بعد انقلاب الغابون.. هل تستمر "أحجار الدومينو" بالتساقط في القارة السمراء؟

أخبار البلد - توقع محللون بعد استيلاء العسكر على السلطة في الغابون اليوم الأربعاء، أن تشهد القارة السمراء، مزيدًا من الانقلابات العسكرية.
وأشاروا إلى أن أفريقيا تذهب في اتجاه "إعادة وتموضع"، إذ ظلمتها فترة العبودية، ثم الاستعمار، وحكم العسكر.

 

وقالوا لـ"الغد" إن "الشعوب الأفريقية أصبحت تعي تماما عقلية الهيمنة والاستعمار واستغلال الموارد التي تعاملهم بها فرنسا على وجه التحديد، إذ تعد هذه الانقلابات بمثابة صفعة قوية لها.

ولفتوا إلى صراع الهيمنة بين الدول الغربية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى حول حصة الأسد في القارة السمراء.

"إعادة تموضع"

وقال المحلل السياسي الأستاذ الدكتور محمد القطاطشة إن الانقلابات في بعض الدول الأفريقية تكون مبررة من حيث أن الحكم في الغابون أصبح وكأنه وراثة، إذ استلم الرئيس الحكم عن أبيه الذي استمر على مقعده نحو 45 سنة.

وأضاف القطاطشة لـ"الغد": "الفساد اليوم قد يكون عبر صناديق الاقتراع مقننا بالقوانين، واليوم كل الانتخابات في أفريقيا مشكك بها؛ لأنها تقوم على العرقية والقبلية".

وتابع:"قد تكون الطبقة المنتخبة طبقة فاسدة، وأنا مع هذه الانقلابات العسكرية مع أنني لا أحبذ حكم العسكر، لكن فرنسا زرعت أنظمة أو نخب سياسية تتماهى مع سياساتها حتى في الانتخابات عبر صناديق الاقتراع".

وأردف: "المواطن بشكل أساسي لا يرى تغيرا ويرى أن هناك قوى استعمارية وبخاصة فرنسا، كانت وما زالت تأكل كل موارده للتواطؤ مع السلطة السياسية حتى وإن كانت منتخبة، وبالتالي لا يرى أن هذه الموارد تنعكس عليه".

واستكمل القطاطشة: "أفريقيا اليوم في إعادة تموضع، واليوم في القارة مفهوم الدولة عليه إشكالية، والإنسان يكون ولاؤه للدولة عندما تعطيه شيئا، لكنها لا تعطيه شيئا فيصبح ولاؤه للعكسر، وهو يعتقد أن العسكر آخر صمام في هذا الموضوع".

ورأى المحلل السياسي أن "القارة الأفريقية ذاهبة إلى إعادة التصحيح، فهذه القارة ظُلمت في فترة العبودية بحيث كانت موئلا للعبودية للأوروبيين، ثم ظلمت أثناء الاستعمار، ثم أثناء حكم العسكر".

وقال: "اليوم هناك تغير في النمط الفكري للعقل الجمعي الفردي الأفريقي (...)، والولاء للوطن الذي يعطي للمواطن كرامة، فالنخب السياسية في أفريقيا اليوم جوّعت المواطنين وبالتالي انقلبوا عليها".

وأشار محمد القطاطشة إلى أن "أحجار الدومينو ستنقلب على الجميع في أفريقيا، وأن العسكر ومن أقام الانقلابات في النيجر 
والغابون قد يستعينون مرحليا بفرنسا والصين لكن لن تكون اتفاقياتهم اتفاقيات إذعان وخضوع كما هي مع فرنسا في السابق".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "أفريقيا اليوم تنظر بعين التفاؤل إلى رواندا، فهي نموذج متفائل في أفريقيا لتحقيق مستويات متقدمة من التنمية، فهي شهدت حربا أهلية، لكن استلمتها نخبة سياسية نزيهة وطنية".

وأوضح القطاطشة أنه بالإجمال لا يؤيد حكم العسكر، لكنه "مع العسكر بأن يقوّموا الاعوجاج في أي دولة تصل فيها النخبة السياسية إلى الفساد".

وفيما يتعلق بعلاقة "مرتزقة فاغنر" بالانقلاب في الغابون، أكد القطاطشة استبعاده ذلك، مبينا أن "فاغنر ليست لها علاقة وهي موجودة بشكل أساسي، لكن الإعلام الغربي في بعض الأحيان يضخم الأمور".

وأوضح أن "مَن يقول إن فاغنر لها علاقة بالانقلابات التي حدثت في النيجر والغابون يريد أن يقول إن هذه الشعوب لا تفكر ولا تنتفض على المستعمر وإنما هي قضايا استعمارية من روسيا، وأنا ضد ذلك"، وهذا فيه إساءة للشعوب.

"صفعة لفرنسا"

من جانبه، قال المحلل السياسي الأستاذ الدكتور محمد المصالحة إن انقلاب الغابون ربما يكون "السادس في الجزء الغربي من أفريقيا، وهذا القطر هو من المستعمرات الفرنسية ولفرنسا مصالح كبيرة فيها وتحكمها حاجتها للموارد الموجودة في هذا البلد".
ووصف المصالحة ما حدث بأنه "صفعة كبيرة لفرنسا"، مبينا أن "هناك سببين أحدهما داخلي يتعلق بحكم عائلة بانغو التي تجاوزت 55 عاما لهذا القطر، وأسباب داخلية تتعلق بأوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة للسكان".

وتابع في تصريح لـ"الغد": "هناك أسباب خارجية تتمثل بعلاقتهم مع فرنسا وهي علاقة هيمنة واستغلال للموارد، وبالتالي يبدو أن هناك وعيا متزايدا في شعوب غرب أفريقيا بوجه العموم بأن فرنسا ما زالت تتعامل معهم بالعقلية الاستعمارية".

وأردف: شعوب أفريقيا أصبحت تعي أن فرنسا مستمرة بدعم "نظم الحكم في هذه الأقطار التي تتماشى مع مصالحها ولهذا تصمت عن وجود انتخابات ربما تكون مزورة أو غير صحيحة لأنها تريد أن تبقي النخب الحاكمة القريبة منها والخادمة لمصالحها في مواقع السلطة رغم فسادهم أو ما يمكن أن يسجل عليهم الرأي العام من أخطاء في إدارة شؤون الدولة".

وتوقع أن "تحدث عدوى تشبه ما يسمى بتداعي حجارة الدومينو، وهو ما حصل في جنوب شرق آسيا (فيتنام وكمبوديا ولاوس) وربما تحصل في بلدان أخرى إذا كانت لها ظروف مشابهة لما حصل في الغابون والنيجر، ومن المحتمل جدا أن تتكرر في أكثر من دولة".

وقال المحلل السياسي إن "فاغنر لم تظهر دلائل واضحة، لكن روسيا تتابع بقلق ما يجري في الغابون، أما الصين فاعتبرت الانقلاب حدث لإعادة النظام السابق، وأميركا تريد ترحيل مواطنيها، ما يدل على أنها شبه راضية أو شبه غير معارضة لما يجري".

وأضاف: " بالنسبة لفرنسا فأرض أفريقيا من المنطقة الوسطى على الساحل الأطلسي تشكل حديقة خلفية لها بشكل خاص وفيها موارد كبيرة جدا، وهناك تنافس دوري بين روسيا والصين والولايات المتحدة والدول الأوروبية".
وأكد المصالحة أن "الجميع يحاول أن يجد له موطئ قدم أو يبقي على هذه القدم إن كانت موجودة كما هو الحال بالنسبة لفرنسا وكل من النيجر والغابون ودول أخرى في غرب أفريقيا".