أزمة أخلاق

أخبار البلد- 

«إنكم تبتهجون حين تُسنّون القوانين، ولكنكم تبتهجون أكثر حين تخرجون عليها»، جبران خليل جبران.

قضى القائد البوسني علي عزت بيجوفيتش ثلث عمره في السجن، لكنه خرج منه أقوى، وقاد شعبه نحو التحرر ثم حكم البلاد، ومع ذلك بعد انتهاء فترة ولايته الرئاسية في العام 2000 فاجأ الناس بقرار اعتزال الحياة السياسية، قائلاً: أخاف أن أموت وأنا رئيس!

في كتابه المهم «الإسلام بين الشرق والغرب» كتب بيجوفيتش: إن كثرة القوانين في مجتمعٍ ما وتشعّبها علامة مؤكدة على شيء فاسد في هذا المجتمع، وفي هذا دعوة إلى التوقف عن إصدار المزيد من القوانين والبدء في تعليم الناس وتربيتهم.

في صالة الانتظار في البنك جلس رجل على مقربة مني، كان قد فتح معظم أزرار قميصه تاركًا لشعر صدره أن يفصح عن نفسه، وفي وسطه سلسلة ذهبية، كان منشغلاً بهاتفه ويبدو أنه كان يلعب إحدى ألعاب الكازينو، كان صوت الهاتف مرتفعًا ومُزعجًا للغاية، قلت له بأدب مع ابتسامة: هل يمكنك خفض الصوت؟ لكنه التفت إليّ بعصبية قائلاً: «ما خصّك؟».وفي المطعم كنا نجلس ومعنا طفل رضيع، وبجانبنا طاولة تجلس عليها سيدة تدخن -على الرغم من وجود لافتة بارزة مكتوب عليها «ممنوع التدخين»- توجهت زوجتي إليها وبكل ذوق وأدب مبالغ فيه طلبت منها عدم التدخين لأن دخان السجائر يؤذي الرضيع، ردت السيدة بعصبية: «لو مش عاجبك اطلعي برة».

هل تطبيق قوانين منع التدخين يحتاج إلى تدخل من جلالة الملك؟

وفي الشارع تتساءل: أين ذهبت أخلاق الناس؟! نقرأ ونسمع يوميًّا عن ضحايا على الطرقات، وترى مخالفاتٍ وتنمرًا من بعض السائقين، وويل لك لو أبديت أي ردة فعل، وكل يوم تغلق السيارات كراج المنزل وتنتظر أحيانًا بالساعات، وعندما يراك سيعتذر مجاملاً، وإذا لم تقبل اعتذاره فستتشابك معه.

القصص لا تنتهي تحت عنوان عريض: «الفظاظة في كل مكان»، لم نكن كذلك أبدًا، أحاول أن أبحث معكم عن الأسباب التي بدأت بشكل واضح تؤثر على تماسكنا الاجتماعي، قد يكون منها:

1- من تجربتي الشخصية، فإن الظروف الصعبة تُخرج أسوأ ما في الإنسان.

2- أصبحنا أكثر انعزالاً، نجلس فترات طويلة خلف الشاشات، وهذا يؤدي إلى القلق والشعور بالوحدة، يعبّر عنه بالفظاظة.

3- النرجسية، وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا؛ فهي تحفّزك أن تنشر صورك وأفكارك، فتعتقد بأنك إنسان مهم للغاية لا يحق لأحد انتقادك.

4- استيراد ثقافة الأنا، والتي تتمحور في مقولة: أنا ومن بعدي الطوفان.

5- الأخبار السلبية، خاصةً ما يجري في منطقتنا، تخزن في منطقة اللاوعي، وسيظهر الغضب والإحباط عند أول موقف.

6- قد تكون من الأسباب الشعور بالغضب نتيجة الظلم بسبب اختلال منظومة العدالة الاجتماعية.

خطورة هذه الفظاظة أنها مُعدية وتنشئ جيلاً جديدًا يتأصل فيه التنمر وتتراجع فيه الأخلاق، فتنطبق علينا الآية الكريمة: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.

من البديهيات وجود قوانين تنظم العلاقات وتحمي حقوق الناس، لذلك وجدت الحكومة أن حل مشاكل السير والجرائم الإلكترونية يكمنان في تغليظ العقوبات، قد يكون في ذلك جزءٌ من العلاج، ولكنه قطعًا ليس كله؛ لذلك قد يتطلب الأمر إطلاق استراتيجية وطنية أخلاقية.

ابدأ بنفسك، ارسم ابتسامة على مُحيّاك، كن لطيفًا مؤدبًا، عامل الناس باحترام وتجاوز عن المسيء، لعلها تكون مُعدية هي الأخرى.

أيام تفصلنا عن دخول قانون السير المعدل حيز التنفيذ، الرقم الوحيد المهم عندي سيكون بعد تقديم دراسة آثار قانون السير المعدل هو عدد ضحايا الطرقات، وسيكون هذا الرقم بمثابة اختبار: هل يكفي تغليظ العقوبات لتحقيق الأهداف أم إن المسألة أعمق من ذلك بكثير؟