قراءة في حديث الأمير الحسن بن طلال على التلفزيون الأردني : ماذا أراد أن يقول الأمير للأردنيين ؟ .


سميح العجارمة - حظي حديث نادر و صريح و متميز لسمو الأمير الحسن بن طلال في برنامج ( ستون دقيقة )مع الإعلامية عبير الزبن و الذي بثه التلفزيون الأردني مساءالجمعة بمتابعة واسعة و اهتمام كبير من شرائح المجتمع الأردني المختلفة .


و نحاول هنا أن نحلل سياسياً ما جاء على لسان أمير يحسب كل حرف ينطق به ، فهو الآن صاحب الخبرة الأطول في السياسة الأردنية ؛ لأنه مارسها من أعلى الهرم السياسي لعقود طويلة ، و أيضاً كمفكر يمتلك رؤيا ، من الخير للوطن و أبنائه أن يلتفت لهذه الرؤيا لأنها تصدر عن الأمير الحسن الذي قضى أطول مرحلة من حياته بجانب الراحل العظيم الملك المغفور له الحسين بن طلال .

 

برأي الأمير الحسن أن الانفجار السكاني في الوطن العربي – إذا جاز التعبير – من أهم أسباب الربيع العربي ، و أظنه يقصد عجز الأنظمة العربية عن إحداث تنمية اقتصادية حقيقية تحقق نسب نمو اقتصادي تصاعدية تستطيع مجاراة نسب النمو السكاني المتصاعدة بما يوفر فرص عمل لمحاربة البطالة و الفقر .. و بهذا أصاب الأمير كبد الحقيقة ؛ لأن الدافع الأول للربيع العربي هو الفقر و البطالة الذي يعاني منهما كل قطر عربي تقريباً ، بنفس الوقت التي يتم فيه نهب الأوطان في البلاد العربية من قبل أنظمتها السياسية ، و هذا أدى إلى الربيع العربي .

 

و كانت المفاجأة هي تصريح الأمير أن حكم العسكريين في مصر الآن هو امتداد للعهد الناصري !! و في هذا سيجد سمو الأمير الكثيرين ممن يعارضونه بذلك ؛ لأن العسكريين في مصر الآن لم يقودوا الثورة ، و لم يخططوا لها ، و تفاجؤوا بها كما تفاجأ العالم أجمع بها ، و لكنهم اضطروا لتقلد الحكم و مؤقتاً حتى لا يحدث فراغ في السلطة يؤدي بمصر إلى ما لا يحمد عقباه ، كما أنه لا يخفى على أحد أن العسكريين الذين يحكمون في مصر الآن هم جزء من النظام السابق و لكن هذا الجزء يمثل ( أفضل الأسوأ ) في النظام البائد ، لذلك اضطر الشعب المصري لقبوله كمرحلة انتقالية ليس أكثر ، فالعهد الناصري انتهى بموت جمال عبدالناصر ، فبرغم أن أنور السادات استلم الحكم بعده كان من الضباط الأحرار الذين قادوا ثورة أكتوبر في مصر في بداية الخمسينات إلا أنه هجر الخط الناصري منذ اليوم الأول لحكمه ! و اعتبار المجلس العسكري في مصر هو امتداد للعهد الناصري هو مديح لا يستحقه العسكريون في مصر .


و بالنسبة للحراكات الشعبية التي أبدى سمو الأمير الحسن رأياً فيها نعتقد أنها ستكون غاضبة من هذا الرأي ، فالأمير الحسن يحظى بشعبية كبيرة بين من يقودون الحراكات الشعبية بشكل عام و بين الحراكات الشبابية بالذات ، و ينظرون للأمير الحسن كمفكر و سياسي من الطراز الأول ، و خصوصاً أنه مارس الحكم بشكل مباشر في فترات ماضية طويلة ، و من هذا المنطلق ينتظرون كلمته و آرائه ، و لا شك أن انتقاد الأمير الحسن الحراكات الشعبية ، و استنكاره عليهم أنهم يطرحون أنفسهم كمتحدثين باسم الشعب دون أن يفوضهم أحد ، لا شك أن هذا الموقف و التصريح من الأمير شكل صدمة لهم و سيؤثر على شعبية الأمير الحسن لدى هذه الحراكات الشبابية الشعبية ، و خصوصاً بعد تشكيكه بمدى فهمهم للمشكلات التي تواجه الوطن و تقرر مصيرهم .


و الأمير الحسن لا يكتفي بالتشخيص للواقع العربي و الأردني ، و لكنه يضع العلاج ؛ حيث يكمن سر الحل – برأي الأمير – في التمازج بين أضلاع ما أسماه ( مثلث تفعيل الوطن ) ، فالملك برمزيته للدولة الأردنية من جهةٍ ، و الاقتصاد و المجتمع المدني من جهةٍ أخرى ، و تفعيل الولاية العامة للسلطات الثلاث ، و جميع ذلك على قاعدة التنمية و الأمن ، و من خلال التمازج بين هذه العناصر الأهم في الوطن نستطيع أن نصل إلى بر الأمان .


و ليس مستغرب أن مفكر بحجم و خبرة الأمير الحسن بن طلال استطاع أن يلمس الجرح و أن يصف الدواء ، ما طرحه الأمير من حل و هو ( تفعيل الوطن ) من الممكن أن يشكل خارطة طريق للخروج من عنق الزجاجة ، و لكن تكمن المشكلة في ( الوقت ) ، فالوقت قاتل ، لأن ما تحدث عنه الأمير من حل في جمل قليلة يحتاج إلى ملفات كاملة ، و مجلدات من الخطط الرئيسية و الفرعية ، و تقاسم الأدوار بين الدولة بعناصرها من جهة و الشعب بمكوناته و حراكاته و مؤسساته المدنية من جهة أخرى ، و كل ذلك يحتاج لوقت طويل من الإعداد و خلق التوافق حوله ، و بعد ذلك لوقتٍ آخر لظهور نتائج ( تفعيل الوطن ) على أرض الواقع , و المعضلة هنا أن الحراكات الشعبية المطالبة بالإصلاح و التغيير قد ترفض أن تجمد نفسها و مطالباتها من أجل تحقيق حل و خطة ( تفعيل الوطن ) ، و قد يتسائل البعض لماذا لم يتم ذلك التفعيل عندما كان سموه في موقع القرار ؟! لو تم ذلك لما وصلنا لما نحن فيه الآن .. على كلٍ نعتقد أن وجهة نظر الأمير الحسن في الحل الذي يقترحه تستحق أن يقف الجميع عندها و أن يتم التفكير بها جيداً .

 

نعتقد أن رأي الأمير الحسن بالنسبة لأعضاء مجلس النواب يتوافق مع رأي غالبية الشعب الأردني ، و خصوصاً ما ذكره من أن النواب الجدد لا يشكلون ثقلاً عشائرياً في عشائرهم ، فهذا صحيح ، و لكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل من المهم أن يشكل النائب ثقلاً في عشيرته حتى يستحق أن يكون نائباً ؟ كنا نعتقد أن الأمير سيشير إلى أن ذلك قد يكون مظهر حضاري إذا كان اختيار النائب و انتخابه تم على أساس ثقة الناس به ، و بفكره ، و بنزاهته و قدرته على تمثيلهم ، و ليس بالضرورة أن يكون انتخابهم له قد تم بناءً على ثقله العشائري ! من حقنا أن نستغرب ذلك من مفكر كبير و سياسي مخضرم بحجم الأمير الحسن بن طلال لأنه بذلك يرسخ مقولة أن ( الأردن مجتمع قبلي ) !

 

و بالنسبة للتنمية فأن كلمة الأمير من المفروض أن تكون كلمة الفصل فيها بناءً على خبرته و تجربته الطويلة عندما كان ولياً للعهد لعقود طويلة ، و أشرف على معظم خطط التنمية في الأردن ، و عنما يقول سموه أن هناك غياب تخطيط و أن الاعتماد على الرغبات الملكية فقط لإحداث تنمية حقيقية فهذا كلام خطير يجب دراسته جيداً لمراجعة جميع ما يتعلق بالتخطيط ، حتى يتم إيجاد تخطيط حقيقي و عابر للحكومات حتى تبني كل حكومة على ما أنجزته الحكومات السابقة و لس على أي حكومة جديدة أن تعيدنا إلى نقطة الصفر دائماً ، و هذا علاج لما أسماه الأمير الحسن بـ (فجوة كبيرة في الذاكرة المؤسسية) .


قد لا نكون مع الملكية الدستورية أو معها و لكن الأهم هو ما طرحه الأمير في هذا الجانب ، رأي الأمير الحسن بالملكية الدستورية و إعلانه أنه ضدها هو رأي غير مستغرب لأنه من أهم أفراد الأسرة الهاشمية ، مع أن البعض كان يراهن على أن الأمير الحسن كمفكر و سياسي كان سيكون أكثر عدالة بحديثه عن الملكية الدستورية في منطقتنا العربية ، و لكن سموه لم يستطع الخروج من عباءة الأسرة الحاكمة و في هذا له عذره ، و لذا كان من الأفضل تجنب الحديث عن الملكية الدستورية ، و لكن بما أن الأمير الحسن الذي نحترمه و نجله تحدث عن الملكية الدستورية فأن رأيه يحترمه الجميع و لكن لم يقتنع به الكثير في هذه الزاوية بالذات .

 

و من أروع ما تحدث فيه الأمير الحسن بن طلال هو حديثه عن وضع لائحة للحقوق و الواجبات لتحديد مفهوم المواطنة و توضيح الدستور ، فإن ذلك سيحقق غاية وطنية كبيرة و مهمة ، و خصوصاً إذا تم تنفيذه من قبل خبراء مُجمَع على وطنيتهم و نزاهتهم ، و ممن يحملون الفكر المعتدل سواءً كان إسلامياً أو يسارياً أو وسطياً أو قومياً ، و عندما نستطيع تحديد مفهوم المواطنة ستنتهي تلقائياً مصطلحات كثيرة دخيلة على حياتنا السياسية و القانونية و الاجتماعية مثل ( الوطن البديل ) و ( الحقوق المنقوصة ) و ( شبهات التجنيس ) و ( اغتيال الشخصية ) التي تحدث عنها سمو الأمير ، و انتقد بشدة ( اغتيال الشخصية ) و المعارك الجانبية التي يخوضها المسؤولين ، و نعتقد أن الجميع يؤيد الأمير الهاشمي بما ذهب إليه في هذا الجانب .

 

و من أهم ما طرحه الأمير و أكد عليه هو قوله لمن أسماهم بـ'أصحاب الألقاب الفاخرة' ( افهموا هذا البلد رباط ) ، نعم الدولة الأ{دنية ليست كأي دولة أخرى ، فبحكم موقعها الجغرافي على أطول خط مع إسرائيل ، و بحكم ظروف تأسيس الدولة الأردنية ، و بحكم قيادتها الهاشمية التي تستمد شرعيتها من بعد ديني ، و بعد قومي ، و من بعد تاريخي رافق الثورة العربية الكبرى ، و كل ذلك جعل الأردن ( بلد رباط ) و ذلك يعني أن له رسالة و يجب عدم المغامرة به .

 

و لا نستطيع إلا أن نأخذ على محمل الجد كلمات الأمير عن النفط و فقر الأردن به ، لنتوقف عن الحديث عن النفط و قصة الأردن مع النفط و نتعامل مع هذا الواقع المر كواقع حقيقي ، بحكم أن فقرنا بالنفط حقيقة لا مفر منها و ليس فقر مفتعل .

 

و بعد سماعنا لحديث الأمير الحسن عن الدور العربي ، و ضرورة إنشاء مؤسسات عربية كالمحكمة الدستورية العربية ، و المحكمة الجنائية العربية ، يجعلنا ذلك نعتقد أن سمو الأمير يدرك صغر حجم الأردن و حاجته لحضنه الحقيقي و هو الأمة العربية ، و من هذا المنطلق و بناءً على ما صدر عنه نعتقد أن الأمير الحسن يمتلك رؤيا لواقع الأمة العربية قد تؤدي لتحسين واقع هذه الأمة لو تم الأخذ بها ، فما دمنا في الأردن ليس لنا خيار حقيقي إلا أمتنا العربية ، فمن واجبنا السعي لتحسين واقع أمتنا العربية و بالتالي واقعنا الأردني كجزء من هذه الأمة ، لذا طرح الأمير مطالبته بإنشاء تلك المؤسسات المهمة ، و هذه النظرة يستحق عليها سمو الأمير التقدير - و هو دائماً يستحق التقدير و يحظى به - لأنها نظرة عظيمة من مفكر كبير لأمة عظيمة و لكنها الآن أمة متهالكة تحتاج لمن يرسم لها الطريق .

 

و اعتراف الأمير الحسن بتقصيرنا جميعاً كعرب بحق القدس الشريف ، نعتبر أنه بذلك يدق ناقوس الخطر الذي يهدد القدس الشريف ، لأننا إذا كنا نحن مقصرون فإن اليهود يعملون ليل نهار لتهويد القدس و هدم المسجد الأقصى و بناء الهيكل المزعوم ، و تفريغ القدس من أهلها و غير ذلك من الممارسات الصهيونية ضد القدس الشريف ، و خلق ترانسفير جديد ، و أكيد سيكون على حساب الأردن ، و سينجحون بذلك إذا لم تتحرك الأمة ضد المخططات الصهيونية ، و نتمنى أن يستمع الجميع لحديث الحسن بن طلال بما يخص القدس .


اعتقد أن هذه المقابلة لم تأتي عبثاً ، بل جاءت محاولة لإقناع الشعب برسالة معينة ، و خصوصاً أنها جاءت مباشرة بعد الاعتصام الضخم و الخطير الذي نفذه المعلمون في الدوار الرابع الأربعاء الماضي ، و قبله المتقاعدون العسكريون و اعتصامهم الكبير أيضاً في الدوار الرابع و أخذهم حقوقهم عنوة من الحكومة ،بعدهذين الحدثين كل عاقل في الدولة الأردنية تأكد أن هيبة الدولة في أدنى درجاتها ، لذلك جاء هذا اللقاء مع التلفزيون الأردني الذي أراد من خلاله الأمير الحسن بن طلال أن يقول للأردنيين( كفى نزولاً للشارع و فكروا بطريقة منطقية و علمية في الأردن و مستقبلكم المرتبط بمستقبل الأردن ) ،


أهم ما يجب أن يلتفت إليه شعبنا في حديث الأمير الحسن من حيث مضمونه أنه لا يخلو من السخرية بالحراكات الشعبية ، و من حيث توقيته أنه جاء لأهداف معينة أهمها رسالة أن الأسرة الهاشمية متحدة مع بعضها و لا يوجد أي خلافات بين رموزها ، و لا توجد أي مطامع لأحد أفرادها بالعرش كما حاولت بعض وسائل الإعلام الغربي إقناع الرأي العالمي قبل الأردني به ، صحيح أن الأمير لم يذكر ذلك صراحة و لكن دخوله بثقله على خط محاولة تحجيم الربيع العربي في الأردن يدلل على ذلك .


و من حيث الرسالة التي أراد إيصالها هي - على ما اعتقد - أن صوت الأمير الحسن و مضمون حديثه قد يكون الرسالة الأخيرة للشعب و مطالباته الإصلاحية قبل أن ينتقل النظام إلى مستوى آخر من التعامل مع الحراكات الشعبية و الاعتصامات و الإضرابات المتكررة ، و المحلل سيء النية و المتابع لمعاني حديث الحسن يستنتج أن هذا المستوى الجديد مستوى قد لا يبشر بالخير .


حديث سمو الأمير رغم منطقيته في بعض المفاصل التي عرج إليها ، إلا أنه لا شك أثار غضب قطاع واسع من الشعب الأردني ، و أتوقع أن يظهر أثر هذا التأثير السلبي خلال الأيام و الأسابيع القليلة القادمة ،و قد تنعكس على سقف المطالبات فيرتفع ، و كذلك على الشعارات التي أتوقع أنها ستتضمن انتقاداً لكثير مما طرحه و تكلم به الأمير الحسن .


على كل حال ، مهما اتفقنا أو اختلفنا مع سمو الأمير الحسن بن طلال إلا أننا نعتبر أن حديثه هذا للتلفزيون الأردني هو وثيقة سياسية يجب أن يتم دراستها جيداً ، و الخروج منها بالكثير الذي يمكن أن يكون نواة حل لما نحن فيه من تخبط كنظام و حكومة و شعب بألوانه المختلفة و حراكاته الشعبية المتعددة .