281 اعتــداءً عــلى الأطبــاء
اخبار البلد_ استفسار بسيط من شخص يقف أمام بوابة عيادة نسائية: الطبيب: «هل تنتظر احدا عند البوابة؟» الشخص: «لا»، الطبيب: «هل بمقدوري مساعدتك بأمر ما؟»، الشخص: «لا». الطبيب :إذن غادر المكان. الشخص: من أنت لتطلب مني مغادرة المكان يا ابن (....).
النتيجة اعتداء بالضرب المبرح على وليد صلاح طبيب النسائية والتوليد في مستشفى الأميرة راية أمين سر اللجنة الطبية المصغرة المنبثقة عن وزارة الصحة.
حالة الاعتداء على الخمسيني صلاح لم تعد فريدة تثير الدهشة والاستغراب في مجتمعنا، وما يدل على ذلك ان حالات الاعتداء على الأطباء خلال العام الماضي بلغت (81 حالة)، منها (58 حالة) في القطاع الحكومي، و(13حالة) في القطاع الخاص، و(10 حالات) على الممرضين في القطاعين.
واظهرت بيانات صادرة عن جمعية حماية الكوادر الطبية ان الاعتداءات خلال السنوات الأربع الماضية لا تقل عن (281) حالة اعتداء وهو ما يعد مؤشرا واضحا على ارتفاع حالات الاعتداء.
ورغم الاعتداء على الطبيب فإنه قد يقبض عليه نتيجة للمشاجرة، فالطبيب «صلاح -يعاني من مشكلة في القلب- تلقى لكمات مباشرة على القلب، ومع ذلك تفاجأ في اليوم التالي بتواجد مندوبي مركز امني للقبض عليه.
ويبدو ان المعتدين على الأطباء يلجأون إلى أساليب كيدية لحماية أنفسهم من العقوبة، فقد حرك المعتدي شكوى كيدية لدى القضاء في محاولة لإجبار الطبيب على التنازل عن حقه في التقاضي، وهو ما أدخل الطبيب في معاناة ادعاء جديدة.
لكن القضاء غالبا لا يكون الفيصل الأخير بين الطبيب المعتدى عليه وبين المعتدي، فقد اضطر المعتدي إلى الاستعانة بالواسطات (نواب ووجهاء عشائر) بعدما حسم القضاء القضية لصالح الطبيب، فاضطر إلى التنازل عن حقه الشخصي مقابل شجب الاعتداء عليه، ويقول صلاح «لا تستطيع أن تقول لجميع الواسطات لا، فالمرء يضطر لتلبية طلبهم خجلا».
ويحاكم القضاء العسكري حاليا المعتدي في محكمة غرب عمان العسكرية، لأن المعتدي من مرتبات الأمن العام.
وبحسب بيانات وزارة الصحة فإن مستشفى البشير احتل المرتبة الأولى في الاعتداءات على الأطباء، وبلغت حالات الاعتداء فيه ( 10 اعتداءات ) تلاه مستشفى جرش الحكومي بواقع (8 اعتداءات )، ومستشفى الزرقاء بواقع (8 اعتداءات)، آخرها مستشفى الأميرة بسمة/ اربد بـواقع (7 حالات) اعتداء، فيما تتوزع باقي الاعتداءات على المستشفيات والمراكز الطبية الأخرى.
ويفسر البعض أن الاكتظاظ هو أحد الأسباب الرئيسة للاعتداء، فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد المراجعين لمستشفى البشير (25 الف) مريض يوميا، في وقت يبلغ فيه عدد الكادر الطبي ثلاثة آلاف و500 موظف، ويزور العيادات والاقسام (10) الاف مراجع يومياً بحسب مدير المستشفى الدكتور عصام الشريدة.
الموت سبب للاعتداء
الطبيب وسام حمدان وهو طبيب مقيم في قسم «الانعاش والتخدير» في مستشفى الامير حمزة، تعرض للاعتداء من ستة أشخاص بعد وفاة قريب لهم بطريقة طبيعية في قسم الطب الشرعي الذي يبعد عن المستشفى 1500 متر.
وبحسب مدير القسم مجد الدويري «تفاجأ الكادر الطبي والتمريضي داخل المستشفى باقتحام ما يقارب (40) شخصا للمستشفى، واصيب الطبيب حمدان والممرض المرافق له برضوض في الاقدام والايدي وكدمات اسفل الظهر».
الطبيب والممرض حركا دعوى قضائية، ويحاكم حاليا اثنان من أقارب المتوفى في محكمة شرق عمان على خلفية الاعتداء.
القضية المذكورة شغلت الرأي العام في حينه، ودفعت وزارة الصحة ونقابة الاطباء ونقابة الممرضين وجمعيات حقوقية الى إجراءات تصعيدية لمواجهة الظاهرة، تمثلت باعتصامات واضرابات نفذتها الجهات المذكورة، ما نتج عنها تشكيل لجان خاصة لمتابعة قضايا الاعتداء على الأطباء في محاولة للحد منها.
ولم يبتعد الجانب الرسمي في انحيازه للأطباء عن مؤسسات المجتمع المدني فوزير الصحة عبد اللطيف الوريكات شدد خلال مؤتمر صحافي عقده مؤخرا على «مباشرة توجيه دعوة قانونية بالحق العام على من يعتدي على الكوادر الطبية الحكومية والخاصة».
ولم يفت الوزير التأكيد على فشل إجراءات إدارية سابقة، فضلا عن فشل التوسط في لجم ظاهرة الاعتداء على الكوادر، ويقول ان «الوزارة لن تستجيب لأي ضغوط خارجية لأنها تشكل غطاء لحماية المعتدين وتشجع على استمرار الاعتداء وممارسته دون خوف من عقوبات رادعة».
ويشار إلى انه بات من واجب المستشار القانوني في الوزارة متابعة حالات الاعتداء مباشرة.
ولا تنحصر الاعتداءات على الأطباء في القطاع العام وإنما تجاوزته إلى القطاع الخاص، وبحسب نقيب الأطباء الأردنيين الدكتور احمد العرموطي فإن «حصيلة الاعتداءات على أطباء القطاع الخاص بلغت (13) حالة اعتداء».
ويقول العرموطي ان «هذا العدد تعدى جميع الخطوط الحمراء»، لكنه في الوقت نفسه يؤكد على قدرة المواطن في الحصول على حقه في حال قصر الطبيب في اداء واجبه ان اثبتت التحقيقات ذلك.
غير أن الانحياز لجهة عدم الاعتداء على الأطباء لا ينفي أن النقابة تجاهلت شكاوى قدمها مواطنون ضد أطباء، فنظرت النقابة خلال العامين الماضيين بـ(120) شكوى.
ويقول العرموطي إن «بعض الأطباء ثبتت عليهم تهمة التقصير وأغلقت عياداتهم لمدة تراوحت ما بين العام ونصف العام بالإضافة إلى تغريمهم مبالغ مالية».
ومثال ذلك ما يسوقه المحامي عمر النجداوي عن «بتر العضو التناسلي لطفل يبلغ من العمر اربعة شهور»، وهو ما أثبتته المحكمة بقرار قطعي أدان طبيبين عاملين في وزارة الصحة عام 2007، وقضت المحكمة بتعويض ذوي الطفل «م، ح» بـ(282) ألف دينار.
ويشير العرموطي إلى أن النقابة عملت بالتعاون مع الجهات المعنية خلال الاعوام الماضية على رفع مستوى عقوبة الاعتداء على الأطباء إلى السجن عاما في الحد الادنى أو ثلاثة اعوام في حدها الاقصى، فيما كانت العقوبة سابقا تتراوح بين ستة شهور الى عام واحد.
ويرى العرموطي ان «الاعتداء على موظف الحكومة من الكوادر الطبية أو غيرها يعتبر اعتداء على هيبة الدولة فالطبيب موظف يعمل لخدمة الوطن».
ويوضح العرموطي «إن هذه القاعدة تنطبق على كل طبيب أو ممرض أو قابلة قانونية من القطاعين العام والخاص».
ويشدد على انه «إن سقط الحق الشخصي يبقى الحق العام وتنطبق عليه الأحكام والاعراف القانونية». وهو ما يؤكده المستشار القانوني الدكتور كمال نصيرات «تنطبق العقوبة الجزائية على أي شخص موجود على رأس عمله سواء أكان في القطاع الخاص او الحكومي وفي جميع المهن».
وسألت «الرأي» العرموطي كم عدد القضايا التي حكم فيها على المعتدين؟ فأجاب «للاسف لم يحكم على اي شخص خلال العام الماضي او الحالي حكما قضائيا نهائيا بالحبس او غيره». ويضيف «جميع قضايا الاعتداء حلت بسبب تدخل الواسطات ووجهاء العشائر، وهذا بدوره يمحو الهدف من العقاب».
ويشير العرموطي إلى أن «الاعتداءات تحدث غالبيتها في مستشفيات القطاع العام، والقليل منها يحدث في المستشفيات الخاصة» ويرجع أسباب الاعتداء إلى «ثلاثة عوامل: الأول: زيادة أعداد المرضى في أقسام الطوارئ، والثاني: عدم فصل غرف المراجعين عن غرف المرضى، والثالث: عدم كفاية الكادر الطبي والتمريضي في الطوارئ».
ويؤكد أن «عدم توفر بيئة جيدة في تلك الأقسام ليست مسؤولية الأطباء بل إدارة المستشفى ووزارة الصحة». ويعتبر «الأطباء ضحايا لا يستطيعون تقديم الخدمة المطلوبة في الوقت المحدد، نظرا لاكتظاظ الأقسام بالمرضى والمراجعين».
ليست قضية شخصية
غير أن الاعتداء على الطبيب الحكومي لم تعد قضية شخصية يحق له أن يتنازل عن حقه فيها، بل أصبحت تتعداه إلى إعادة تفعيل أحكام قانون العقوبات لسنة 1960، باعتبار الطبيب موظفا أثناء عمله.
مديرية الأمن العام بات دورها محوريا في قضايا الاعتداء على الأطباء، وأصدرت مديرية الأمن العام نهاية تشرين الثاني من العام الماضي تعميما لمديريات الشرطة والمراكز الأمنية بتكييف قضايا الاعتداء على أنها اعتداء على موظف عام أثناء تأدية واجبه تطبيقا لقانون العقوبات الذي «غلظ عقوبة الاعتداء على موظف تعرض لاعتداء أثناء تأدية وظيفته بالحكم على المعتدي بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات».
ويوضح التعميم أن «إجراءات أمنية مشددة اتخذت لحماية الكوادر لمنع تعرضهم لأي اعتداء عبر تعزيز المفارز الأمنية في المستشفيات وتسيير دوريات أمنية مدنية وعسكرية على مدار الساعة».
الإجراءات الجديدة بحسب التعميم تسمح لوزارة الصحة تطبيق بعض الأنظمة، ومنها عدم السماح لمرافقي المرضى بالدخول إلى غرف الإسعاف إلا للضرورة كما يسمح لها بتوفير قاعات انتظار معزولة تحول دون احتكاك المرافقين مع الكوادر الطبية لتمكينهم من تقديم الخدمة الطبية بعيدا عن التأثيرات الخارجية التي تعيقها.
عشرة اعتداءات على ممرضين
ويبدو أن الممرضين ليسوا بأفضل حال من الأطباء فلهم نصيب من الاعتداء بحكم عملهم المرتبط بالأطباء، ويرفض نقيب الممرضين خالد أبو عزيزة الاعتداء على جميع الكوادر الحكومية والخاصة التي تعمل على خدمة المواطن على دوام الساعة.
ويشير إلى أن «عدد اعتداءات العام الماضي بلغت عشر حالات»، ويوضح ان «النقابه تسعى إلى جانب وزارة الصحة إلى تقليص الاعتداءات على كوادرها».
ويذكر أن «آخر اعتداء كان على ممرضين في مستشفى جرش الحكومي في ايام عيد الاضحى الماضي من اقارب احد المرضى بعد ان قام الممرضون بإسعاف الحالة وتقديم الرعاية الصحية لها».
ويدعو ابو عزيزة «كل ممرض او طبيب ان يصمد في وجه المطالبة بإسقاط الحق الشخصي للافراج عن مرتكبي الاعتداءات»، ويعلل ذلك «بأن اسقاط الحق الشخصي يزيد من احتمالية الاعتداء مرة اخرى ويدفع بالمعتدي إلى عدم الاكتراث أو عدم تحمل مسؤولية اعتدائه».
ويرى أبو عزيزة ان «الاعتداء على الكوادر الطبية يعبر عن انحراف في منظومة الاخلاق الاجتماعية».
شكاوى ضد الأطباء
ويؤكد الناطق الاعلامي باسم وزارة الصحة حاتم الأزرعي ان «للمواطن حق الاحتجاج وانتقاد الخدمات المقدمة وتقديم الآراء والاقتراحات والشكاوى إذا لاحظ تقصيرا أو إهمالا في أداء الكوادر لواجبها». ويقول «الوزارة على استعداد لتقبل أي شكوى بحق أي من كوادرها إذا ما أحس صاحبها أن قنوات الاتصال مغلقة في وجهه».
ويضيف «إنها تحاسب وتعاقب المهملين أو المقصرين عن أداء الواجب كما ينبغي ولديها التشريعات القانونية الرادعة ولا تتهاون في تطبيقها وتحويل المقصرين للقضاء ووقفهم عن العمل لحين صدور قرار قطعي من المحكمة المختصة».
ويبين أن «نسبة عالية من الاعتداءات التي سجلتها الوزارة كانت في أقسام الإسعاف والطوارئ والعيادات من مرافقي المرضى الذين تغص بهم غرف الإسعاف فيعيقون الكوادر عن تأدية واجبهم معرضين بذلك حياة المرضى للخطر».
وفي بحث موسع لـ«الرأي» في سجلات محكمة الزرقاء في قضايا الايذاء والتسبب به بالتعاون مع المستشارة القانونية المختصة لانا فرعون، تبين ان «المحكمة خلال الثلاثة اعوام المنصرمة لم تصدر اي حكم على شخص اشتكي عليه بالاعتداءات الطبية».
وتفاجأت المستشارة فرعون من عدم وجود اي حكم قضائي على اي شخص قام بالاعتداء على طبيب او ممرض خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة.
وتشير إلى ان عدد المستشفيات في مدينة الزرقاء يبلغ (9) مستشفيات، منها سبعة في القطاع الخاص وواحد عسكري وآخر حكومي بتعداد سكاني يبلغ (950.000) مواطن.
وتقول «ليس معقولا صدور أي حكم، هذا دلالة واضحة على أن الامور تحل قبل اصدار احكام بها من قبل المحاكم».
الأطباء وجدوا أنه قد يكون من المفيد الدخول في اجراءات عملية تنطلق بمبادرة منهم، فأسسوا مؤخرا جمعية حماية الكوادر الطبية، لحمايتهم من كافة أشكال الاعتداءات والتجاوزات (الجسدية واللفظية والنفسية وغيرها)، وذلك بالتعاون مع الجهات القانونية والصحية داخل البلاد.
ومن ابرز مهام اللجنة رصد وتوثيق ودراسة حالات الاعتداء على الكوادر الطبية في كافة القطاعات، فضلا عن متابعة تنفيذ الإجراءات القانونية بحق المعتدين للحيلولة دون تكرر الاعتداءات ورفع كفاءة الكوادر الطبية وتدريبها على التعامل مع حالات الاعتداء عليها.
النتيجة اعتداء بالضرب المبرح على وليد صلاح طبيب النسائية والتوليد في مستشفى الأميرة راية أمين سر اللجنة الطبية المصغرة المنبثقة عن وزارة الصحة.
حالة الاعتداء على الخمسيني صلاح لم تعد فريدة تثير الدهشة والاستغراب في مجتمعنا، وما يدل على ذلك ان حالات الاعتداء على الأطباء خلال العام الماضي بلغت (81 حالة)، منها (58 حالة) في القطاع الحكومي، و(13حالة) في القطاع الخاص، و(10 حالات) على الممرضين في القطاعين.
واظهرت بيانات صادرة عن جمعية حماية الكوادر الطبية ان الاعتداءات خلال السنوات الأربع الماضية لا تقل عن (281) حالة اعتداء وهو ما يعد مؤشرا واضحا على ارتفاع حالات الاعتداء.
ورغم الاعتداء على الطبيب فإنه قد يقبض عليه نتيجة للمشاجرة، فالطبيب «صلاح -يعاني من مشكلة في القلب- تلقى لكمات مباشرة على القلب، ومع ذلك تفاجأ في اليوم التالي بتواجد مندوبي مركز امني للقبض عليه.
ويبدو ان المعتدين على الأطباء يلجأون إلى أساليب كيدية لحماية أنفسهم من العقوبة، فقد حرك المعتدي شكوى كيدية لدى القضاء في محاولة لإجبار الطبيب على التنازل عن حقه في التقاضي، وهو ما أدخل الطبيب في معاناة ادعاء جديدة.
لكن القضاء غالبا لا يكون الفيصل الأخير بين الطبيب المعتدى عليه وبين المعتدي، فقد اضطر المعتدي إلى الاستعانة بالواسطات (نواب ووجهاء عشائر) بعدما حسم القضاء القضية لصالح الطبيب، فاضطر إلى التنازل عن حقه الشخصي مقابل شجب الاعتداء عليه، ويقول صلاح «لا تستطيع أن تقول لجميع الواسطات لا، فالمرء يضطر لتلبية طلبهم خجلا».
ويحاكم القضاء العسكري حاليا المعتدي في محكمة غرب عمان العسكرية، لأن المعتدي من مرتبات الأمن العام.
وبحسب بيانات وزارة الصحة فإن مستشفى البشير احتل المرتبة الأولى في الاعتداءات على الأطباء، وبلغت حالات الاعتداء فيه ( 10 اعتداءات ) تلاه مستشفى جرش الحكومي بواقع (8 اعتداءات )، ومستشفى الزرقاء بواقع (8 اعتداءات)، آخرها مستشفى الأميرة بسمة/ اربد بـواقع (7 حالات) اعتداء، فيما تتوزع باقي الاعتداءات على المستشفيات والمراكز الطبية الأخرى.
ويفسر البعض أن الاكتظاظ هو أحد الأسباب الرئيسة للاعتداء، فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد المراجعين لمستشفى البشير (25 الف) مريض يوميا، في وقت يبلغ فيه عدد الكادر الطبي ثلاثة آلاف و500 موظف، ويزور العيادات والاقسام (10) الاف مراجع يومياً بحسب مدير المستشفى الدكتور عصام الشريدة.
الموت سبب للاعتداء
الطبيب وسام حمدان وهو طبيب مقيم في قسم «الانعاش والتخدير» في مستشفى الامير حمزة، تعرض للاعتداء من ستة أشخاص بعد وفاة قريب لهم بطريقة طبيعية في قسم الطب الشرعي الذي يبعد عن المستشفى 1500 متر.
وبحسب مدير القسم مجد الدويري «تفاجأ الكادر الطبي والتمريضي داخل المستشفى باقتحام ما يقارب (40) شخصا للمستشفى، واصيب الطبيب حمدان والممرض المرافق له برضوض في الاقدام والايدي وكدمات اسفل الظهر».
الطبيب والممرض حركا دعوى قضائية، ويحاكم حاليا اثنان من أقارب المتوفى في محكمة شرق عمان على خلفية الاعتداء.
القضية المذكورة شغلت الرأي العام في حينه، ودفعت وزارة الصحة ونقابة الاطباء ونقابة الممرضين وجمعيات حقوقية الى إجراءات تصعيدية لمواجهة الظاهرة، تمثلت باعتصامات واضرابات نفذتها الجهات المذكورة، ما نتج عنها تشكيل لجان خاصة لمتابعة قضايا الاعتداء على الأطباء في محاولة للحد منها.
ولم يبتعد الجانب الرسمي في انحيازه للأطباء عن مؤسسات المجتمع المدني فوزير الصحة عبد اللطيف الوريكات شدد خلال مؤتمر صحافي عقده مؤخرا على «مباشرة توجيه دعوة قانونية بالحق العام على من يعتدي على الكوادر الطبية الحكومية والخاصة».
ولم يفت الوزير التأكيد على فشل إجراءات إدارية سابقة، فضلا عن فشل التوسط في لجم ظاهرة الاعتداء على الكوادر، ويقول ان «الوزارة لن تستجيب لأي ضغوط خارجية لأنها تشكل غطاء لحماية المعتدين وتشجع على استمرار الاعتداء وممارسته دون خوف من عقوبات رادعة».
ويشار إلى انه بات من واجب المستشار القانوني في الوزارة متابعة حالات الاعتداء مباشرة.
ولا تنحصر الاعتداءات على الأطباء في القطاع العام وإنما تجاوزته إلى القطاع الخاص، وبحسب نقيب الأطباء الأردنيين الدكتور احمد العرموطي فإن «حصيلة الاعتداءات على أطباء القطاع الخاص بلغت (13) حالة اعتداء».
ويقول العرموطي ان «هذا العدد تعدى جميع الخطوط الحمراء»، لكنه في الوقت نفسه يؤكد على قدرة المواطن في الحصول على حقه في حال قصر الطبيب في اداء واجبه ان اثبتت التحقيقات ذلك.
غير أن الانحياز لجهة عدم الاعتداء على الأطباء لا ينفي أن النقابة تجاهلت شكاوى قدمها مواطنون ضد أطباء، فنظرت النقابة خلال العامين الماضيين بـ(120) شكوى.
ويقول العرموطي إن «بعض الأطباء ثبتت عليهم تهمة التقصير وأغلقت عياداتهم لمدة تراوحت ما بين العام ونصف العام بالإضافة إلى تغريمهم مبالغ مالية».
ومثال ذلك ما يسوقه المحامي عمر النجداوي عن «بتر العضو التناسلي لطفل يبلغ من العمر اربعة شهور»، وهو ما أثبتته المحكمة بقرار قطعي أدان طبيبين عاملين في وزارة الصحة عام 2007، وقضت المحكمة بتعويض ذوي الطفل «م، ح» بـ(282) ألف دينار.
ويشير العرموطي إلى أن النقابة عملت بالتعاون مع الجهات المعنية خلال الاعوام الماضية على رفع مستوى عقوبة الاعتداء على الأطباء إلى السجن عاما في الحد الادنى أو ثلاثة اعوام في حدها الاقصى، فيما كانت العقوبة سابقا تتراوح بين ستة شهور الى عام واحد.
ويرى العرموطي ان «الاعتداء على موظف الحكومة من الكوادر الطبية أو غيرها يعتبر اعتداء على هيبة الدولة فالطبيب موظف يعمل لخدمة الوطن».
ويوضح العرموطي «إن هذه القاعدة تنطبق على كل طبيب أو ممرض أو قابلة قانونية من القطاعين العام والخاص».
ويشدد على انه «إن سقط الحق الشخصي يبقى الحق العام وتنطبق عليه الأحكام والاعراف القانونية». وهو ما يؤكده المستشار القانوني الدكتور كمال نصيرات «تنطبق العقوبة الجزائية على أي شخص موجود على رأس عمله سواء أكان في القطاع الخاص او الحكومي وفي جميع المهن».
وسألت «الرأي» العرموطي كم عدد القضايا التي حكم فيها على المعتدين؟ فأجاب «للاسف لم يحكم على اي شخص خلال العام الماضي او الحالي حكما قضائيا نهائيا بالحبس او غيره». ويضيف «جميع قضايا الاعتداء حلت بسبب تدخل الواسطات ووجهاء العشائر، وهذا بدوره يمحو الهدف من العقاب».
ويشير العرموطي إلى أن «الاعتداءات تحدث غالبيتها في مستشفيات القطاع العام، والقليل منها يحدث في المستشفيات الخاصة» ويرجع أسباب الاعتداء إلى «ثلاثة عوامل: الأول: زيادة أعداد المرضى في أقسام الطوارئ، والثاني: عدم فصل غرف المراجعين عن غرف المرضى، والثالث: عدم كفاية الكادر الطبي والتمريضي في الطوارئ».
ويؤكد أن «عدم توفر بيئة جيدة في تلك الأقسام ليست مسؤولية الأطباء بل إدارة المستشفى ووزارة الصحة». ويعتبر «الأطباء ضحايا لا يستطيعون تقديم الخدمة المطلوبة في الوقت المحدد، نظرا لاكتظاظ الأقسام بالمرضى والمراجعين».
ليست قضية شخصية
غير أن الاعتداء على الطبيب الحكومي لم تعد قضية شخصية يحق له أن يتنازل عن حقه فيها، بل أصبحت تتعداه إلى إعادة تفعيل أحكام قانون العقوبات لسنة 1960، باعتبار الطبيب موظفا أثناء عمله.
مديرية الأمن العام بات دورها محوريا في قضايا الاعتداء على الأطباء، وأصدرت مديرية الأمن العام نهاية تشرين الثاني من العام الماضي تعميما لمديريات الشرطة والمراكز الأمنية بتكييف قضايا الاعتداء على أنها اعتداء على موظف عام أثناء تأدية واجبه تطبيقا لقانون العقوبات الذي «غلظ عقوبة الاعتداء على موظف تعرض لاعتداء أثناء تأدية وظيفته بالحكم على المعتدي بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات».
ويوضح التعميم أن «إجراءات أمنية مشددة اتخذت لحماية الكوادر لمنع تعرضهم لأي اعتداء عبر تعزيز المفارز الأمنية في المستشفيات وتسيير دوريات أمنية مدنية وعسكرية على مدار الساعة».
الإجراءات الجديدة بحسب التعميم تسمح لوزارة الصحة تطبيق بعض الأنظمة، ومنها عدم السماح لمرافقي المرضى بالدخول إلى غرف الإسعاف إلا للضرورة كما يسمح لها بتوفير قاعات انتظار معزولة تحول دون احتكاك المرافقين مع الكوادر الطبية لتمكينهم من تقديم الخدمة الطبية بعيدا عن التأثيرات الخارجية التي تعيقها.
عشرة اعتداءات على ممرضين
ويبدو أن الممرضين ليسوا بأفضل حال من الأطباء فلهم نصيب من الاعتداء بحكم عملهم المرتبط بالأطباء، ويرفض نقيب الممرضين خالد أبو عزيزة الاعتداء على جميع الكوادر الحكومية والخاصة التي تعمل على خدمة المواطن على دوام الساعة.
ويشير إلى أن «عدد اعتداءات العام الماضي بلغت عشر حالات»، ويوضح ان «النقابه تسعى إلى جانب وزارة الصحة إلى تقليص الاعتداءات على كوادرها».
ويذكر أن «آخر اعتداء كان على ممرضين في مستشفى جرش الحكومي في ايام عيد الاضحى الماضي من اقارب احد المرضى بعد ان قام الممرضون بإسعاف الحالة وتقديم الرعاية الصحية لها».
ويدعو ابو عزيزة «كل ممرض او طبيب ان يصمد في وجه المطالبة بإسقاط الحق الشخصي للافراج عن مرتكبي الاعتداءات»، ويعلل ذلك «بأن اسقاط الحق الشخصي يزيد من احتمالية الاعتداء مرة اخرى ويدفع بالمعتدي إلى عدم الاكتراث أو عدم تحمل مسؤولية اعتدائه».
ويرى أبو عزيزة ان «الاعتداء على الكوادر الطبية يعبر عن انحراف في منظومة الاخلاق الاجتماعية».
شكاوى ضد الأطباء
ويؤكد الناطق الاعلامي باسم وزارة الصحة حاتم الأزرعي ان «للمواطن حق الاحتجاج وانتقاد الخدمات المقدمة وتقديم الآراء والاقتراحات والشكاوى إذا لاحظ تقصيرا أو إهمالا في أداء الكوادر لواجبها». ويقول «الوزارة على استعداد لتقبل أي شكوى بحق أي من كوادرها إذا ما أحس صاحبها أن قنوات الاتصال مغلقة في وجهه».
ويضيف «إنها تحاسب وتعاقب المهملين أو المقصرين عن أداء الواجب كما ينبغي ولديها التشريعات القانونية الرادعة ولا تتهاون في تطبيقها وتحويل المقصرين للقضاء ووقفهم عن العمل لحين صدور قرار قطعي من المحكمة المختصة».
ويبين أن «نسبة عالية من الاعتداءات التي سجلتها الوزارة كانت في أقسام الإسعاف والطوارئ والعيادات من مرافقي المرضى الذين تغص بهم غرف الإسعاف فيعيقون الكوادر عن تأدية واجبهم معرضين بذلك حياة المرضى للخطر».
وفي بحث موسع لـ«الرأي» في سجلات محكمة الزرقاء في قضايا الايذاء والتسبب به بالتعاون مع المستشارة القانونية المختصة لانا فرعون، تبين ان «المحكمة خلال الثلاثة اعوام المنصرمة لم تصدر اي حكم على شخص اشتكي عليه بالاعتداءات الطبية».
وتفاجأت المستشارة فرعون من عدم وجود اي حكم قضائي على اي شخص قام بالاعتداء على طبيب او ممرض خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة.
وتشير إلى ان عدد المستشفيات في مدينة الزرقاء يبلغ (9) مستشفيات، منها سبعة في القطاع الخاص وواحد عسكري وآخر حكومي بتعداد سكاني يبلغ (950.000) مواطن.
وتقول «ليس معقولا صدور أي حكم، هذا دلالة واضحة على أن الامور تحل قبل اصدار احكام بها من قبل المحاكم».
الأطباء وجدوا أنه قد يكون من المفيد الدخول في اجراءات عملية تنطلق بمبادرة منهم، فأسسوا مؤخرا جمعية حماية الكوادر الطبية، لحمايتهم من كافة أشكال الاعتداءات والتجاوزات (الجسدية واللفظية والنفسية وغيرها)، وذلك بالتعاون مع الجهات القانونية والصحية داخل البلاد.
ومن ابرز مهام اللجنة رصد وتوثيق ودراسة حالات الاعتداء على الكوادر الطبية في كافة القطاعات، فضلا عن متابعة تنفيذ الإجراءات القانونية بحق المعتدين للحيلولة دون تكرر الاعتداءات ورفع كفاءة الكوادر الطبية وتدريبها على التعامل مع حالات الاعتداء عليها.