لماذا تخشى معلمات التبليغ عن انتهاكات "فحص الحمل" بمدارس خاصة؟

أخبار البلد - ما تزال ثقافة الخوف من البوح سائدة لدى بعض النساء الأردنيات اللواتي يتعرضن لانتهاكات لحقوقهن، لأسباب عدة منها الخشية من الفضيحة، والابتعاد عن المشوار الطويل في المحاكم، غير أن ثمة سببا جديدًا بدأ يظهر في الآونة الأخيرة، يتمثل بالخشية من فقدان مصدر الرزق.

 

وهذا ما ظهر مؤخراً، بعد انتشار أخبار تحدثت عن إجبار بعض المدارس الخاصة معلمات بإحضار فحص حمل ضمن الوثائق المطلوبة للتوظيف، وفق ما رصدته لجنة المعلمين في النقابة العامة للعاملين في التعليم الخاص، حيث كشف مصدر فيها لـ"الغد"، عن تخوف بعض المعلمات من تقديم شكاوى تتعلق بإجبارهن على إحضار فحص الحمل قبل توظيفهن.
 

المصدر- الذي فضل عدم الكشف عن اسمه- أفاد لـ"الغد"، أنه وخلال رصد لجنة المعلمين لأعداد المعلمات اللواتي تم إجبارهن على إحضار الفحص، تبين أن هناك تخوفا لبعضهن من كشف تجاربهن التي تعرضن لها، خوفاً على أرزاقهن في المدارس التي يعملن فيها، الأمر الذي أظهر، بحسب قوله، أن ما يحدث في بعض المدارس الخاصة ليس سلوكاً فردياً بل أقرب إلى حد "الظاهرة".

وأفاد المصدر أنه، ووفق رصد لجنة المعلمين ومقابلة أكثر من معلمة، تبين أن هناك أسلوب "ضغط وابتزاز غير مباشر" تمارسه بعض المدارس الخاصة على معلمات، بحيث تشعرهن أن أرزاقهن "مهددة" في حال لم يتلزمن بشرط فحص الحمل، وشرط ألا يحملن خلال فترة الفصول الدراسية، الأمر الذي يزيد من حدة تخوفهن من تقديم شكاوى عن هذا النوع من الانتهاك، مشيرا إلى أن هناك ثلاث معلمات فقط وافقن على الظهور على وسائل الإعلام والكشف عن تعرضهن لهذا الانتهاك.

وأشار إلى جزئية "تتذرع" بها بعض المدارس الخاصة، التي تشترط فحص الحمل مع معاملات التوظيف بكونها "تستند" إلى النظام الداخلي للمدرسة، الأمر الذي يعد مخالفة عمالية جديدة، ذلك أن وجود مثل هذا الشرط في أي نظام داخلي لأي مدرسة يخالف أنظمة قانون العمل، متسائلا في هذا السياق: "كم عدد المدارس التي أدرجت هذه المخالفة في نظامها الداخلي وصادقت عليها وزارة العمل؟".

فيما نفى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن رئيس نقابة العاملين في التعليم مازن المعايطة في تصريح لـ"الغد"، أن تشكل هذه المخالفات في بعض المدارس الخاصة "ظاهرة"، معتبراً أنها سلوكيات "عارضة" وتكشف عن جهل في القوانين، وتحديدا قانون العمال.

ووفق حديث المعايطة، فإنه وبعد ظهور تجاوزات باشتراط اصطحاب فحوصات الحمل لبعض المدارس، أجرى مسحا على باقي المدارس وتبين عدم مخالفة أنظمتها الداخلية لقانون العمل، مشددا على أن ما حدث "ليس نهجا بل جهل أو تجاهل للقانون".

من جانبها استبعدت المحامية العمالية أسماء عميرة أن تصرح وزارة العمل لمدارس خاصة ضمن أنظمتها الداخلية شرط إحضار فحوصات الحمل، مؤكدة أن وزارة العمل تشدد كثيرا على تطابق الأنظمة الداخلية للمنشآت العمالية مع قانون العمل.

ونوهت عميرة، بأن من الوارد أن "تتحايل بعض المدارس في أنظمتها الداخلية بحيث لا تعرضها على وزارة العمل، ويكون ذلك غير موثق، وتستغل جهل بعض المعلمات لوجوب تطابق بين النظام الداخلي مع قانون العمل، لكن المعلمة التي لديها وعي بأن هذا الأمر مخالف للقانون تدرك أن مثل هذا النظام الداخلي غير نافذ قانونياً.

بدوره قال رئيس لجنة المعلمين في التعليم الخاص لؤي الرمحي إن لجنة المعلمين قامت بتزويد وزارة العمل بأسماء المدارس التي تعمد إلى هذه الممارسات لاتخاذ العقوبات اللازمة بحقها، بناء على الشكاوى التي وصلتها، مشيرا إلى أن اللجنة تقوم حاليا بنشر استطلاع للمعلمات يتم التعامل معه بسرية حول مسألة طلب فحص الحمل عند التوظيف، حتى يتم تزويد الوزارة بكامل بيانات المدارس المخالفة وحصر أسمائها.

وتابع الرمحي: "وفق الملاحظات التي ترصدها اللجنة من الميدان، والشكاوى التي تصلها، فإن هذه المخالفة واسعة الانتشار في المدارس، وعلى نطاق جغرافي ضمن محافظات المملكة".

وعلى الصعيد الحقوقي، ووفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، يعد اشتراط مدارس خاصة إحضار معلمات فحص حمل لغايات استكمال التوظيف مخالفة وانتهاكا لحقوق النساء، خصوصاً فيما يتعلق بالحقوق الإنجابية، والتي تشمل وفق التعريف الحقوقي: "حقوق جميع الأفراد والأزواج في أن يقرروا بحرية ومسؤولية عدد أطفالهم ومدى تباعدهما وتوقيته، والحصول على المعلومات والوسائل للقيام بذلك"، كما "ينبغي أن يكون اتخاذ القرارات المتعلقة بالإنجاب خاليا من التمييز والإكراه والعنف".

وأضاف: علاوة على ذلك، فإنها مخالفة لقانون العمل في المادة 77 وقانون الضمان الاجتماعي في مادته 45، التي تنص على: "يصرف للمؤمن عليها خلال إجازة الأمومة بدل يعادل أجرها وفقا لآخر أجر خضع للاقتطاع عند بدء إجازة الأمومة".

وتعد إجازة الأمومة الممنوحة للمؤمن عليها وفقا لأحكام المادة (44) من هذا القانون مدة خدمة فعلية لغايات شمولها بأحكامه، ويخصم من البدل المصروف لها خلال هذه الإجازة اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة واشتراك تأمين التعطل عن العمل.

تأسيسا على ذلك، فإن "ذرائع بعض المدارس الخاصة التي تشترط إحضار المعلمة فحص حمل، حتى لا يؤثر ذلك على ميزانية ورواتب المدرسة، تعتبر ذرائع مخالفة للقانون"، وفق المدير التنفيذي لمركز "الفينيق" والخبير العمالي أحمد عوض لـ"الغد"، الذي قال إن "كافة النفقات المترتبة على المرأة العاملة تكون من مسؤولية الضمان الاجتماعي".

ووصف عوض شرط تقديم فحص حمل بأنه "انتهاك صارخ لحقوق النساء بشكل عام وحقوق النساء العاملات بشكل خاص، فحق المرأة في الحمل يوازي حقها في العمل".

وبين أن هناك "فرقا بين ممارسة انتهاك وبين اتخاذ تدابير"، لافتا إلى أن ما تقوم بعض مدارس خاصة باشتراط فحوصات حمل هو انتهاك صارخ، أما التدابير فنستطيع ولتفادي حدوث مشكلات في العملية التدريسية، أن تتخذ المدارس أساليب وابتكار نظم تدريسية حديثة خلال إجازة الولادة للمعلمة، دون اللجوء إلى خيار الاعتداء على حقوق المعلمات.

أما الحركة النسوية في الأردن، فوصفت في ورقة موقف خاصة قدمتها لـ"الغد"، ما تقوم به بعض مدارس خاصة من انتهاك الحقوق الإنجابية للمعلمات، بأنه "شكل من أشكال العبودية الحديثة، وتكريساً للنظرة السائدة تجاه النساء بأنهن آلات تفريخ يحدد لهن وقت معين من العام لهذا التفريخ، وليس كأن قرار الحمل والإنجاب قرار متعلق بالرعاية الانجابية والصحية للأم".

واعتبرت الحركة أن قرار بعض المدارس "ليس قراراً فردياً، فشرط عدم الحمل وتفضيل توظيف العازبات وإقصاء الإناث من الأساس، هي قرارات سائدة في سوق العمل، رغم مخالفتها المعايير الدولية بشأن حماية الأمومة، خصوصاً الاتفاقية رقم 183 للعام 2000، وكذلك الاتفاقية رقم 111 الخاصة بالتمييز في المهن، والتي صادق عليها الأردن عام 1963، ونصت عليها المادة 27 من قانون العمل".

وشددت على أن هذا الانتهاك هو "تعد على حق المرأة بحرية التصرف بجسدها، كما أنه تعد على حقها في الصحة الإنجابية عبر التحكم بما تقدمه من خدمات إنجابية ورعائية في الوقت الذي يناسبها ويناسب صحتها".