التقارب التركي المصري.. محفزاته وتداعياته الجيوسياسية

 

أخبار البلد- بعد لقائهما في دلهي عاصمة الهند على هامش قمة مجموعة العشرين الاقتصادية؛ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تلقيه دعوة رسمية من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة القاهرة، وهي خطوة تفتح الباب لصفحة جديدة في العلاقات المصرية التركية. وهنا يطرح السؤال الأسباب التي حركت مياه العلاقات الراكدة بين القاهرة وأنقرة على نحو سريع في العام 2023.

رغم التوتر الذي ساد العلاقات المصرية التركية خلال السنوات العشر الفائتة التي أعقبت الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في العام 2013؛ لم ينقطع التنسيق الامني والعلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة.

ورغم التدهور الواضح في العلاقات السياسية المصرية - التركية استمرت العلاقات الاقتصادية بين البلدين بالنمو، متخطية حاجز السبع مليارات دولار بحسب الاحصاءات المصرية، في حين أشارت تقديرات تركية على لسان رئيس الغرف والبورصات التركي (حصارجكلي أوغلو) إلى 10 مليارات دولار بلغها التبادل التجاري في العام الماضي 2022، إلى جانب 200 شركة تركية - 40 منها كبيرة - تعمل في مصر، موفرة 100 ألف فرصة عمل للمصريين، فخلال لقائه وزير الصناعة والتجارة المصري أحمد سمير صالح والوفد المرافق له في أنقرة في آب/أغسطس الماضي كشف عن طموحات البلدين لرفع التبادل التجاري ليبلغ 20 مليار دولار للاعوام القليلة المقبلة.

من رحم القطيعة السياسية التي لم تبلغ حد سحب السفراء وإغلاق الممثليات والقنصليات؛ نشطت التجارة، ومن مخاض التنافس والصراع في ليبيا وسوريا وشرق المتوسط؛ برزت الحاجة للتعاون والشراكة بين البلدين لمواجهة التحديات الجيوسياسية شرق المتوسط وفي ليبيا وسوريا، فتعاون البلدين يقلب الخسائر والتهديدات إلى مكاسب وفرص للبلدين؛ تفضي إلى حل الصراعات والازمات في ليبيا وسوريا، بل والسودان، كما أنها تعزز مكانة البلدين الجيوسياسية شرق المتوسط، في مواجهة نشاط "إسرائيل" المقلق بشراكتها مع قبرص واليونان لتهديد مصالح البلدين، أو باقترابها من اثيوبيا وكينيا في القرن الافريقي.

المنافع الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية المتوقعة للعلاقة المصرية التركية؛ تفوق الكلف على نحو مثير للاهتمام، في عالم متغير يسوده انعدام اليقين والتقلبات الخطيرة؛ بإعادته التوازن للعلاقات بالقوى والتجمعات الاقليمية، وعلى رأسها دول الخليج العربي وإيران والكيان الاسرائيلي، حيث استفاد الاخير من تنافس البلدين وتصارعهما خلال العشرية الماضية؛ لتعزيز نفوذه في شرق المتوسط وفي الخليج العربي والبحر الاحمر والقرن الافريقي.

المكاسب الجيوسياسية المتوقعة تعتبر أهم المحفزات التي جلبت البلدين إلى الطاولة وإلى الفضاء الاقليمي رغم التوترات الكبيرة التي مرت بها علاقاتهما، وهي حقبة كشفت عن المصالح المتشابكة للبلدين، والتي ما كان بالإمكان التعرف عليها واختبارها بعمق دون اشتباك البلدين إقليميا في السنوات الماضية.

مصر وتركيا، وعلى نحو مذهل، الدولتان الاقليميتان الاكثر قابلية للتصالح والتعاون، والأقدر على تحويل التنافس إلى شراكة ومكاسب، وهي حقيقة تكشف عمق العلاقة الثقافية والحضارية التي وفرت الأساس لهذا التقارب والانجذاب الطبيعي، والتكامل الذي بات فطريا بين المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للبلدين.

التقارب المصري التركي مصلحة عربية وإسلامية لدول غرب آسيا وشمال افريقيا وحوض البحر الاحمر، فأثره لا يقتصر على البلدين ومصالحهم الاقتصادية والسياسية المباشرة، بل وعلى حالة الفراغ التي تسود المنطقة، والتوازنات الاقليمية المضطربة بوصلتها وغاياتها.