ملاحظات على هامش حركة المعلّمين

اخبار البلد_ تحظى الحركة المطلبيَّة للمعلِّمين بتعاطف كبير من الغالبيَّة العظمى من المجتمع, من ضمنها أهالي الطلاب, والطلاب أنفسهم أيضاً; فما يقوم به المعلِّمون الآن لا يخدم مصالحهم الخاصَّة, وحدهم, كفئة مظلومة تسعى لرفع الظلم عنها; بل ستكون له, أيضاً, انعكاسات إيجابيَّة مهمَّة على مجمل العمليَّة التربويَّة. لأنَّ تحسين أحوالهم المعيشيَّة يخلق مناخات إيجابيَّة تساعدهم على القيام بدورهم على أحسن وجه, وتحسِّن نظرة المجتمع إليهم. كما أنَّ المعلِّمين وطلابهم والمجتمع يرتقون إلى مستوياتٍ اجتماعيَّة متطوِّرة في سياق هذا الكفاح المطلبيّ المتصاعد.

أذكر أنَّ معلِّمي جيلنا كانوا يتمتّعون بمكانة خاصَّة رفيعة; لأنَّ مستوى دخلهم الماليَّ كان جيِّداً بالقياس مع مستويات دخل الفئات الاجتماعيَّة الأخرى. ولذلك, كان مستوى التعليم في المدارس الحكوميَّة هو الأفضل, وكانت المدارس الخاصَّة, آنذاك, للطلاب الفاشلين فقط, أو المشاغبين, الذين نبذتهم المدارس الحكوميَّة. الآن انقلبت الصورة إلى حدٍّ بعيد, بسبب تردِّي الأحوال المعيشيَّة للمعلِّمين الحكوميين. لذلك, فإنَّ تحسين أوضاعهم هو الشرط الأساسيّ لإعادة الهيبة والكفاءة وعلوّ المكانة للجهاز التربويّ.

وثمَّة بعد آخر لحركة المعلِّمين لا يقلّ أهميَّة عمَّا سبق إنْ لم يزد عليه; ألا وهو دور هذه الحركة ومكانتها المهمَّة في الحراك الشعبيّ المطالِب بالإصلاح. فهي مع الحركات المطلبيَّة الأخرى مهَّدتْ لهذا الحراك ثمَّ أصبحتْ رافداً أساسيّاً مِنْ روافده.

لقد كانت حركة المعلِّمين المطالِبة بتأسيس نقابتهم, جزءاً أساسيّاً مِنْ مجموعة من التحرّكات الاجتماعيَّة الأخرى التي انطلق أغلبها من المحافظات واتَّخذ طابعاً طبقيّاً وسياسيّاً وطنيّاً; ومنها حركة عمّال ميناء العقبة التي خاضت صراعاً طبقيّاً مطلبيّاً في وقتٍ مبكِّر وتعرّضتْ للقمع بشدَّة; ثمَّ حركة عمّال المياومة التي خاضتْ نضالاً مطلبيّاً طويل النفس حقَّق نجاحاتٍ ملموسة, ثمَّ طوَّرتْ موقفها لاحقاً فامتزجت مطالبها الاجتماعيَّة بمطالب سياسيَّة عامّة; وحركة عمّال البوتاس التي قادتْ إضراباً طويلاً ضدّ إدارة هذه الشركة الأساسيَّة التي باعها الليبراليّون الجدد بأبخس الأثمان إلى الأجانب, ودفع ثمن ذلك غاليّاً الاقتصاد الوطنيّ وعمّال الشركة وموظّفوها; وحركة عمّال الفوسفات التي نظَّمتْ إضراباً مطلبيّاً مؤخّراً; ثمَّ حركة المتقاعدين العسكريين التي بدأتْ انطلاقتها, مبكِّراً, أيضاً, ببيان سياسيّ جريء رفع سقف الخطاب السياسيّ في البلاد ووسَّع آفاق حريَّة التعبير إلى مستويات غير مسبوقة, ولم تلبث هذه الحركة أنْ نظّمتْ سلسلة من الفعاليّات المطلبيَّة إلى جانب نشاطها السياسيّ المتواصل.

معظم هذه الحركات بدأ قبل الحراك الشعبيّ الأردنيّ وقبل الانتفاضات العربيَّة, وأعطى في حينه, مؤشِّراتٍ واضحة, لكلّ ذي بصيرة, بأنَّ المجتمع يعيش في حالة احتقانٍ شديدة ويُضمر تحوّلاتٍ نوعيَّة عميقة. ومِنْ رحم هذه الحالة الحيويَّة المحتدمة وُلِد الحراك الشعبيّ في بلادنا. وتُعد هذه إحدى أهمّ الخصائص التي تميِّز بين هذا الحراك وبين الحراكات الشعبيَّة في البلدان العربيَّة الأخرى. أعني, دور البعد الطبقيّ المطلبيّ الواضح في التمهيد له, ومِنْ ثمَّ امتزاجه به واستمراره في داخله كتيَّار قويّ ومؤثِّر ويمثِّل ضمانة أساسيَّة لتصحيح مساره كلّما انحرف عن طريقه الصحيح. في حين أخذت الحراكات العربيَّة الأخرى طابعاً سياسيّاً, في الغالب; ولا يزال معظمها كذلك; سوى أنَّه في مصر تبعتْ سقوط مبارك سلسلة من الإضرابات والاعتصامات المطلبيَّة التي نظر إليها قسمٌ مِنْ قادة الانتفاضة وأنصارها, هناك, نظرةً سلبيَّة متشكِّكة.
سعود قبيلات