لو لم يحدث انقلاب تشيلي عام ١٩٧٣؟!

 

أخبار البلد- وصلتني الأسبوع الماضي الرسالة الدورية المفتوحة للكاتب الهندي الكبير فيجاي پراشاد من معهد الدراسات الاجتماعية للقارات الثلاث في نيو دلهي بعنوان مثير ((ماذا لو لم يكن هناك انقلاب في تشيلي عام ١٩٧٣؟ )): تخيلوا المشهد التالي! لو ان الوحدات الرجعية من الجيش التشيلي بقيادة الجنرال اوغستو بينوشيه التي أُعطيت الضوء الاخضر من قبل حكومة الولايات المتحدة لم تغادر ثكناتها في ١١سبتمبر١٩٧٣، ولو أن الرئيس سيلفادور الليندي الذي كان يرأس حكومة الوحدة الشعبية ذهب الى مكتبه في لامونيدا/ سانتياغو ليعلن الاستفتاء العام على حكومته ويطلب استقالة عدد من كبار جنرالات الجيش، ثم يتابع عمله لتخفيض التضخم ولتحقيق برنامج الأجندة الاشتراكية في تشيلي، إذ حتى اللحظة التي هبط فيها الجيش التشيلي على لامونيدا كان الليندي وحكومة الوحدة الشعبية منهمكين في جهودهم للدفاع عن سيادة تشيلي وتحديدًا مناجم النحاس في أراضيها، وتوفير الاموال الكافية لاجتثاث الجوع والأمية ولتطبيق الرعاية الصحية وبناء اسكانات تحفظ كرامة المواطنين ومدارس وجامعات لأبنائهم وضمان اجتماعي عادل وقابل للنمو وليس رواتب تقاعدية تقترب من الكفاف... وامن حقيقي بشرطة تخدم الناس ولا تقمعهم وساحات عامة للترفيه وملاعب للأطفال ومنتجعات شعبية لقضاء العطل وكلها قابلة للتحقيق بعدما مكّنت اللامركزية في مؤسسات الضمان الاجتماعي المواطنين من مراقبة اموالهم الموفرة فيها، وفي مشاريع الإسكان من الاشراف عليها في الاحياء الفقيرة... ولولا وقوع انقلاب ١٩٧٣ في تشيلي لما كانت انقلابات بيرو ١٩٧٥ والارجنتين ١٩٧٦، وبدون تلك الانقلابات ربما تراجعت الدكتاتوريات العسكرية الاخرى امام النقمة الشعبية في بوليفيا والبرازيل وباراغواي، وبوحي من النموذج التشيلي والعلاقات الحميمة مع كوبا كان من الممكن كسر الحصار الاقتصادي غير الشرعي الذي فرضته واشنطن على الجزيرة الصغيرة، ولنجح اتفاق أُنكتاد في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في سانتياغو ١٩٧٢ بتطبيق نظام اقتصادي عالمي جديد ينحّي هيمنة الدولار/وول ستريت وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي... لكن انقلاب بينوشيه وقع فعلاً وقامت الدكتاتورية العسكرية بقتل وإخفاء ونفي مئات الالاف من الشعب التشيلي، وبفرض نظام قمعي دموي لم تتمكن تشيلي من تغييره بسهولة بعودة الديمقراطية عام١٩٩٠، وبعدما كانت تشيلي مختبرًا للاشتراكية تحولت في قبضة العسكر الى مختبر لمبادئ الليبراليين الجدد (ميلتون فريدمان وتلامذته من صبية شيكاغو)، واصبح لها رغم قلة عدد سكانها (عشرة ملايين تقريبا اي عشر سكان البرازيل) تأثير سلبي على مستوى الشعوب وخاصة في العالم الثالث .

ان الانقلاب ضد حكومة الليندي لم يكن بسبب سياستها بتأميم مناجم النحاس فحسب بل لأسباب أهم وأكبر تتعلق برفض سيطرة الدول الكبرى على الصغرى ،ففي مؤتمر انكتاد ١٩٧٢ في سانتياغو اعلن الليندي ان هدف المؤتمر استبدال نظام اقتصادي بالٍ وغير عادل بآخر متوازن مبني على احترام كرامة الانسان واعادة صياغة التقسيم الطبقي غير المقبول ،وهذا بالفعل ما جرى حرفه عن مساره بالانقلاب العسكري المؤيَّد من الدول الإمبريالية والذي أدى الى انتشار ثقافة اليأس، لكن حركة عريضة للمقاومة الوطنية قامت على تضحيات هائلة استطاعت في النهاية إنهاء الحكم الدكتاتوري لبينوشيه وسياسات صبية شيكاغو في عام ١٩٩٠.

 

 

 

إن انقلاب ١٩٧٣ أوقف عملية وعدٍ عظيم بحياة أفضل لكنها ينبغي ان تعود كي يتحقق الوعد./التوقيع: ڤيجاي وبعد.. صحيح أن كتابة التاريخ لا تبدأ قط بكلمة «لو»، لكن فيجاي كتب رسالة مفتوحة أنهاها بضرورة تحقيق الوعد العظيم!