مصرع قائد مجموعة فاغنر/بريغوجين: من المستفيد؟

أخبارالبلد- ليس ثمة خبر «عاجل» يتقدّم منذ ليلة 23/24 آب الجاري, على خبر مصرع زعيم مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة, حتى أخبار محاولات نظام كييف إستنقاذ هجومه المضاد الفاشل بعمليات استعراضية, عبر إرسال مُسيرات باتجاه العاصمة موسكو أو الاقتراب من شبه جزيرة القرم, والزعم بأنه قام بعملية كوماندز ناجحة داخل شبه الجزيرة, ناهيك عن محاولات مُسيّراته البحرية مهاجمة قاعدة أسطول البحر الأسود الروسي في سيفاستوبول, والتي هي الأخرى باءت بالفشل. لم تحفل بها وسائل الإعلام الغربية وخصوصاً الأميركية البريطانية، ناهيك عن آخر أخبار الصراع «المفتوح» على جمهورية النيجر, حيث تم توظيف بعض الرؤوس الحامية في مجموعة «إكواس»، التي تراجعت هي الأخرى «نسبياً» لصالح الاستثمار الغربي في مصرع بريغوجين, عبر تنظيم حملة إعلامية مُنسقة وشرسة تستهدف من بين أمور أخرى شخص الرئيس الروسي/بوتين, عبر اتهامه مباشرة بترتيب عملية «تصفية» زعيم فاغنر ونائبه ديمتري أوتكين (المُؤسس الفعلي لفاغنر)، كما تزعم آلة الإعلام الغربية المهولة والمؤثرة, والضالعة في حملات مماثلة بشيطنة دول ورؤساء وتنظيمات ومنظمات وأحزاب, وطوائف ومذاهب ومؤسسات مالية وشركات, وكل من لا يتماشى أو يخضع لمشيئة الرجل الأبيض وقيادته في واشنطن.

وإذا كانت الاتهامات قد وُجّهت نحو بوتين شخصياً، ربطاً بأحداث 24 حزيران الماضي, والحركة المتهورة التي قام بها بريغوجين عند دخوله مدينة روستوف (بما هي المقر الميداني للعملية العسكرية الخاصة), وزحفه باتجاه موسكو بعد إسقاطه عدة طائرات مروحية عسكرية روسية وسقوط عشرات الجنود الروس، حداً دفع بعواصم المعسكر الغربي قاطبة إلى بث شائعات تتحدث عن «قرب إطاحة بوتين ووجود خلايا (نائمة) داخل الجيش الروسي, على تنسيق مع بريغوجين الذي لم تكن تفصله عن موسكو سوى 200 كم. 

فإن تلك الشائعات المحمولة على أماني ورغبات أكثر مما تستند إلى وقائع ومعطيات ميدانية, تؤكد مزاعمهم خاصة تلك التي تحدثت عن مغادرة (هروب) بوتين «سراً» إلى مسقط رأسه مدينة سان بطرسبرغ، فإن النهاية البائسة التي انتهت إلى مغادرة بريغوجين وخروجه مهزوماً ومنكسراً، لم تلبث ان أطاحت كل الرهانات المفتعلة كما يجب التنويه, التي حاولت واشنطن ولندن وبروكسل وخصوصاً برلين وباريس الترويج لقرب إختفاء بوتين من المشهد وما قد يأتي به هذا التطور الدراماتيكي بإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا, لم يستطع تحقيقه الهجوم الأوكراني المضاد, الذي كان بدأ قبل مغادرة بريغوجين بعشرين يوماً (بدأ الهجوم المضاد الأوكراني في 4 حزيران الماضي).

باقي القصة بات معروفاً وحصل بريغوجين على عفو وضمانات بوساطة الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو، فيما استعاد زعيم فاغنر بعض الثقة بنفسه لكنه من فرط سذاجته, خرج على الناس بعد ذلك بتصريحات استفزازية تكاد تصل إلى درجة الخيانة عندما زعم أن أوكرانيا لم تقم باضطهاد مواطني الدونباس أو تعلن حرباً عليهم بعد «إنقلاب الميدان» على الرئيس المُنتخب يانوكوفيتش, والذي هندسته وأشرفت عليه (الانقلاب) المخابرات الاميركية وتقدمت صفوفه فيكتوريا نولاند, التي كانت توزع الشطائر والأغطية الثقيلة على الثوار في ميدان ميدان كييف الرئيس.

يجدر التوقف عند بعض ردود الفعل على مصرع بريغوجين, خاصة «الرثاء» المؤثر الذي «دبّجه» الفيلسوف الروسي المعاصر الموصوف بأنه عقل بوتين/ألكسندر دوغين فور علمه بمصرع «المحارب يوجين».. بدا فيه دوغين وكأنه يرثي نفسه وكريمته الوحيدة التي قضت في عملية إرهابية دبرتها المخابرات الأوكرانية، ناهيك عن تعاطفه مع بريغوجين وتنويهه بما قامت به قواته في تحرير باخموت. وأقتبس عبارة لافتة في هذا الرثاء (وفق ترجمة د. زياد الزبيدي): «إن حقيقة موت أبطال فاغنر هي أكثر جوهرية من الأسباب والألاعيب والتخمينات من حوله.. لا تهمنا –أضافَ دوغين- التفاصيل والاحتمالات، نحن في حالة حرب والحرب تعني الموت، وبريغوجين –واصلَ- دخل الحرب حتى النهاية واستسلم لها.. لا أحد يستطيع الهروب من الحرب، لقد فهم بريغوجين –استطردَ دوغين- ذلك قبل الآخرين ولم يُقاوم ولقد تصرّف كرجل ومات كرجل.

أما سيرغي مارجتسكي المحامي والكاتب الصحافي والباحث السياسي الروسي, فكتبَ عن «5» روايات لمقتل قادة فاغنر, عرضَ فيها احتمالات وسيناريوهات خمسة منها مرجحاً واحدة ومستبعداً الأربعة الأخرى. والتي تقول (وهي الرواية «الرابعة» كما ترجمَ د.الزبيدي أنه كان من الممكن تصفية قيادة فاغنر خلال عملية مُشتركة بين أجهزة المخابرات الأوكرانية والغربية. لدى كييف يضيف مارجتسكي حساباتها الخاصة مع بريغوجين وأوتكين, بعد معارك سوليدار وباخموت/أرتيموفسك. قبل عيد الاستقلال في أوكرانيا، يحتاج نظامها الإرهابي إلى بعض الانتصارات الإعلامية في غياب العسكرية. في المقابل فإن «الشركاء الغربيّين»، وفي المقام الأول الولايات المتحدة وفرنسا، لا يُفضلون على الإطلاق تدخّل الجيش الخاص الروسي في الحرب القادمة في النيجر، علاوة على لعب دور مهم هناك. بالمناسبة (والقول للكاتب) هذا من المُحتمل بشكل كبير.