قرب مدينة صور يمثلان تهديدا نائما للدولة العبرية. وفي السياق فإن أي قوة أو طرف يسعى لتفكيك المخيم أو يسعى لتفكيك هويته الوطنية عبر محاولة تصفية وجود فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، فإنه يتقاطع مع الهدف الإسرائيلي إن لم يكن ينفذه بالنيابة عنها، بغض النظر عن التسميات الطنانة التي يحملها، جند الشام أو الشباب المسلم وغيرها من الحركات الظلامية.

ليس هدف المقال البحث عن الخيوط التي تأخذنا للداعمين لهذه الحركات الظلامية والمسلحين لها، ولكن إذا كانت حماس تعتقد أنها ستكسب من خلال إضعاف فتح والمنظمة في مخيمات لبنان بهذه الطريقة فهي واهمة لأن الهدف ليس القضاء على فتح في المخيم ليجري تسليمه لحماس وأعوانها الصغار، وإنما الهدف تفكيك المخيم وإنهاء وجود وتشريد اللاجئين الفلسطينين إلى أصقاع الأرض. ولعل من المهم أن يدرك الشعب الفلسطيني خطورة ما يجري في عين الحلوة، إنه ليس مجرد اشتباكات تندلع على خلفية خلافات ميدانية محدودة وإنما هو مخطط كبير وخطير وستكشف الأيام الأطراف المتورطة والتي تقدم لإسرائيل أكبر خدمة. ولكن قد يكون الوقت قد فات ويكون المخيم قد تم تفكيكه وتشريد اللاجئين الفلسطينين ونشرهم على مساحة الأرض وعندها تكون إسرائيل قد نجحت في تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.