جوانب غريبة من حياة «فيلسوف الشيوعية» كارل ماركس

أخبار البلد - من غير الممكن تقدير تأثير الفيلسوف كارل ماركس Karl Marx على السياسة العالمية والثقافة العالمية في القرن العشرين، حتى كاد أن يصبح انتقاده بالنسبة للكثيرين من المحرمات، فقد اندلعت ثورات وتغيرت أنظمة حكم في دول كبرى باسمه. وما يزال الكثير من الأكاديميين والمثقفين يمجدونه حتى الآن، على الرغم من وضوح أخطاء نظريته الشهيرة المسماة «النظرية الماركسية»

ومن المستحيل إحصاء عدد الكتب والأبحاث التي نشرها، فقد كتب أحد أشهر الكتب في تاريخ البشرية، وهو كتاب «رأس المال» وتخلل حياته الكثير من الأحداث، لكن المحللون لم يكتبوا عن حياته الشخصية ألا نادرا، لذلك، فإنها فرصة للتعرف على الإنسان وراء ذلك المظهر المبجل. وقد يكون أحد أشهر الأحداث الشخصية تلك الحادثة المضحكة التي وقعت في أحد أيام منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر، حين التقى الفيلسوف كارل ماركس صديقه الفيلسوف الألماني إدغار باور Edgar Bauer في العاصمة البريطانية لندن. وكان الاثنان زملاء دراسة في جامعة برلين في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وقد انتهى بهما المطاف لاجئين في بريطانيا بسبب معارضتهما للنظام في مملكة بروسيا الألمانية، وكانت ألمانيا آنذاك مقسمة إلى عدة ممالك وأمارات. واتفق الاثنان على شرب الكحول في كل حانة بين شارعي أكسفورد وشارع هامبستيد في لندن. ويشكل هذا في الحقيقة تحديا حقيقيا، فحتى شرب الحد الأدنى من الكحول في كل حانة كان جديرا بأن يكون تحديا حقيقيا، نظرا للعدد الكبير من الحانات في تلك المنطقة حيث بلغت 18 حانة (عددها حاليا ست). لكن على ما يبدو أن الفيلسوفين كانا قادرين على مواجهة التحدي. وبدأ الاثنان تلك المهمة حيث تناولا المشروبات الكحولية في تلك الحانات الواحدة تلو الأخرى ودون أي مشاكل، حتى وصلا إلى نهاية شارع توتنهام كورت Tottenham Court Road، دخلا إحدى الحانات وانضما إلى بعض روادها الذين كانوا يمرحون بصخب في الغرفة الخلفية للحانة أثناء تناولهم المشروبات الكحولية بإفراط، لكن لسبب ما ابتدأ نقاش سياسي بين المحتفلين المحليين والفيلسوفين الألمانيين. وكان واضحا أن المحليين لم يعرفوا الفرق بين روسيا وبروسيا، وأن مستوى تعليمهم كان نوعا ما منخفضا

وتطور النقاش حتى تفوه أحد المحتفلين الإنكليز بملاحظة لم ترق لإدغار باور، الذي وجدها مهينة للألمان، فرد على ذلك الإنكليزي موضحا تفوق الألمان على الإنكليز من الناحية الثقافية، وما زاد الطين بلة انضمام كارل ماركس إلى ذلك الجدال، بتأكيده أن جميع كبار الموسيقيين ألمان، وأن الإنكليز أقل من الألمان فنا وثقافة بمراحل، ما أدى إلى امتعاض السكارى الإنكليز، فقال أحدهم «أجانب لعينين» damned foreigners وسرعان ما تطور الأمر إلى تبادل للشتائم وتهديد باللكمات والركلات من كلا الجانبين. لكن الفيلسوفين الألمانيين لم يكونا قد فقد صوابهما تماما بعد بسبب الكمية الكبيرة من الكحول التي تناولاها. ولاحظا أن أي مواجهة بين الطرفين ستنتهي بخسارتهما، فقررا الانسحاب المشرف والتدريجي وخرجا من الحانة. وقررا إنهاء مغامرتهما لتلك الليلة لكن قبل ذهاب كل منهما إلى مسكنه اتفقا على القيام بجولة في شوارع المنطقة الخالية لتحسين المزاج وتهدئة الأعصاب

وأثناء سيرهما في أحد الشوارع المعبدة بالأحجار والمضاءة بمصابيح الغاز (لم يكن الكهرباء موجودا بعد) تعثر إدغار باور بحجارة قد اقتلعت من مكانها في الشارع. وهنا صاح باور أن لديه فكرة للتسلية، ألا وهي تكسير مصابيح الشارع الغازية بالحجارة، وأيده ماركس بكل سعادة، فـ»الأفكار الغبية» معدية. وبدأ باور برمي الحجارة وتبعه فورا صديقه، ونجحا في كسر اربعة أو خمسة مصابيح غازية، لكن خلو الشوارع من المارة في تلك الساعة المتأخرة، إذ كانت الساعة الثانية ليلا، والهدوء المخيم على المكان جعل صوت الكسر مسموعا من مسافة بعيدة نسبيا، ما أثار انتباه أحد رجال الشرطة الذي نفخ فورا في صفارته لاستدعاء بقية أفراد الشرطة في المنطقة، الذين سرعان ما ردوا على ندائه بصفاراتهم. واكتشف الفيلسوفان الشهيران فداحة الموقف الذي وقعوا فيه والعواقب الوخيمة التي قد يواجهونها، فأطلقا سيقانهم للريح بأكبر سرعة ممكنة، وتفاجأ باور فلم يتوقع أن صديقه كان قادرا على الركض بهذه السرعة. وركض رجال الشرطة بحثا عنهما دون جدوى، فمعرفة الفيلسوفان بالمنطقة وانعطافهما في أحد الأزقة كان كافيا للإفلات من قبضة القانون لتنتهي هذه المطاردة المشوقة، التي استغرقت عدة دقائق بسلام، وعاد كل منهما إلى مسكنه بسلام. ذكر هذه الحكاية السياسي الاشتراكي الألماني فيلهلم ليبكنيخت عام 1896 في كتاب له عن كارل ماركس

كارل ماكس

كانت مشكلة كارل ماركس غروره ونرجسيته المفرطة، حيث اعتبر نفسه الفيلسوف الأعظم والمرجع الأوحد في مجالي الاقتصاد والاجتماع، أما نظرية «الماركسية» فدليل على عبقريته، ولذلك كان يحاول دائما الهيمنة في كل نقاش، وإثبات خطأ رأي من يناقشه حتى إن كان ذلك الرأي مؤيدا لأفكاره في بعض الأحيان، ولم يكن يخجل من إظهار غضبه تجاه مناقشيه. وفي إحدى المرات وجد نفسه في نقاش في لندن مع بعض العمال حول الشيوعية، وإذا به يسخر من قلة معلوماتهم لأنهم في نهاية المطاف «عمال» ومن الواضح أنه نسي أن الفلسفة الماركسية التي كان يتبجح بها تنص على أن العمال سيحكمون العالم في المستقبل ويجعلونه مثاليا. ونعود إلى إدغار باور، فعلى الرغم من تعدد لقاءات الفيلسوفين، إلا أن مغامرة الحانات كانت استثناء، حيث كانت مواردهما المالية الشحيحة خير مانع. لكن طباع كارل ماركس الشخصية، ورغبته في أظهار نفسه في النقاشات أساءت إلى علاقتهما، حتى إن نقاشا بينهما تطور إلى تبادل للكلمات الجارحة وانتهى بلكمة وجهها باور. ولم تذكر المصادر رد فعل ماركس الذي عرف بعدم انسحابه من أي تحد من هذا النوع

الكحول والمال

كان لكارل ماركس تاريخ طويل في استهلاك الكحول، فعندما انتقل من مدينة ترير (مسقط رأسه) إلى جامعة بون الألمانية اشترك في إدارة نادي ترير للحانات، وهو تجمع للطلاب المنحدرين من مدينة ترير وهدف أعضائه تناول المشروبات الكحولية بأكبر كمية ممكنة محدثين أعلى صخب ممكن. ودخل أفراد هذا النادي في بعض الأحيان في اشتباكات عنيفة مع شباب الطبقة الأرستقراطية. وكان كارل ماركس الشاب من هواة المشاجرة والتحدي، حتى إنه تحدى أحدهم في مبارزة بالسيوف كانت نتيجتها إصابته فوق حاجبه. ولتجنب عواقب وخيمة لهذه المواجهات أخذ ماركس الشاب مسدسا كاد أن يودي به في السجن. وكانت هذه الحياة غير السوية تسبب مشاكل مالية له، حيث كانت المبالغ التي يرسلها إليه والده تنفد بسرعة، فكان يكتب لوالده طالبا المزيد. وأثار كل ذلك حزن والده، الذي أراد لابنه أن يتلقى أفضل تعليم ممكن ليكون محاميا بارزا مثله، لذلك أجبره على الانتقال إلى جامعة برلين، التي تميزت بسمعة أفضل من جامعة بون. وذكر تقرير جامعة بون الذي قدم إلى جامعة برلين أن ماركس متفوق في دراسته ألا أنه يعاقر الكحول ويثير المشاكل ليلا. وعلى الرغم من أن ماركس لم يترك الكحول في برلين، إلا أن احتكاكه الحقيقي بالفلسفة بدأ في جامعتها، ليصبح في ما بعد أحد أشهر فلاسفة عصره، ويعده الكثيرون الفيلسوف الأكثر تأثيرا في القرن العشرين. لكن من غير الممكن القول إنه استمتع في حياته بشكل عام، فعلى الرغم من أنه لم يتعرض لأي مخاطر قد تودي بحياته، فقد عانى طوال حياته من سوء موارده المالية وقابليته على تبذير ما لديه، وكانت حياة اللجوء قاسية، فلم يشعر أبدا بالراحة في بريطانيا، وكان يعاني دائما من الإفلاس. وفي إحدى المرات ذهب إلى أحد المحلات لرهن مقتنيات زوجته الفضية، إلا أن صاحب المحل شك في ذلك الأجنبي رثّ الثياب وظن أنه قد سرق تلك المقتنيات، فاتصل بالشرطة التي اعتقلته لعدة أيام حتى وضحت زوجته الأمر للشرطة وأخرجته من الاعتقال. والكارثة الحقيقية التي حطمته نفسيا في نهاية المطاف هي وفاة ابنه هنري في سن الثالثة عشرة، على الرغم من أنه أنجب عدة بنات. وعلى الرغم من شهرته والعدد الكبير من الناس الذين عرفوه، فإن دراسة دقيقة لحياته تعطي الانطباع أن الوحدة كانت تعذبه

قد يتساءل المرء، هل كانت هذه الحياة السقيمة لا مفر منها؟ كان في إمكان كارل ماركس التعقل والعمل كأستاذ بارز في جامعة ألمانية ليقضي حياته بشكل لائق أكثر رفاهية وسعادة، وكان في إمكانه طرح أفكاره بطريقة أكثر ودية. لكن قد يكون السبب الحقيقي لحياته البائسة حبه المفرط لإثارة المشاكل والاحتداد مع الآخرين وإظهار تفوقه واختلافه عن الجميع بشكل مرضي. وكان احتساء الكحول كلما أمكن متعته الوحيدة

توفي هذا الفيلسوف الفائق الشهرة في الرابع عشر من آذار/ مارس عام 1883 ولم يحضر جنازته أكثر من عشرة أشخاص