4 آلاف مستفيد من "العقوبات البديلة".. كيف يتحقق الردع؟

أخبار البلد - مع تزايد عدد أحكام العقوبات البديلة غير السالبة للحرية، والصادرة عن المحاكم الأردنية، والتي استفاد منها نحو 4 آلاف شخص منذ إقرارها، يميل قانونيون وحكوميون إلى التوسع أكثر في هذه العقوبات، كونها تبعث بإشارت إيجابية، من حيث عودة المحكومين إلى الانخراط في مجتمعهم، محققة بذلك الهدف الأساسي من العقوبة، متمثلا بالردع.

 

ويستند بعضهم إلى أن الواقع التطبيقي والدراسات العلمية أثبتت أن العقوبات السالبة للحرية ربما لا تكون الأكثر كفاءة وفعالية في معاقبة الجناة، إذ تبعدهم عن بيئتهم الطبيعية، وقد تكون سببا في فقدان أسرهم مصادر عيشهم، وأيضا ربما تكون سببا لعدم تكيفهم مجددا مع مجتمعاتهم، كما تؤدي أحيانا الى اكتساب أساليب جرمية جديدة.
 

ويذهب آخرون الى أن العقوبات البديلة تساعد في التخفيف من اكتظاظ السجون التي باتت مشكلة في الآونة الأخيرة، حيث تنعكس على مستوى الخدمات الأساسية المقدمة للسجناء، ناهيك عن أن تكلفة السجين على الدولة مرتفعة.

وشدد آخرون على أن التوسع في تطبيق العقوبة البديلة لا بد أن يتزامن مع الرقابة الفاعلة، وأن يكون هناك معيار دقيق لتطبيقها، وألا تكون تمييزية بين شخص وآخر.

وتضم مراكز الإصلاح والتأهيل، وفقا لآخر إحصائيات رسمية، نحو 21 ألف نزيل، فيما تبلغ طاقتها نحو 13500 نزيل، علما أن هناك 17 مركزا، منها مركز واحد مخصص للنساء.

وتقدر التكلفة الاقتصادية للنزيل في مراكز الإصلاح بنحو 700 دينار شهريا بحسب بيانات مديرية الأمن العام، أي أن تكلفة الـ21 ألف نزيل تصل الى نحو 14.7 مليون دينار شهريا، وبواقع 176 مليونا سنويا.

يأتي هذا في وقت كانت فيه بيانات رسمية أشارت الى صدور 379 حكما قضائيا بعقوبة بديلة عن الحبس خلال شهر تموز (يوليو) الماضي، وهو رقم يعكس الزيادة في التوجه نحو العقوبات البديلة، خصوصا إذا ما قورن بعدد القضايا التي حكم فيها بعقوبة مجتمعية، وهي إحدى العقوبات البديلة خلال الفترة 2019 حتى 2021، حيث بلغ عدد هذا النوع من القضايا 719 حكما قضائيا، 371 منها في 2021 فقط، بحسب التقرير السنوي لأوضاع المحاكم النظامية والقضاء الإداري والنيابة العامة للعام 2021.

الحبس يفشل بمنع الجرائم

يرى القاضي الأسبق مستشار ديوان الرأي والتشريع سابقا د. محمود العبابنة أن التوسع في العقوبات البديلة أمر بالغ الأهمية، إذ إن السياسة العقابية التقليدية السالبة للحرية والمتمثلة بالحبس فشلت في تحقيق معالجة شاملة مانعة لوقوع الجريمة.

ويضيف العبابنة أن ابتداع طرق جديدة تناسب بعض الجرائم البسيطة وغير القصدية أو الجرائم الجنحوية التي تقع لأول مرة، بدلا من زج المخالف للقانون في السجن مدة بسيطة لا يتسنى خلالها تطبيق برامج الإصلاح والتأهيل، ناهيك عن أن هذه العقوبات في بعض الحالات تجنب الجاني اختلاطه بباقي المجرمين الموجودين في السجن.

ويؤكد أن هذا التوجه تم تأييده في القواعد النموذجية الصادرة عن الأمم المتحدة، وجاء في قواعد طوكيو للتدابير غير الاحتجازية لعام 1990، حيث نصت المادة (8) منها على: "ينبغي للهيئة القضائية، وقد توافرت لديها طائفة من التدابير غير الاحتجازية، أن تراعي في قرارها حاجة الجاني الى إعادة التأهيل، وحماية المجتمع، وكذلك مصالح المجني عليه...."، ومن بينها العمل للنفع العام، والذي أوصت عليه في البند "8/أ" عبر تأدية خدمات للمجتمع المحلي.

ويضيف أن من بين هذه البدائل، المراقبة الإلكترونية، والغرامة المالية، والخدمة المجتمعية، وتبنى القانون الأردني لعام 2017 تطبيق العقوبات البديلة، حيث تعتبر الخدمة الاجتماعية عقوبة بديلة عن حجز الحرية، ومثالها تنظيف حديقة عامة، أو مدرسة، أو العناية بمراكز العجزة، والهدف من ذلك إعادة تأهيله، وتعزيز تواصله المجتمعي، وقد حددها القانون الأردني بالخدمة بمدة لا تقل عن (40) ساعة، ولا تزيد عن (200) ساعة.

على أن العبابنة يؤكد ضرورة أن يكون هناك شركاء مع سلطة تطبيق العقوبة، وهؤلاء يوفرون أماكن تتنفيذ العقوبة، وما يزال موضوع العقوبة البديلة عرضة للتطوير والتحديث.

ورغم عدم وجود تعريف واضح للعقوبة البديلة في القانون، لكن يمكن القول إنها فرض مجموعة من الإلزامات على الجاني، تهدف الى التأهيل وإعادة الإدماج الاجتماعي بدل العقوبات السالبة للحرية، ويجب أن تكون منسجمة مع عادات المجتمع وتقاليده.

وأشار الى أن العقوبات البديلة نجحت في الأردن، وذلك بدليل تطبيقها على أكثر من 4 آلاف حالة خلال السنوات الماضية، مؤكدا أهمية تفعيل الرقابة على تطبيقها إذ لا يكفي إرسال الجاني الى حديقة لتنظيفها عشر مرات بواقع أربع ساعات يوميا، بل يجب الرقابة على عمله، وأن لا يكتفي بالذهاب مرتين أو ثلاثة للحصول على شهادة تفيد بأنه قام بالخدمة المجتمعية.

كما شدد العبابنة على ضرورة أن يكون هناك معيار دقيق لتطبيق العقوبة البديلة، وأن لا تكون تمييزية بين شخص وآخر.
فلسفة العقوبة البديلة

يتفق أستاذ القانون العام المشارك في جامعة البترا الدكتور علي الدباس مع العبابنة حول أهمية التوسع في العقوبات البديلة، خصوصا في الجرائم التي لا تشكل خطرا على المجتمع، مشيرا الى أن هذا التوجه ينسجم مع فلسفة العقوبة في إعادة تأهيل الإنسان الجاني وتحويله الى شخص صالح في المجتمع.

وبين الدباس أن العقوبات البديلة غير السالبة للحرية من شأنها أن تخفف بالدرجة الأولى من الآثار السلبية للعقوبة على الجاني، وخصوصا من حيث عدم اكتساب تجارب جديدة من السجون، وتوجيهه لإعادة التكفير عن خطئه عبر خدمة المجتمع، ناهيك عن أن هذا يساعد في التخفيف من تكاليف السجناء، وتخفيف الاكتظاظ، ما ينعكس على الخدمات المقدمة للسجناء.

وكان الدباس أشار الى أن العقوبات البديلة تساعد في التخفيف من اكتظاظ السجون، وتنعكس سلبا على القدرة على توفير الخدمات الأساسية للسجناء والتي تعتبر حقا لهم، ناهيك عن أنها تؤثر على فكرة الغاية من مراكز الإصلاح والتأهيل، وهي تحويل السجين إلى عضو صالح في المجتمع خلال مدة زمنية محددة.

عقوبة رادعة

بدوره، يرى مدير البرامج في المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي محمد شبانة أن الغاية الأساسية من وراء العمل بعقوبة الحبس أو التجريد من الحرية، أن يتحمل مخالف القانون المسؤولية القانونية والاجتماعية عن الأفعال التي ارتكبها، وتعويض الضحايا عن الأضرار التي لحقتهم، سواء كانت مادية أو معنوية، وأيضا هي عامل ردع لتقليل فرص ارتكاب الجناة جرائم جديدة، وتأهيلهم وإعادة إدماجهم في المجتمع.

ويستدرك شبانة: "إلا أن الواقع التطبيقي والدراسات العلمية أثبتت أن العقوبات السالبة للحرية قد لا تكون الأكثر كفاءة وفعالية لتحقيق الغاية المذكورة، فهي تبعد الأشخاص عن بيئاتهم الطبيعية، وقد تكون السبب في فقدانهم وأسرهم مصادر عيشهم، وايضا قد تكون سببا لعدم تكيفهم مجددا مع مجتمعاتهم، ومن المؤكد أن الكثير منهم قد يتعرضون لمؤثرات سلبية نتيجة الاحتجاز قد تكسبهم أساليب جرمية جديدة، ولهذا السبب قيل بأن السجن هو وسيلة باهظة التكاليف لإنشاء أشخاص أكثر إجراما وخطورة".

وأضاف أن العقوبات البديلة هي عقوبات تتخذ بقرار من قبل سلطة مختصة بالقانون ذات طبيعة قضائية، تتضمن إلزام المشتكى عليه أو المحكوم عليه بجريمة بشروط والتزامات لا تتضمن تجريده من حريته ولإيداعه في مراكز الإصلاح والتأهيل، وهذه العقوبات تفرض على الجرائم المحددة المنصوص عليها في القانون.

وبين أن العقوبات السالبة للحرية لها تأثيرات سلبية على حقوق الإنسان التي لا يجوز المساس بها إلا لأسباب مقيدة بشدة، منها الضرورة والتناسب والمصلحة، فضلا عن ضعف برامج التأهيل للأشخاص المحتجزين نتيجة الاكتظاظ، وعدم مناسبة البنى التحتية أو كفايتها، وبشكل مؤكد أيضا فإن التكلفة المادية للاحتجاز وإدارة مرافقه باهظة تثقل كاهل الأجهزة المعنية بإنفاذ القانون.

محليا، أكد شبانة أن تطورات مهمة حصلت على صعيد تطبيق العقوبات البديلة، وخاصة عقوبة العمل للنفع العام، واستفاد منها عدد محدود من الأشخاص، حيث دلت المقابلات والتقييمات الفردية التي أجريت معهم، أن المخرجات كانت إيجابية، فقد قدموا خدمات للمجتمع وحافظوا على صلاتهم الاجتماعية ومصادر عيشهم، وهذه النتائج تدفع باتجاه الحث على التوسع في تطبيق هذه العقوبات وتنوعها وعدم اقتصارها على العمل للنفع العام فقط.

وأضاف أن بدائل الإصلاح المجتمعي في التشريعات الأردنية تضمنت عددا من الخيارات التي قد يلجأ لها القاضي كبديل عن العقوبة السالبة للحرية.

وأكد ضرورة توسيع مشاركة منظمات المجتمع المدني والهيئات الرسمية الأخرى في برامج إعادة التأهيل والرقابة المجتمعية، والدعم النفسي والاجتماعي للأشخاص الذين تنطبق عليهم بدائل العقوبات السالبة للحرية.

ودعا الى ضرورة إجراء تقييم للمرحلة السابقة من التطبيق، بحيث تشمل جانبين مهمين: الأول أثر تطبيق العقوبات غير السالبة للحرية على الأشخاص الذين حكم عليهم بها، والثاني فعالية الجهات والبرامج التي طبقت فيها هذه العقوبات، حتى يتم وضع معايير أكثر وضوحا لشروط التنفيذ الفعال الذي يحقق أهداف العقوبات البديلة.

يشار هنا الى أن قانون العقوبات حدد بدائل العقوبات السالبة للحرية، وتشمل الخدمة المجتمعية، والمراقبة المجتمعية، والإلكترونية، وحظر ارتياد المحكوم أماكن محددة.

وكان النظام الخاص بوسائل تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية رقم 46 لسنة 2022، حصر صلاحية متابعة تنفيذ هذه البدائل بمديرية تتبع وزارة العدل، وتتولى الإشراف على تنفيذ البدائل مع الجهات المختصة كافة، ورفع تقارير المتابعة الدورية حول مدى التزام المحكوم بتنفيذ العقوبة البديلة إلى القاضي المختص، والتنسيق مع الجهات الشريكة في اقتراح برامج تأهيل وأنواع العمل للمنفعة العامة داخل الجهة المعتمدة، وتزويد المحاكم بقائمة محدثة وبشكل دوري عن الجهات المعتمدة لتنفيذ هذه البدائل لديها.