الحكومة تترك الفتيل مشتعلاً وتذهب إلى البحر الميت!

 

أخبار البلد- ليست معارضة أبدا، وليست مناكفة لأحد، وليست تقليلا من قيمة أحد، لكن أن تذهب الحكومة ومعها 600 شخص إلى البحر الميت بمناسبة مرور عام على إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة طريق تحديث القطاع العام، لاستعراض ما تم تحقيقه في البرنامجين والتحاور حول أولويات المرحلة المقبلة .

فالأمر ينطوي على تقليل من قيمة المواطن واستفزازه، وتدفعه للسؤال: هذه الحكومة الموقرة تمثل من بالضبط؟ ولماذا هذا العدد المهول الذي لو سُلح لحرر بلداً بأكمله، و95% من المتواجدين لم تكن لهم أية ضرورة مطلقا؟!

لكن لماذا أقول ذلك؟

لأنه الحكومة ذهبت إلى البحر الميت وتركت في الدوار الرابع مقرها ملفات حيوية لا تزال عالقة دون حسم، تاركة المواطن المجرد من أية أسلحة للدفاع عن نفسه وسط شركات وحيتان لا يعرف كيف يحمي نفسه منهم .

قامت شركات الاتصال بتغيير اشتراكات المواطنين الشهرية دون الرجوع أو أخذ موافقتهم أو حتى إبلاغ الحكومة بذلك، الشركات تجاهلت المواطن صاحب العلاقة وقامت بإعادة تعرفة الخطوط المدفوعة مسبقا، والتي منها إما نقل المشتركين إلى تعرفة ذات سعر أعلى بميزات إضافية أو رفع قيمة الاشتراك أو فرض رسوم تشغيل على هذه العروض.

ولا ننسى هنا أن شركات الاتصالات تستعين بمكاتب المحامين لتهديد المواطنين باللجوء للقضاء رافعين شعار الدفع أو الحبس، وكثيرا ما يجد المواطن نفسه مطلوبا للتنفيذ القضائي بناء على حكم لصالح إحدى شركات الاتصالات.

ثم لا يزال ملف خلاف نقابة الأطباء وشركات التأمين قائما بخصوص أسعار المعالجة، وفي الحالتين فإن الصراع هنا هو على جيب المواطن، فشركات التأمين تحقق أرباحا خيالية عبر التأمين الصحي وتأمين المركبات والتأمين على الحياة وعلى الشركات وغيرها، كما أن الأطباء يحققون دخلا عاليا يفوق دخل خمسة موظفين، فإذا كسر أصبعك مثلا فإن كشفية الطبيب الأخصائي لن تقل عن 30 دينارا وفي كل مراجعة ستدفع 30 دينار أخرى، فإذا اضطررت لمراجعته 5 مرات فستدفع 150 دينار، وهذا المبلغ تذهب به إلى تركيا في رحلة استجمام.

كما أن الحكومة التي تكرمت على المواطن بأن أعفته من رفع أسعار المياه لهذا العام أعلنت بأنها سترفع أسعار المياه بدءا من العام المقبل، في حين أن الخدمات المقدمة للمواطن في هذا الشأن متهالكة، وبدلا من البحث عن حلول أخرى مثل تقليل الفاقد والضرب بيد من حديد وفولاذ ونار حارقة على أيدي لصوص المياه، وبدلا من أن تتوسع في حفر الآبار، تلجأ إلى المواطن المثقل والمثخن بالفواتير والرسوم والضرائب.

ثم أنها ستفرض عليه قريبا أن يدفع رسوما لاستخدام بعض الطرق، وإذا أراد استخدام الطرق القديمة المتهالكة فهي مجانية وهو حر في هذا الخيار.

والأخطر من كل ذلك قيام البنوك برفع أسعار الفائدة للمرة العاشرة على الأقل في أقل من عام بأثر رجعي، وهو إجراء غير قانوني، وهو إجراء أقرب للمجزرة بحق المقترضين الذين باتوا غير قادرين على تأمين أقساط القروض، ولا يوجد أي مبرر لمثل هذا الإجراء فحجة الحفاظ على سعر صرف الدينار واهية ومستهلكة، إذ بإمكان البنوك عدم رفع سعر الفائدة فهي تحقق أرباحا ضخمة دون أية مخاطرة.

من الواضح أن المواطن يدفع ثمن سياسات نقدية تعمل لصالح المصارف ومالكيها.

ولن نقول الكثير حول القرار المفاجئ بإغلاق القبول في بعض التخصصات وتقليل أعداد الطلاب المقبولين لدراسة الطب في الجامعات الرسمية، أو قيام بعض المدارس الخاصة بعدم دفعها رواتب للمعلمين والمعلمات في العطلة الصيفية.

قضايا عالقة كان يجب منحها الأولية بدلا من ترف الذهاب إلى البحر الميت، فالمواطن وصل مرحلة لم يعد قادرا على الاستماع لكل التنظير والاستعراض والتزويق الرسمي دون أن ينفجر غاضبا.

للأسف الاحتقان وصل مستويات عالية جدا وبات من الضروري العمل على التهدئة عبر الدفاع عن مصالح المواطن، فالحكومة هي في النهاية في خدمة المواطن وليس في خدمة المصارف وشركات الاتصالات وشركات التأمين وطبقة رجال الأعمال (غالبية رجال الحكومة والنواب والأعيان من هذه القطاعات).

الوقت يداهمنا وقد حان للبدء في الدفاع عن مصالح المواطن الغريق الذي لم يعد يخشى البلل