نام بكّير، طال عمرك

أخبار البلد- من الأدعية الرائجة، الدعاء بطول عمر المخاطب. وهو دعاء اكتسب صفة التحية والمجاملة، في لهجات عربية عديدة، بصيغ مختلفة معناها واحد. أن يصير الإنسان من طويلي الأعمار لا ريب أمنية الناس كافة، أو معظمهم حتى وإن قست ظروفهم المعيشية وحتى الصحية، فكما يقال الحياة حلوة والروح غالية.
ذكّرني شيخ جليل من أهلي خلال زيارته -حبا وبرّا وتبرّكا- في داره العامرة في قلب عمّان العتيقة-المعتّقة، ذكّرني بحقيقة يسهو البعض عنها، وهي أن العبرة في البركة لا الطول. أن يطرح الله البركة فيما قدّر لنا من عمر هو المراد لا ريب فيه. الناس تريد البركة في أعمارها وأرزاقها ومن تعول ومن تحب.
ومن بركة ما رزقناه على هذه الأرض المقدسة، وحي رباني وهدي نبوي ما زال يرشد المؤمنين من أحفاد إبراهيم عليه السلام، ولهم -بمشيئته سبحانه- لهم السلام أجمعين. اقترن طول العمر في الديانات التوحيدية برضى الوالدين «أكرم أباك وأمك، فتطُل أيامك في الأرض..»، كما نصت خامس الوصايا العشر. أما البركة، فتلك أعم من المقدمات والنتائج، ولا تخفى على عاقل منصف.
ترى بلادا وشعوبا، أفرادا ومؤسسات فتلمح، أو تلمح بركة هنا أو هناك. تحار أحيانا في حكمة ظهورها على من لا يستوفي أسبابها أو شروطها. هي الحياة مازالت تعلمنا أن طول العمر شيء والبركة شيء آخر، وأن المعطي -سبحانه- لا يسأل فيما أعطى ومن أعطى. فكم من طويل عمر أقرّ واعترف بحكمة المانح والمانع، ربّ الأرباب.
كم يختلط الأمر على فهم الناس للبركة وشقيقتها النعمة من جهة، والمكاسب والأرباح والطول والعرض والكبر من جهة أخرى. اختلط الأمر على أحدهم ذات يوم فأساء فهم الفرق بين الطقس والمناخ، مما أدى -بسبب قلة معرفته وأسفاره- إلى إساءة فهم أسباب هطول الأمطار في بلاد وتذبذبها وشحّها وحتى انحباسها في بلاد أخرى. وفيما هو منشغل بالاستدلال ببعض ما لديه من موروث ثقافي، تذكّرنا معا بعض ما وصل إلينا في أسباب استدعاء البركة. إنها التبكير في السعي إلى الرزق، تبكير يسبق موعد صلاة الفجر بما معدله -أمريكيا- ثلاث ساعات! تنظر إلى المدن والعواصم الكبرى كواشنطن، فترى وعبر خمس مسارات، خطوطا لا انقطاع فيها باللونين الأحمر والأصفر، ما بين السيارات الآتية إلى واشنطن خاصة من الشمال (ولاية ميريلاند) والجنوب (ولاية فيرجينيا)، والمغادرة عبرها حزامها الدائري إلى ضواحيها التي صارت تستقطب المزيد من مراكز الأعمال على المستويين الاتحادي والدولي، تنظر إلى ذلك فترى سعيا حثيثا إلى الرزق قد يفسر تلك البركة التي طرحها الله، حتى وإن لم توافق عقليات البعض الانتقادية الاشتراطية حتى على نعم الله وبركاته..
أقول لكل من يطيل السهر، ليس صحيحا ما ورد في رائعة أم كلثوم -رباعيات الخيّام- «فما أطال النوم عمرا ولا قصّر في الأعمار طول السهر»، إنه يقصّر الأعمار -وكل شيء بيد الله سبحانه وليس الأعمار فقط- السهر يقصّر الأعمار وقد ينزع البركة ما لم يكن سهرا، في عبادة أو برّ أو إحسان أو عمل «خدمة»، كتلك «العيون الساهرة» عيون النشامى ف ي الوطن المفدى وعلى حدود المملكة، التي تحرسنا حتى ننام بأمن وأمان، ونصحو على بركة وسلام..